تمتد سجادة حمراء يتجاوز طوالها 60 مترا على أرضية متسعة بين مباني وسط مدينة بيروت، حيث أصوات الحشود التي اصطفت على الجانبين، سيطرت على زقزقات العصافير التي عششت شهورا طويلة في مباني وأزقة الوسط التجاري، لمنطقة عرفت بكونها منطقة أشباح منذ الانهيارات الاقتصادية والأمنية في لبنان، على امتداد السنوات الست الأخيرة.
في صناديق مزججة، عرضت ملصقات أفلام ذائعة الصيت بتوقيع مخرج واحد، امتدت على مدى حقبات طويلة، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى العام المنصرم، ظهرت عليها سجلات من أسماء ممثلين ومشتغلي سينما من لبنان والعالم العربي وأوروبا وهوليوود وصولا الى اليابان. في وسعنا أيضا أن نلمح أسماء كوبولا وسكورسيزي وشارون ستون وروبرت دينيرو وزياد رحباني وأحمد قعبور وثريا خوري وغيرهم.
في موازة السجادة، تقترب ببطء سيارة رياضية، مكشوفة وحمراء، تتهادى بين الجموع، كما تفعل السيارات التي تحمل القادة والملهمين حين يُحتفى بهم في الأماكن العامة. يتحضر للاقتراب منها، كل من روائي ومفكر ومصور وإعلامي، ومن خلفهم مجموعة تضم عشرة مخرجين سينمائيين من جيل أصغر، وقبل الجميع أطفال يحملون العلم اللبناني وعبارة "كلنا للوطن". فيما تهبط من السيارة سيدة لم ينجح التقدم في العمر في تبديد ملامحها وطاقتها الساحرة. تمد يدها الى حبيبها الفارع الطول، بحنان شديد، وبدلا من أن يلتقطها، يقفز من السيارة، بلا عون، كأنه في العشرين من عمره، رغم أنه قارب منتصف السبعين.
تفاجئ هذه الحركة الزوجة الحنونة، كما الجمهور المتعطش، لكن ذلك المخرج، اعتاد دوما على العيش، غارقا في لذة المفاجآت.
هكذا هو مارون بغدادي.
وهكذا قد يكون السيناريو المتخيل، لإحدى عوداته إلى بيروت، آتيا من باريس أو أي عاصمة عالمية أخرى لطبخ مزيد من المشاريع التي لا تتوقف، لو أمد الله بعمره، ولم يسقط من أعلى سلم المبنى الذي تقطن فيه أمه، وهو لم يتجاوز 43 عاما في ذلك اليوم المأسوي في تاريخ لبنان السينمائي، في العام 1993.
بوفاته المأسوية المفاجئة، رحلت شخصية محبة للسينما والناس، وفرصة لم تتكرر، لنتاجات غزيرة أخرى ذائعة الصيت، من سينمائي نشيط وحذق. كما لم يكتب لنواياه بصناعة أفلام يمثل فيها نجوم عالميون أمثال دينيرو وستون أن تتمخض عن واقع ملموس.