أوروبا منقسمة ومتوجسة من سياسة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، خصوصا ما يتعلق منها برفع الرسوم الجمركية على الواردات، التي سيبدأ تطبيقها على كندا والمكسيك بنسبة 25 في المئة مطلع فبراير/شباط المقبل، مع احتمال توسيعها لاحقا إلى دول أخرى في العالم على رأسها الصين. لن يُستثنى الاتحاد الأوروبي من عصا ترمب الاقتصادية التي ظهرت أولى آثارها في التوقيع على المراسيم الرئاسية، بما فيها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، ساعات قليلة بعد حفل التنصيب الذي حضرته رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني ونظريها الهنغاري فيكتور أوربان، تعبيرا عن تحالف في الأفق بين واشنطن الجديدة واليمين الأوروبي الصاعد من باريس إلى بودابست مرورا بروما وأمستردام.
وسيكون استخدام الغاز الأميركي تعويضا عن الغاز الروسي الذي توقف ضخه عبر أوكرانيا منذ بداية السنة، لتفادي رفع الرسوم الجمركية في مقابل دفع الأوروبيين إلى زيادة الإنفاق على التسلح من 2 إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا، وشراء مزيد من الأسلحة الأميركية للاستفادة من مظلة حلف شمال الأطلسي الدفاعية.
القارة العجوز المنهكة بثلاث سنوات من الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها تكلفة جائحة "كوفيد-19" المالية والبشرية، غير مستعدة لتحمل أعباء حرب تجارية جديدة مع الولايات المتحدة والصين. النمو الاقتصادي الأوروبي ضعيف، وفي ظل نمو اقتصادي أوروبي بمعدلاته الحالية الضعيفة واقتصاد ألمانيا قريب من الانكماش، وديون تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لدى 6 دول على رأسها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومهددة بالـ"سيندروم" اليوناني، لا تملك أوروبا كثيرا من الخيارات وهامش المناورة لديها ضئيل، وقد يصطدم بخلاف داخلي بين مجموعة الـ27 حول إعادة رسم خريطة جديدة في اتجاه الشرق الأوكراني، تستنسخ حدود 1991 التي وضعت في سياق نهاية الحرب الباردة وسقوط حائط برلين.
واعتبر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس "أن رفع نفقات حلف شمال الأطلسي من 2 إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير واقعية وغير مفيدة، وهي توازي 40 في المئة من الموازنة الاتحادية". وتتخوف برلين من تقليص الدعم الأميركي العسكري لأوكرانيا مما قد لا تستطيع تحمله الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي.