غادة عبود لـ"المجلة": هدفي خلق تعاطف مع الشخصية المهمشة

روايتها "العشاء الخامس" في القائمة القصيرة لـ"القلم الذهبي"

PATRICK BAZ / Red Sea Film Festival / AFP
PATRICK BAZ / Red Sea Film Festival / AFP
غادة عبود

غادة عبود لـ"المجلة": هدفي خلق تعاطف مع الشخصية المهمشة

تستمد الروائية والإعلامية السعودية غادة عبود أحداث أعمالها من بلدها، لتقدم من خلال ذلك العديد من الرسائل التي تتشابك مع المشاعر الإنسانية في أي مكان في العالم.

غادة الحاصلة على درجة البكالوريوس في صحافة الإذاعة والتلفزيون من الجامعة الأميركية في القاهرة، عملت مراسلة صحافية ومذيعة. مثلت بروايتها الأولى "بايبولار" السعودية في مهرجان "فيلا" في فرنسا، وعرضت مسرحيتها "سيلق وباقيت" بمهرجان الرياض للمسرح في دورته الثانية التي أقيمت من 15 إلى 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وحصلت على جائزة "الأزياء". في حين أهلتها روايتها الثانية "العشاء الخامس" للوصول الى القائمة القصيرة في جائزة "القلم الذهبي". هنا حوار معها.

  • ماذا تخبريننا عن ظروف كتابة "العشاء الخامس"؟

عملت على الرواية لمدة أربع سنوات، وصاحبتها مجموعة من الصعوبات والمصادفات الغريبة. فبعد سنتين من البحث والسفر والتجوال ما بين الرياض وباريس، والبحث بأحداث جدة منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي وما قبل ذلك، وبعد أن كتبت أول صفحة في الرواية قررت أن أمنح نفسي فترة استراحة وخرجت إلى كورنيش جدة، وتعرضت لحادث سير كبير، وعندما أنهيت كتابة مسودة الرواية، تعرض الوالد لوعكة صحية كبيرة، وبعد مرور فترة النقاهة، عدت لأستأنف العمل على الرواية لكني فقدت حيواني الأليف الذي اعتبره وليفي، فقلت لنفسي لن أكملها، لكن عندما جاءني دعم من مؤسسة "آفاق"، صندوق الدعم العربي للثقافة والفنون للكتابة الإبداعية، لكتابة هذه الرواية، أصبح الأمر ملزما، فأكملتها وكان لدي توجّس مما قد يحدث قبل أن أنهي الرواية تماما.

المعركة الكبرى

  • ما طبيعة المصادر التي اعتمدتها للإضاءة على الأحداث التاريخية الواردة في الرواية حول الدرعية؟

المصادر التاريخية توفرت من الكتب التي بحثت فيها. تبدأ الرواية عام 1981 وتعود بالأحداث إلى عام 1818 حيث بحثت في تاريخ الدرعية وتاريخ الدولة السعودية الأولى، وبحثت في سيرة الإمام عبد الله بن سعود، وماذا حدث معه من لحظة انتقاله من الدرعية إلى آستانة وعملية اغتياله، كما شاهدت البرامج الوثائقية التي تعرض تلك اللحظات من تاريخ آل سعود، والكتب المتوفرة عن الدرعية وعن العملة التي كانت مستخدمة حينها وهي الريال الفرنسي، وعن الاقتصاد السائد، إذ كانت الدرعية تعتمد على القوافل التجارية المارة من الهند ومن الخليج إلى مكة، وعرفت أنهم كانوا يعتمدون على الزراعة، وكانت المصادر تؤكد أن حالتهم الاقتصادية جيدة.

قد تخسر معركة ولكن تنتصر في النهاية في تحقيق ذاتك وحلمك والمعركة الكبرى أنت من تستمر فيها

البطلة كانت تبحث دائما عن هويتها وخسرت هويتها في لحظة، ولكنها استطاعت أن ترى لماذا وصلنا إلى هذه اللحظة، قد تخسر معركة ولكن تنتصر في النهاية في تحقيق ذاتك وحلمك والمعركة الكبرى أنت من تستمر فيها. فالإمام عبد الله بن سعود ذو رمزية كبرى في سياق استمرار الفكرة والهوية والحلم والمستقبل. يجب أن ننظر دوما إلى الأمام وليس من المهم ما جرى في الماضي لكن المهم أن نكمل. هذه كانت الرسالة المهمة لشخصية هدى الصايغ التي يجب أن تتعلمها من أجل أن تسترد هويتها بعد علاقة سامة مع الكاتب نور الناجي سلبتها هويتها. 

Tim P. Whitby/Getty Images for The Red Sea International Film Festival
غادة عبود

  •  ماذا عن اختيارك للعنوان الذي يعود بنا إلى حدث "العشاء الأخير" الذي جسده الفنان ليوناردو دافنشي في لوحته الشهيرة؟

سافرت إلى ميلانو لرؤية جدارية "العشاء الأخير" واختياري لـ"العشاء الخامس" لأنه يحدث في اليوم الخامس لأسبوع الآلام، فالرواية مقسمة خمس ولائم عشاء، الأولى تحدث عندما تقابل هدى الكاتب نور الناجي. والعشاء الخامس عندما يقول إبراهيم باشا وهو يعد جنوده: "بعد قليل من الساعات سنتناول العشاء داخل الدرعية". هنا نرى أن الإمام عبد الله بن سعود يضحي بنفسه في لحظة مؤلمة، إنها نوع من المقاربة والمحاكاة لحدث "العشاء الأخير".

