في تحول لافت للأحداث، شرعت إيران مؤخرا في محادثات نووية مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، في تحول كبير في المسار الدبلوماسي الإيراني بعد سنوات من ركود المفاوضات. وقد دفعت هذه العودة المفاجئة إلى الدبلوماسية الكثير من المراقبين إلى التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تغير هذا الاتجاه، وما هي أهداف إيران منه، وهل ستسفر هذه المحادثات الجديدة عن أي نتائج ملموسة؟
اتسم موقف إيران من المفاوضات النووية بالتشدد طيلة السنوات الماضية. فقد أكدت الحكومة الإيرانية، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، أن البلاد لن تستسلم للضغوط الخارجية، والأميركية منها على الأخص. ولكن مع حلول عام 2025، تغير خطاب إيران جزئيا، ما فتح المجال أمام الإعلان عن محادثات نووية جديدة مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث. ويثير هذا التحول غير المتوقع السؤال التالي: ما الذي دفع إيران إلى فتح فصل جديد من الدبلوماسية؟ ولعل السؤال الأهم من ذلك هو: ما الذي تأمل إيران في تحقيقه من هذه المفاوضات؟
تحول تكتيكي وليس تغييرا جذريا
للوهلة الأولى، تبدو مبادرة إيران الأخيرة انحرافا كبيرا عن سياستها الراسخة في رفض الضغوط الدولية على برنامجها النووي. غير أنه من المهم أن ندرك أن هذا التحول تكتيكي في طبيعته على الأرجح، وليس تغيرا جوهريا في أهداف إيران الاستراتيجية الأوسع. وقد يبدو قرار إيران بالانخراط في الدبلوماسية النووية مفاجئا، ولكن من المرجح أن ما دفعها لاتخاذه، هو سلسلة من العوامل الداخلية والخارجية الملحة التي لم تبق للحكومة سوى القليل من البدائل. ومن منظور المرشد الأعلى، فإن الدبلوماسية والمفاوضات كثيرا ما ينظر إليهما بعين الريبة، لأنهما قد تفسران بوصفهما علامات على الضعف. وفي سياق السياسة الإيرانية، يعد الاستسلام للمطالب الدولية أو الانخراط في الدبلوماسية دون فوائد ملموسة، ضربة لمكانة الحكومة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.
لذا من المرجح أن لا يعود انفتاح إيران على مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، إلى تحول في استراتيجيتها النووية الطويلة الأجل، بل هو في الواقع خطوة تكتيكية تهدف إلى تخفيف الضغوط وشراء الوقت. ولطالما نظرت الحكومة الإيرانية، ولا سيما وهي بقيادة المرشد الأعلى خامنئي، إلى الدبلوماسية كآلية للبقاء واستمرار الحكم، وليس مسارا حقيقيا للتسوية. لذا فإن هذه المحادثات النووية، مع أنها تشير إلى تحول في النبرة، لا تشير بالضرورة إلى تغيير في أهداف إيران الأساسية.
سقوط الأسد: ضربة استراتيجية لإيران
أحد أهم العوامل المؤثرة في إحداث هذا التحول الدبلوماسي الإيراني الأخير، هو الانهيار الدراماتيكي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024. فلطالما كانت سوريا واحدة من أهم حلفاء إيران في المنطقة، وقد شكل سقوط حكومة الأسد انتكاسة شديدة لطهران، سواء على الصعيد الاستراتيجي أو النفسي.
فمن الناحية الاستراتيجية، أدى فقدان نظام الأسد إلى تعطيل نفوذ إيران في بلاد المشرق العربي. فقد شكلت سوريا الأسد حلقة وصل حاسمة بين إيران ووكلائها الإقليميين، بمن فيهم "حزب الله" في لبنان ومختلف الميليشيات المسلحة في العراق واليمن. وأدى سقوط حكومة الأسد إلى قطع ممر حيوي للنفوذ الإيراني، فقلل بذلك من قدرتها على فرض قوتها في جميع أنحاء المنطقة. بالإضافة إلى أن خسارة سوريا كحليف، كشفت عن نقاط ضعف إيران في المنطقة، ويطلق إشارة لخصوم طهران بأن نفوذها قد ينحسر.