ماذا بعد فشل المفاوضات بين دمشق و"قسد"؟

الخطأ القاتل الأكبر هو أن تبحث "قسد" عن حليف إقليمي مثل إيران

ماذا بعد فشل المفاوضات بين دمشق و"قسد"؟

بعد اللقاء بين مظلوم عبدي قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وأحمد الشرع قائد الإدارة الجديدة في دمشق بداية شهر يناير/كانون الثاني للتفاوض حول مصير منطقة شرق الفرات ومصير "قسد"، أعلن الشرع قبل أيام أنه "لا يمكن أن نقبل بوجود مجموعات المقاتلين الأجانب في سوريا"، متهماً "حزب العمال الكردستاني"، و"وحدات حماية الشعب الكردية" بـ"استغلال مسألة (داعش) لخدمة مصلحتها الخاصة"، حيث عكس التصريح صعوبات كبيرة في مسار التفاوض وإيذانا بالفشل والبحث عن مسارات بديلة للحل.

هنا بعض الأوراق التي يعتمد عليها الطرفان في إدارة التفاوض وخريطة الطريق التي يعرضها كل منهما والخيارات البديلة التي ستتجه إليها دمشق في حال انهارت المفاوضات، وخيارات "قسد" في ذلك.

تصور الحل لدى الطرفين

جاء أحمد الشرع بأوراق قوية وخارطة طريق واضحة معززة بنصر ساحق انتهى بسقوط النظام، بينما جاء مظلوم عبدي بنفس الأوراق التي كان يحملها عندما كان يفاوض النظام السوري دون إدراك للمتغيرات الحاصلة وانقلاب المزاج الدولي والإقليمي تجاه الوضع الجديد وترحيب الدول الإقليمية بسيطرة الإدارة الجديدة على دمشق.

وجاء مظلوم عبدي ولديه خطان أحمران هما الحفاظ على وضع الإدارة الذاتية التي تتمتع بوضع إداري خاص وصلاحيات واسعة تصل إلى حد قبول التمثيل الدبلوماسي وتوقيع الاتفاقيات مع الدول مع أن هذا الكانتون المتخيل فيه أغلبية عربية لا علاقة لها بمطالب الإدارة الذاتية للمكون الكردي الذي من المفترض أن "قسد" تمثله. كما أنه ليس محددا على أساس ديني ولا قومي. إنه كانتون على أساس فكرة الأمة الديمقراطية. وهنا تكون "قسد" أمام هوية سياسية جديدة هي شعوب شرق الفرات المكونة للأمة الديمقراطية وهو ما ينفي أن تكون "قسد" هي الممثل للمكون الكردي أصلا.

كذلك يريد مظلوم عبدي الحفاظ على "قسد" في شقها الأمني والعسكري كيانا مستقلا مع تبعية رسمية لكنها شكلية لوزارة الدفاع ووزارة الداخلية في دمشق. وهو ما يعني أن هناك جيشا داخل الجيش.

أما ما يمكن أن يقدمه عبدي لدمشق فهو جزء من ثروات شرق الفرات من النفط والغاز وأن تقوم دمشق بالانتشار على الحدود مع تركيا والعراق وتسليم ملف "داعش" وبعض والمؤسسات الحكومية لدمشق وهو ما يعني أن يبقى مشروع "قسد" كما هو، والمطلوب من دمشق مواجهة تركيا لحماية سيادة سوريا باعتبار أن "قسد" باتت شكليا تابعة لدمشق.

يرجح أن تتجه دمشق في حال وصلت المفاوضات مع "قسد" إلى طريق مسدود إلى الضغط على "قسد" من خلال نزع الغطاء الأميركي والأوروبي عنها

هذه المطالب هي نفسها المطالب التي فاوضت عليها "قسد" نظام الأسد خلال السنوات الماضية وهو ما يعني أن "قسد" لا تعير كل المتغيرات التي حدثت أية أهمية وأنها تبدي موقفا متصلبا تجاه دمشق.