غلاف رواية "العشاء الخامس"

ثنائي القطب

  •  روايتك "بايبولار" دخلت في تفاصيل مرض "ثنائي القطب"ـ الى أي مدى كنت دقيقة عند الخوض في تفاصيل المرض؟

أُتهم بأني كاتبة بطيئة، وقد استغرقت بالفعل ثلاث سنوات لكتابة "بايبولار"، لأجل أن يحترمني القارئ سيرى بوضوح أني وحتى لو لم أكتب الكثير من التفاصيل، استعنت بالكثير من الأطباء لمعرفة الصفات المختلفة للمرض واستغرقت وقتا طويلا كي أتعرف الى تاريخ المرض، وهل هو وراثي، وما هي الأمور التي تستفز المصاب بهذا المرض؟ وما أعراضه وما الأدوية المستخدمة والفرق بينها. وقد استخدمت الكثير من هذه المعلومات لأن البطلة طبيبة ويجب أن تكون لديها معرفة واضحة وصدقية عندما تتكلم. 

كلما عرفت وتقصيت بشكل حقيقي عن الشخصيات، قدرت أن تفهمهم مهما كانوا مستهجنين وأفعالهم غير مقبولة

  •  ما نوع الشخصيات التي تحبين التركيز عليها؟

هدفي في الكتابة خلق حالة من التعاطف الإنساني ما بين النفس والآخر أو الشخصية المهمشة، فنحن لا نختار ظروفنا. في "العشاء الخامس" نتكلم على الشخص الذي فقد نفسه من خلال علاقة سامة، والذي فقد نفسه بسبب غربة في علاقته الاجتماعية بسبب اختلافه عن المجتمع، لكنه استطاع أن يسترد نفسه ويتخلص من العلاقة السامة وأن ينظر الى الأمام ويرى المثال الكبير مثل الإمام عبد الله آل سعود وكيف استمرت المملكة بنموذج أقوى وأكبر. أما في الرواية الأولى التي تتحدث عن اضطراب ثنائي القطب، فهي توجهنا لنرى ما يحدث للمريض النفسي ونخلق حالة من الفهم ومن تبرير التصرفات، وإيجاد الصوت لهذه الشخصيات المهمشة وخلق التعاطف الذي تبحث عنه.

غلاف رواية "بايبولار"

  •  ما الفكرة التي أردت تقديمها عبر مسرحية "سليق وباقيت"؟

المسرحية مدعومة من وزارتي الثقافة السعودية والفرنسية، والسليق طعام خليجي والباقيت هو الخبز الفرنسي، وكتبتها عندما كنت في إقامة في فرنسا بمعهد مرموق بعد منحة "أوديسي"، وهي تتحدث عن قيمة الزواج وكيف نشتري عشرة بعضنا بعضا في زمن ضاغط، قد نلجأ خلاله إلى الآخرين، وقد نغرق في الفردانية والعزلة.

X/@MOCPerformArt
"سليق وباقيت"

علم السؤال

  •  الى أي مدى أضاف عملك الإعلامي على كتابة الرواية؟

الصحافة هي علم السؤال، وكلما استطعت أن تسأل وتتساءل، استطعت أن تصل الى الرسائل التي توصلها من خلال الشخصيات، وكلما عرفت وتقصيت بشكل حقيقي في الشخصيات، قدرت أن تفهمهم، مهما كانوا مستهجنين وأفعالهم غير مقبولة. فمن خلال السؤال والتقصي يمكن النظر البهم بروح التفهم ويمكن تحقيق رسالة الكاتب وخلق روح التعاطف مع الآخر، وطموحي أن أعكس حقيقة أن ما يمر به الفرد السعودي من ضغوط وتحديات يمر به كل شخص في العالم، والهدف يبقى أن نخلق الشخص الإنساني الواعي.

في السعودية مواهب كثيرة ونتمنى أن تكون لديها فرصة الاستمرار في عملها، إن كنا نريد أن نرتقي ونخلص للعمل الروائي

  •  ما نوع البرامج الإعلامية التي تفضلينها؟

أنا محاورة وسأكمل بمحاورة الإنسان، ناجحا كان أو غير ناجح، وأستمع البه دون محاكمة، لأن السائد للأسف في معظم المحطات الإعلامية أن يقوم المحاور بتصفية حساباته مع الضيف. مهنيا هذا ليس دور المحاور، دوره أن يسمع وأن يعطي الفرصة للضيف لكي يسمع صوته للمشاهد أو المستمع.

  •  ما الذي يحقق التقدير للكاتب، وهي إشكالية كثيرا ما تتحدثين عنها؟

أتمنى أن يلقى كل الروائيين السعوديين الدعم من دور النشر، وأن يُروّج للكتاب ويدفع قدما من خلال الحضور في المكتبات، حتى يتمكن الكاتب من الحصول على مردود مادي. هنا في السعودية مواهب كثيرة ونتمنى أن تكون لديها فرصة الاستمرار في عملها، هذا إن كنا نريد أن نرتقي ونخلص للعمل الروائي.

font change