بين عودة سوريا وعودة ماهر الأسد

لقد عانى السوريون ما لم يعانه شعب آخر

بين عودة سوريا وعودة ماهر الأسد

يوما بعد يوم تتضح الصورة أكثر. سوريا كانت مختطفة وعادت. تحررت من الأسر الذي استمر أكثر من خمسة عقود. عادت إلى أهلها وعادت إلى محيطها العربي والإسلامي. ولم تنفع كل هذه العقود في الأسر من تغيير هويتها.

ولكن كحال أي أسير، فإن طريق التعافي يبدأ ولا ينتهي لحظة خروجه من الأسر، تحررت سوريا ولكنها تحتاج الكثير للوصول إلى الحرية والتعافي، وإلى قيام الجمهورية.

قبل أيام خرجت إشاعة لا يصدقها عاقل تتحدث عن عودة ماهر الأسد شقيق بشار الأسد إلى الساحل السوري، تظنها في البداية مزحة، لتُصْدَم ليس فقط بحجم من صدق هذه الإشاعة بل أيضا بحجم من احتفل بعودته. خرجت بقايا النظام الساقط من جحورهم محتفلين بعودة المجرم الهارب، هم أنفسهم من قالوا قبل أسابيع أنهم لم يكونوا يعلمون حجم إجرام نظام الأسدين، أظهروا خلال ساعات ليس معرفتهم بما كان يجري فحسب، بل رغبتهم في تكراره.

لم تخرج الإشاعة للتحدث عن عودة بشار، فبشار هرب وتركهم دون أن يتوجه حتى لعسكره بكلمة. بل عن مكر وخبث من يقف وراء الإشاعة اختار ماهر، فماهر هو أيضا "ضحية" بشار الذي هرب من سوريا دون أن يخبره كما تقول الرواية.

وإن كانت هذه الحادثة الإشاعة قد جاءت لتخبرنا أن "اذهبوا أنتم الطلقاء" ليست فقط سياسة ساذجة وقاصرة، فقد برهنت أيضا أن هناك مشوارا طويلا أمام سوريا لتتعافى من أسرها.

ولنبدأ بالسلاح الذي ما زال منتشرا بيد الكثير من أزلام النظام السابق، وفي كل يوم يبرهنون أنهم على استعداد لخلق فتنة. فخسارة مكتسباتهم على مدى أكثر من خمسة عقود ليست بالأمر الذي يسهل تقبله، أن يكونوا مواطنين كما الجميع شيء حتى اليوم لم يستسيغوه. بعض هؤلاء أو الكثير منهم أيديهم ملوثة بدماء السوريين حتى أكواعهم، هؤلاء لا بد من محاسبتهم، فالعدالة هي السبيل الوحيد كي لا ينزلق المجتمع السوري إلى الثأر.

وهل لدى أحد جواب مقنع لماذا كل هذا الكره والحقد والرغبة في التنكيل بالسوريين عند فئة كل ما قامت به خلال أكثر من خمسين عاما هو التنكيل بالسوريين ونهب سوريا بأسرها؟ هذا فعلا سؤال يحتاج أبحاثا ودراسات ليحاول المرء أن يفهم كيف أن فئة ترغب في إذلال وتعذيب وقتل آخرين، والأمر ليس محصورا بطائفة وإن كان بنسبة عظمى أمرا طائفيا، ووجب القول إن توصيف الأمور بأسمائها لا يعني تبنيها والحديث عن الجريمة الطائفية ليس طائفية.

العدالة حق ومطلب، وتجريم الأسدية كذلك، كي لا تبقى ثغرة يدخل منها المتربصون وهم كثر وينزعون فرحة التحرر على السوريين ويمنعون عنهم الحرية

تابعت قبل يومين بضع لقطات من وثائقي عن سجن صيدنايا، وأنا التي كنت منذ عام 2006 امتنعت عن قراءة أي شيء يتعلق بسجون الأسدين، أنانية مني لأحافظ على ما أمكن من اتزاني العقلي والعاطفي. ما هالني في صيدنايا كيف أن الأمهات والآباء كانوا ينتظرون الوصول إلى أبنائهم أو أي خبر أو قصاصة ورق عنهم، كيف أن الشقيقة تحفر بأظافرها علها تجد غرفة سرية تحت الأرض تعثر على شقيقها حيا أو ميتا، وأول ما خطر لي، أيعقل أن أحدا ممن عمل في هذه السجون لم يتحرك ضميره عندما شاهد هذه الجموع من المكلومين والثكالى؟ ألم يخطر لأحد من هؤلاء أيا كانت وظيفته أن يقوم بتسجيل مموه أو يرسل رسالة دون توقيع يخبر الأهالي أين ذهبت الأقراص الصلبة التي تحوي معلومات عن المعتقلين؟ أين هي الأبواب السرية إن كان ثمة أبواب؟

في الوقت الذي تحتاج فيه سوريا إلى رفع العقوبات وإلى العودة إلى دورها الفاعل في محيطها العربي، وفي الوقت الذي يحتفي السوريون بعودتهم إليها وعودتها إليهم، وعودة العرب إلى سوريا وعودتها إليهم، لا يجب أن ننسى أن ننظر إلى داخل سوريا ولا نكتفي بالنظر إلى الصورة من الخارج، لقد عانى السوريون ما لم يعانه شعب آخر حتى إبان حكم النازية. العدالة حق ومطلب، وتجريم الأسدية كذلك، كي لا تبقى ثغرة يدخل منها المتربصون وهم كثر وينزعون فرحة التحرر على السوريين ويمنعون عنهم الحرية.

font change