جلب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الأمل في توسيع الاستقرار بالشرق الأوسط. لأكثر من عقد من الزمن، كانت الحرب في سوريا مصدرا رئيسا لعدم الاستقرار، ليس فقط للدول المجاورة، ولكن أيضا على مستوى العالم. وفي صميم هذا الاضطراب كان تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي برز في عام 2014 ليصبح الجماعة المتطرفة الأشهر عالميا، حيث نفّذ هجمات إرهابية على نطاق واسع. واليوم، يتجدد الأمل بأنه إذا تمكن القادة الجدد في سوريا من معالجة المظالم التي دفعت البعض للانضمام إلى "داعش"، وحكموا البلاد بعدالة، فإن نفوذ التنظيم سيضعف بشكل أكبر. ومع ذلك، هناك بُعد غالبا ما يُغفل عند الحديث عن بقاء "داعش"، وهو الدور الذي تلعبه إيران في دعم هذه الجماعة.
وفي خضم الهجوم الذي شنه المتمردون السوريون ضد نظام الأسد العام الماضي، حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول من أن التطورات في سوريا ستجلب عدم الاستقرار، مؤكدا أن "أي انعدام للأمن في سوريا لن يظل محصورا في ذلك البلد". وبعد الإطاحة بالأسد، ألقى المرشد الإيراني علي خامنئي خطابا متلفزا في الثاني والعشرين من ديسمبر، شدد فيه على أن الشباب السوري "يجب أن يقفوا بحزم وعزم ضد المخططين والمنفذين لانعدام الأمن وأن ينتصروا عليهم".
وبعد يومين، أثارت تلك التصريحات ردود فعل من وزير الخارجية السوري الحالي، أسعد حسن الشيباني، الذي كتب على منصة التواصل الاجتماعي "إكس": "يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وأمنها. نحذرهم من بث الفوضى في سوريا، ونحملهم المسؤولية عن تداعيات التصريحات الأخيرة".
إن توصيف إيران للتغييرات في الوضع الراهن في سوريا والذي عنى فقدان عنصر رئيس من "محور المقاومة" المعلن، يروج لرواية مفادها أن نظام بشار الأسد وحلفاءه كانوا يقاتلون الإرهاب. وتشير هذه الرواية إلى أن الإطاحة بالأسد وطرد الميليشيات المدعومة من إيران من سوريا سيؤديان إلى خلق فراغ أمني يمكن لتنظيم "داعش" استغلاله.
هذه الرواية تخدم مصالح إيران، حيث تصورها وحلفاءها كقوة ضد "داعش"، بينما تخفي دورها في الإرهاب الدولي، كما يتضح من العمليات الإرهابية العالمية التي نفذها "الحرس الثوري الإيراني" و"حزب الله". ومع ذلك، لم تعمل إيران ووكلاؤها، ولا النظام السوري بقيادة بشار الأسد، بفعالية لتأمين سوريا من هجمات "داعش". وتُظهر الوثائق أن عدد هجمات "داعش" في سوريا خلال عام 2024، عندما كان الأسد لا يزال في السلطة، وحين كانت الجماعات المدعومة من إيران، مثل "حزب الله"، نشطة في البلاد، قد بلغ ثلاثة أضعاف عدد الهجمات التي وقعت في عام 2023.
لقد ادعت إيران تحقيق نجاحات كبيرة ضد "داعش" في العراق، حيث جرت الإشادة بميليشيات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران لدورها في هزيمة التنظيم عسكريا. ومع ذلك، كانت لبعض فصائل "الحشد" بعض التعاملات مع "داعش"، حيث سيطرت هذه الفصائل على أجزاء من الحدود العراقية السورية، وانخرط بعضها في ممارسات مثل تأجير الطرق بين البلدين لعناصر "داعش". وبموجب هذه الترتيبات، كان عناصر التنظيم يدفعون المبلغ اليومي المطلوب لاستئجار الطريق، ما يتيح لهم حرية استخدامه لنقل ما يرغبون فيه، بما في ذلك الأشخاص، والأسلحة، والنقد، والنفط، والمخدرات، بالإضافة إلى سلع مهربة أخرى. وعلى النقيض من ذلك، في منطقة البادية السورية، كان "حزب الله" يدفع لتنظيم "داعش" مقابل تسهيل مرور شاحنات تنقل الكبتاغون.