ترمب والحوثيون... ماذا بعد تصنيفهم منظمة إرهابية عالمية؟

هل هناك قوة سياسية أو عسكرية مرشحة لملء الفراغ المحتمل في حال سقوطهم؟

رويترز
رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع على وثائق أثناء إصداره أوامر تنفيذية في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في 20 يناير 2025

ترمب والحوثيون... ماذا بعد تصنيفهم منظمة إرهابية عالمية؟

كما كان متوقعا، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تصنيف جماعة الحوثيين في اليمن كـ"منظمة إرهابية أجنبية" مُلغيا بذلك قرار سلفه جو بايدن إزالة الحوثيين من قائمة المنظمات المذكورة.

ووضع ترمب بهذا القرار الأساس القانوني للتحرك على نطاق أوسع في مواجهة هذه الجماعة المسلحة المتحالفة مع إيران في إطار استراتيجية أشمل للتعامل مع طهران نفسها في المرحلة المقبلة من ولايته الثانية.

أصداء القرار في الداخل اليمني

لم يصدر عن الحوثيين، على الفور، موقفٌ واضح من قرار ترمب بإعادة وصمهم كمنظمة إرهابية أجنبية رغم خطورة العواقب المترتبة على قرار كهذا، وذلك بخلاف عادتهم في الرد على المواقف والتحديات المعلنة تجاههم. من جانبها رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بقرار ترمب، وعبّرت عن شكرها للرئيس الأميركي على قراره الذي وصفته بـ"التاريخي".

وكتب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، على منصة "إكس" قائلا: "انتظر اليمنيون طويلا- خصوصا من فارقوا الحياة أو عذبوا أو اعتقلوا ظلما أو فجرت منازلهم وشردوا في أصقاع الأرض- الإنصاف، ومعاقبة الإجرام الحوثي بقرار التصنيف الإرهابي، كمدخل لإحلال السلام، والاستقرار في اليمن والمنطقة".

وتفاوتت تفاعلات وردود فعل النخب والأوساط السياسية والشعبية اليمنية إزاء قرار ترمب.

ليس ضربا في الرمال، أو قراءة في فنجان، القول إن مخططا غربيا وربما بتعاون إقليمي من وراء ستار يجري العمل عليه لتوجه من نوع ما، عسكري أو اقتصادي، نحو إنهاء سلطة جماعة "أنصار الله" الحوثية

وتوجس البعض خيفة من أن يضع القرار الأميركي عراقيل وتعقيدات جديدة أمام إمكانية عودة الحوثيين إلى مسار المفاوضات والتسوية السياسية للنزاع اليمني وفق خارطة طريق كانت المملكة العربية السعودية قد عملت على إنجازها بالتشاور مع الأمم المتحدة ووسطاء دوليين آخرين، وإن كان يمنيون كثيرون وآخرون في المنطقة قد نفضوا أيديهم من أي احتمال لجنوح الحوثيين إلى السلام، سيما بعد أن حاول هؤلاء من خلال أنشطتهم الأخيرة خلال الحرب في غزة التهرب من استحقاقات السلام في الداخل والسعي لتقديم أنفسهم كـ"قوة إقليمية" تطمح إلى اعتراف العالم بها وحدها كحكومة لصنعاء "المختطفة" وكممثلة عن اليمن "المنقسم"، والتجاوز على غيرها من أطراف الصراع الدائر في البلاد منذ نحو تسعة أعوام.
ورأى ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن قرار ترمب "يدفن نهائيا خارطة الطريق الأممية، ويستأنف تنفيذ قرارات البنك المركزي بنقل البنوك إلى عدن رغما عن الجميع، ويجفف الموارد، ويعاقب على أي مستوى من العلاقة السياسية والمالية من أي منظمات دولية أو أطراف وشركات محلية مع الحوثيين، ويغلق باب السياسة والحوار معهم، ويصعد إلى السطح سياسات الخنق الاقتصادي الأقصى للجماعة، بما يبدو مسارا واضحا لتقويضها اقتصاديا وسياسيا قبل تقويضها عسكريا".

أ ف ب
خلال مظاهرة للتنديد بإسرائيل وتضامنا مع الفلسطينيين في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، 17 يناير 2025

لكن ثمة من يخشى من أن يتجاوز التصنيف الأميركي للحوثيين هذه الجماعة إلى فرض قيود وعقوبات مشددة على مصارف وشركات ومنظمات تعمل في مختلف أنحاء اليمن وليس فقط في مناطق سيطرة الحوثيين، ما قد يلحق ضررا كبيرا بمصالح غالبية اليمنيين، خصوصا عائلات المغتربين التي تعتمد على تحويلات أبنائها في الخارج بواسطة البنوك وشركات التحويلات المالية التي ستجد نفسها أمام خطر وضعها في قوائم الإرهاب إذا تعاملت مع المناطق الخاضعة لهيمنة الحوثيين.
وبخلاف هؤلاء فإن يمنيين كثرا يعتقدون أن لا جدوى من أي تصنيف للحوثيين ما لم يقترن بإجراءات "صارمة" ضدهم، عسكرية حاسمة أو اقتصادية مباشرة وملموسة التأثير، وكتب أحدهم معلقا على قرار ترمب أن "أميركا لا تقاتل لتحرير الشعوب نيابة عنها".

لماذا وصلت الأمور حد الانفجار؟

ليس ضربا في الرمال، أو قراءة في فنجان، القول إن مخططا غربيا وربما بتعاون إقليمي من وراء ستار يجري العمل عليه لتوجه من نوع ما، عسكري أو اقتصادي، نحو إنهاء سلطة جماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن بعد أن تجاوزت في نظر عواصم عالمية عدة، وبحسب عدد من المحللين والخبراء في تلك العواصم بما فيها موسكو وبكين، كل ما كان يُعتقد أنها "الخطوط المسموح للجماعة بتجاوزها" ما جعل منها بالفعل مشكلة عالمية.

التساؤل المطروح اليوم على نطاق واسع، هو عما سوف يتعيَّن على اليمنيين القيام به إذا جرى بالفعل دحر سلطة هذه "الجماعة" في بلد مهم يطل موقعه الجغرافي جيوسياسيا على أربعة ممرات ملاحية استراتيجية

وراء كل ذلك التغير في الموقف الدولي أو الغربي على وجه الخصوص أسبابٌ أربعة:
أولها، أن هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة الدولية في عدة بحار (البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب) ألحقت ضررا بالغا بالاقتصاد العالمي وخصوصا على اليمن نفسه، من حيث كلفة التأمين على السفن المتجهة إليه، وعلى قناة السويس في مصر التي بلغت خسائرها نحو سبعة مليارات دولار، بحسب تقديرات بعض المصادر الرسمية المصرية.
ثانيها، أن الحوثيين استهدفوا تل أبيب غير مرة، وهي في نظر الإسرائيليين "درة التاج" لدولتهم التي لا يمكنها التهاون إزاء أي استهداف لرمزيتها في الذهنية الإسرائيلية.
ثالثها، أن جماعة الحوثيين قد تكون متورطة، بهذا القدر أو ذاك، في الهجوم على مجمع "أرامكو" النفطي في السعودية ذي الأهمية الاستراتيجية لإمدادات النفط في العالم، وما برح الحوثيون يهددون تلميحا وتصريحا بإمكان عودتهم إلى مهاجمته في حال اشتد الخناق عليهم اقتصاديا.
رابعها، أن استمرار تصلب الحوثيين أمام أي حل سياسي للنزاع في اليمن أحال هذا البلد إلى ما يزيد على دولة فاشلة، لا تقتصر معاناة شعبها على مواجهة "أكبر أزمة إنسانية في العالم" بحسب وصف الأمم المتحدة، بل يتجاوز هذا الحد إلى توحش الحوثيين وتحولهم إلى جماعة تمتلك القدرة على الإضرار بالأمن والسلم العالميين في منطقة لا تحتمل المزيد من القدرات لخلق حالة أكبر من الاضطرابات والفوضى والتوترات في مختلف أنحاء المنطقة.
لكن ثمة ما هو أسوأ من وجهة نظر الغرب من أن يكون الحوثيون "جماعة مسلحة تعمل خارج القانون"، وهي أنها تحارب بالوكالة عن طهران بأسلحة إيرانية ذاتية المنشأ والتطوير وحتى الاستخدام.
يؤكد سياسيْ يمنيٌ كبيرٌ كان على صلة وثيقة بالحوثيين أن "الجماعة الخارجة من أكثر مناطق اليمن تخلفا وأمية وبؤسا لا يمكنها تطوير الصواريخ البالستية أو الطائرات المسيرة ولا استخدامها". ويجزم هذا المصدر الذي تحتفظ "المجلة" بهويته أن "خبراء عسكريين إيرانيين ومن حزب الله اللبناني هم من كانوا ولا يزالون يقفون وراء إطلاق كل صاروخ أو مسيَّرة من داخل الأراضي اليمنية".
لكل ذلك يبدو جليا أن قواعد "اللعبة" مع الحوثيين ستختلف هذه المرة إن لم تكن اللعبة نفسها انتهت!