في المقابل قدم أحمد الشرع خارطة طريق مرنة جدا لحل مشكلة شرق الفرات ومشكلة "قوات سوريا الديمقراطية" تشتمل على عدد من الخطوات منها تسليم السلاح وحصر السلاح بيد الدولة وإدخال قوات "قسد" للجيش كأفراد لوزارة الدفاع وجيش سوريا المستقبل وليس كهيكل عسكري، وإخراج المقاتلين الأجانب من شرق الفرات وتسليم كل الدوائر الحكومية شرق الفرات، وتسليم الموارد من نفط وغاز إلى دمشق، وكذلك تسليم ملف "داعش"، والتنسيق مع التحالف الدولي.

وتتعهد دمشق بحماية الحدود وتسوية وضع عناصر "قسد" السوريين الذين كانوا على صلة بتنظيم "حزب العمال الكردستاني" وتتعهد بالكف عن ملاحقة تركيا للعناصر السورية التي كانت منتسبة للحزب باعتبارهم مواطنين سوريين. كذلك يتعهد الشرع بإعادة المهجرين الكرد إلى عفرين وكل المناطق التي أخرجوا منها وضمان الحقوق الثقافية والسياسية للكرد في سوريا ويشترك الكرد بكل استحقاقات الحوار الوطني والمسار السياسي ويبدو أن هذه الخارطة نالت إعجاب الإدارة الأميركية والاتحاد الأوربي رغم التحفظ التركي عليها وهو ما يعني أن "قسد" في حال رفضت هذه الخارطة فإنها ستخسر الغطاء الأميركي والأوروبي وسيتم إطلاق يد دمشق لحل الملف بطرق أخرى.

البدائل لدى كل من دمشق و"قسد"

يرجح أن تتجه دمشق في حال وصلت المفاوضات مع "قسد" إلى طريق مسدود إلى عدة خيارات وبدائل لحل مشكلة شرق الفرات وتوحيد الجغرافيا السورية، مثل الضغط على "قسد" من خلال نزع الغطاء الأميركي والأوروبي عنها، بسبب رفض عرض دمشق والبحث عن بديل سياسي كردي للتفاوض معه على الحقوق التاريخية للمكون الكردي مثل المجلس الوطني الكردي، وإطلاق يد تركيا وفصائل الجيش الوطني لممارسة ضغط عسكري محدود على "قسد" يدفعها للعودة إلى طاولة المفاوضات كما ستستثمر دمشق الخلافات الداخلية في "قسد"، خاصة بين جناح "قنديل" والجناح الوطني السوري، وتقوية موقف الجناح المحلي على جناح "قنديل"، كما ستفتح دمشق قنوات تواصل مع المكونات العربية داخل "قسد" مثل "المجلس العسكري لدير الزور" و"ثوار الرقة" و"الصناديد" والذين يشكلون أكثر من نصف القوة العددية في "قسد" ومحاولة إبرام تفاهمات خاصة معهم بعيدا عن قيادة "قسد" وترتيب أوضاعهم داخل وزارة الدفاع  وهي خطوات بدأتها دمشق بالفعل.

تعتمد "قسد" سياسة تعطيل بناء مؤسسات الدولة والسيطرة على مواردها واستخدامها كورقة ضغط لتعزيز موقفها التفاوضي مع دمشق

أما بالنسبة لـ"قسد" فتواجه تحديات كبيرة جدا فهي عرضة لثورة عربية كامنة لا ترى نفسها معنية بمشروع منظومة تدار لمصالح قومية فئوية غير سورية، كما تعاني من أزمة مشروعية في تمثيل الكرد السوريين الذين ينظرون لها كقوة أجنبية غير سورية، ويرون في "قسد" هوية أممية هجينة لا تعبر عن طموحات كرد سوريا رغم زيارة مظلوم عبدي لأربيل ولقائه مع مسعود البرزاني لتوحيد مطالب الكرد السوريين خلف "قسد" لكن اللقاء لم يحظ بالنجاح، كما تعاني "قسد" من مشكلة انسحاب أميركي وشيك، خصوصا مع وصول إدارة الرئيس دونالد ترمب التي قد تتخلى عنها ما يعني بقاءها دون غطاء دولي وما سيمهد لأزمة أخرى وهي اجتياح تركي وشيك يمكن أن يدمر كل ما بنته "قسد" من هياكل. والأزمة الأكبر هي تحكم الجناح القنديلي في قرارها وهذا الجناح مرتبط أساسا بإيران وهو ما يعني تحول "قسد" إلى ذراع إيرانية في حال خسرت الغطاء الغربي. 

