يحفل تاريخ الغناء المصري بالتجارب التي انحازت إلى الخفة والبهجة واستلهمت روحها من المزاج الشعبي وتعبيراته وحاجاته ولغته، ولكن اسما واحدا نجح في أن يحتل لقب "واهب السعادة" وفق توصيف الكاتب النوبلي نجيب محفوظ وهو أحمد عدوية (1945-2024). اللافت في تعبير محفوظ أنه أطلقه في لحظة كان يعبر فيها عن سلطة ثقافية عامة ومكرسة، فكان صادما ذلك التماهي والإعجاب بتجربة وُصمت بالابتذال والبذاءة، واجتهد الكتاب والمثقفون من اليمين واليسار على وصمها بالتعبير الأقصى عن الانحطاط وفساد الذوق والرداءة الفنية والتعبيرية.
تنقية الغناء
لم تكن السعادة قبل عدوية مشروعا غنائيا، خلافا للخفة والاحتجاج والخروج على التقاليد، فقد سبق غناء العوالم والغناء الخفيف ظهور عدوية بفترة كبيرة تعود إلى بدايات القرن العشرين، ولكن الحالة التي مثّلها وصار عنوانها ومنحته فرادة لا تتقادم تتمثل في تنقية الغناء من كل ما لا ينتمي إلى هذا المفهوم ويدل عليه.
لم يكن عدوية استكمالا وتطويرا لمشاريع سابقة، بل ظهر مباشرة بوصفه مشروعا متكاملا يتميز بأن ما يقوم به وما يغنيه لم يكن نتيجة تخطيط عميق ومسبق، بل انسياقا لغريزة صائبة وحدس استشرافي وانحيازا إلى مزاج الشارع.
من هنا، كان عدوية بمثابة البدائي الذي ينتقم ويعاود الظهور بكل طاقاته التعبيرية الأصلية التي تضم الممنوع وغير المعترف به والمهمش والسفلي في بنية موحدة تمتلك كل عناصر النجاح، من الصوت الشجي والشخصية العفوية والمباشرة وجو الشلة والقعدة الذي نُقل إلى المسرح والسينما والخطاب والحياة العامة.
ذلك كله ولّد راحة في التلقي وفتح مجالا خصبا للحرية في أداء العازفين الذين كانوا مجموعة من أبرز الموسيقيين في تلك الفترة، مثل عازف الكمان عبدو داغر، وعازف الناي سيد أبو شفة وعازف الأكورديون حسن أبو السعود، والترومبيت سامي البابلي، وحسن أنور عازف الإيقاع.