ماذا بعد؟

التساؤل المطروح اليوم على نطاق واسع، هو عما سوف يتعيَّن على اليمنيين القيام به إذا جرى بالفعل دحر سلطة هذه "الجماعة" في بلد مهم يطل موقعه الجغرافي جيوسياسيا على أربعة ممرات ملاحية استراتيجية، والجواب، حتى اللحظة على الأقل، غير معلوم بشكل واضح أو مطروح على الطاولة وربما غير مهم في هذه المرحلة في نظر العالم وحتى الإقليم المرشح للتأثر سلبا لما بعد هذا السيناريو إذا حدث.

لا يخلو اليمن من قيادات لكنّ كلا منها لا يمكنه العمل بمفرده أو وحده، ويحتاج إلى رافعة سياسية وعسكرية، وإلا سوف يصبح الكل ضحايا لمغامرات قبلية وميليشياوية غير محسوبة العواقب

استراتيجيا، بمنظور الأمن القومي للغرب وحتى لروسيا، اليمن كبلد وموقع ليس في عنق العالم كسوريا ولا على حدود وتخوم أوروبا، لكن يمكنه أن يكون كذلك عن بُعد إذا تحول إلى صومال جديد، بأعمال قرصنة وعصابات مسلحة منفلتة في هذه المنطقة، وهذا واردٌ إلى حد كبير في نظر كثير من الخبراء والمراقبين.
السؤال الآخر أيضا هو، هل هناك قوةٌ سياسية أو عسكرية في اليمن مرشحة لملء الفراغ المحتمل في حال سقوط هيمنة الحوثيين كذراع إيرانية مؤذية ليس للغرب وإسرائيل فقط، بل وفي جنوب غربي آسيا المتاخم لشرق أفريقيا ذي الأهمية الاستراتيجية اقتصاديا على الأقل بالنسبة لتركيا والصين في ضوء استثماراتهما الواعدة هناك؟
وعندما يتم طرح هذا السؤال بإلحاح على قيادات يمنية عدة تقيم في عواصم عربية وأجنبية مختلفة تأتي الإجابات متفقة تقريبا على أن "حزب الإصلاح- ذا التوجه الإسلامي- لا يريد تحمل المسؤولية وحده" بل ويشعر أنه غير مقبول حتى إن كان "الإصلاح" هنا غير "الإخوان المسلمين"، فمن البديل إذن عن "الإصلاح"؟ إجابة أخرى تفيد بأن "حزب المؤتمر الشعبي العام أصبح أكثر من مؤتمر" بعد مقتل مؤسسه الراحل الرئيس علي عبدالله صالح.

أ ف ب
متظاهر يمني يحمل صاروخًا وهميًا خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون في 22 يناير 2025

لا يخلو اليمن من قيادات لكنّ كلا منها لا يمكنه العمل بمفرده أو وحده، ويحتاج إلى رافعة سياسية وعسكرية، وإلا سوف يصبح الكل ضحايا لمغامرات قبلية وميليشياوية غير محسوبة العواقب.
لعل هذا ما يشغل بال النخب السياسية والاجتماعية اليوم في اليمن وحتى في دول الجوار سواء في شبه الجزيرة العربية والخليج أو مصر والقرن الأفريقي.
من اللافت أن كل هذه الدول لم تسمح لا للحكومة الشرعية اليمنية ولا حتى للأحزاب السياسية اليمنية أن تصبح طرفا رئيسا فاعلا في الصراع الإقليمي مع الطرف الحوثي المتحالف بقوة مع إيران.
وفي كل الأحوال، تظل كل الخيارات ممكنة والاحتمالات مفتوحة على أكثر من مسار وسياق بحسب تطوّر الأوضاع، ميدانيا وسياسيا في الداخل اليمني أو على مستوى الإقليم والعالم.

font change