رويترز
قائد "قائد قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي اثناء مقابلة صحافي في 19 ديسمبر

أمام هذه التحديات لن يكون أمام "قسد" الكثير ما عدا ورقة "داعش" والموارد السورية التي تسيطر عليها وهنا سيكون من الأخطاء القاتلة أن تستخدم "قسد" ورقة "داعش" وخلق حالة من الفوضى الأمنية من أجل شد أقدام الولايات المتحدة لعدم الانسحاب من سوريا، خصوصا بعد تعهد دمشق بتولي هذا الملف والاستمرار في محاربة "داعش" فهو ملف مطلوب إغلاقه كذلك تبعا لكل ملفات التنظيمات الأخرى. أما الموارد والثروات فسيكون كذلك من الخطأ ابتزاز إدارة دمشق بهذه الثروات لتقديم تنازلات سياسية لأنه سيعني أزمة أخلاقية مع الشعب السوري المحروم من هذه الموارد وفقد أي تعاطف شعبي مع "قسد".
لكن الخطأ القاتل الأكبر هو أن تبحث "قسد" عن حليف إقليمي مثل إيران التي خسرت نفوذها في سوريا عن طريق جناح "قنديل" الذي باتت له الكلمة العليا في منطقة شمال شرقي سوريا خصوصا مع توارد المعلومات عن وصول مضادات طيران إيرانية لمواجهة الطائرات التركية بيرقدار وطائرات مسيرة من إيران إلى "قسد" وهي الأسلحة التي باتت تستخدم حاليا من قبل "قسد" في معركة منبج وسد تشرين مع "الجيش الوطني".
وتتمثل مشكلة "قسد" في أزمة داخلية وصراع أجنحة بين جناح محلي يرغب في التفاهم مع دمشق ووقف العداء لتركيا والانخراط في مؤسسات الدولة السورية، وبين جناح يتبع قيادة "قنديل"، له الكلمة العليا ويصر على تحويل سوريا إلى ساحة صراع دولية وإقليمية وتمرير أجندات إيرانية من خلال الاستحواذ على قضية الكرد السوريين، وهو ما يتضح من حجم التصلب الذي تبديه "قسد" في مفاوضاتها مع دمشق حيث تعود إلى طاولة التفاوض مع دمشق، لكنها تكرر المطالب نفسها التي سبق أن طرحتها على النظام السوري، دون أن تُدرك التغيرات المحلية والإقليمية التي طرأت على المنطقة.
وتعتمد "قسد" سياسة تعطيل بناء مؤسسات الدولة والسيطرة على مواردها واستخدامها كورقة ضغط لتعزيز موقفها التفاوضي مع دمشق. لكن المشكلة تكمن في فشل "قسد"، كما غيرها من القوى، في فهم المرحلة القادمة التي باتت تركز على إنهاء وجود أي منظومات ما دون دولتية، بمختلف أيديولوجياتها وقومياتها وطوائفها. ويبدو أن المنطقة تتجه نحو إغلاق هذا الملف بالكامل.
ويعتمد مستقبل "قسد" بشكل أساسي على قدرتها في قراءة دقيقة للمتغيرات الإقليمية والمحلية، والسعي نحو تسوية سريعة مع دمشق، تتجنب من خلالها خسارة كل ما حققته حتى الآن وتتويج هذه المكتسبات من خلال حسم قرارها ومصيرها ضمن المشروع الوطني السوري. 
وعلى المدى القريب، قد يكون الخيار الوحيد أمام "قسد" هو تقديم تنازلات كبيرة، سواء فيما يتعلق بالموارد أو ملف السلاح والانضمام بشكل فردي إلى وزارة الدفاع، لضمان بقائها في المشهد السياسي السوري.

font change