في يومه الأول بالبيت الأبيض، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمحضر صحافيين ومسؤولين في المكتب البيضاوي: "نظرتُ إلى صور غزة وهي تبدو كموقع هدم كبير. ينبغي إعادة بنائها على نحو مختلف. غزة مثيرة للاهتمام، فلها مكان مذهل، إذ هي تقع على البحر، وطقسها هو الأفضل... يمكن القيام ببعض الأشياء العظيمة في غزة".
بلغة مقاول العقارات هذه، وهي الخلفية المهنية لترمب، تناول الرئيس الجديد القطاع المنكوب، في سياق رؤية إقتصادية، تهيمن عليها الربحية التجارية- غزة كمقصد سياحي مستقبلي- فيما غابت السياسة عن كلمات الرجل الذي ستقرر سياساته على مدى الأربع سنوات المقبلة الكثير بخصوص غزة ومستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وعلاقة أميركا بالعالم العربي في ظل النتائج التي ما تزال مفتوحة لعملية "طوفان الأقصى".
بعد ذلك بأيام، أطلق ترمب تصريحه المستفز بخصوص طلبه إرسال نحو مليون ونصف المليون من أهل قطاع غزة إلى الأردن ومصر ريثما يتم "تنظيف" القطاع وإعادة بنائه على نحو مختلف، مكررا تعبيره العقاري أن القطاع "حرفيا موقع هدم".
تعامل الرجل مع الأمر ببرود مقاولي البناء العقاريين المهتمين بإنجاز البناء الجديد من دون إزعاج ساكنيه السابقين الذين قد يعيق حضورهم إتمام البناء على نحو صحيح، واصفا انتقال الغزاويين إلى مصر أو الأردن على أنه إجازة قد تطول أو تقصر!
في منطق ترمب هذا، لا قيمة عاطفية أو تاريخية للأرض، بل هي مجرد مكان للسكن، قابل للاستبدال والرحيل منه والعودة إليه حسب رغبة مقاول البناء ومتطلبات العمل. ويمثل هذا الفصل الإشكالي بين المعنى الوطني للأرض ومعناها الاقتصادي جوهر الرؤية السياسية لإدارة ترمب في تعاطيها مع الصراع العربي-الإسرائيلي، وهي الرؤية التي ستجد ترجمتها عبر استئناف الاتفاقات الإبراهيمية بزخم أعلى في ظل إدارة ترمبية جديدة تبدو أكثر تنظيما وانضباطا من الإدارة الأولى (2017-2021).
الاتفاقات الإبراهيمية حجر الزاوية الأميركية
قبل تنصيب ترمب رسميا رئيسا للولايات المتحدة بنحو أسبوع، تحدث مستشاره للأمن القومي، مايك ولتز، على نحو أكثر وضوحا بخصوص رؤية ترمب هذه عن الشرق الأوسط التي يسبق فيها الاقتصاد السياسة ويعيد تعريفها: "أريد أن نتحدث بنهاية فترة الرئيس ترمب عن مشاريع بنية تحتية، مشاريع ماء، سكك حديد، ألياف ضوئية، مراكز معلومات إلكترونية... بغض النظر عن دينك وخلفيتك، تريد حياة أفضل لعائلتك، لأطفالك. كلما نفعل المزيد من هذا، نضع هذه المظالم التاريخية خلفنا. هذا هو الأمل وهو قابل للتحقق تماما، خصوصا مع قدرات الرئيس ترمب على إبرام الصفقات".