تتوزع مسوغات ابتكار الدمى، وفق سيرتها الملحمية وتاريخها الحافل، ضرورات طوطمية سحرية، وطقوس دينية غرائبية وفانتازية في آن، وأنساق فنية وثقافية متفاوتة المرجعيات العرقية والجغرافية، منذ حضارة الرافدين والحضارات الفرعونية والأفريقية والهندية والصينية والأميركية اللاتينية، وصولا إلى اللحظة التاريخية المفارقة.
ومنشؤ الدمى يلفي أول مفاتيحه في محاولات الكائن لإنتاج معنى إنساني يجابه به تعقيدات ظواهر الكون، وأيضا ضمن شكل من أشكال تفسير إبهامية الوجود في المنحى العام، فضلا عن اشتباك الذات الفردية والجماعية في عمليات تحاكي أو تفكك رموز الحياة الملتبسة ضمن كرنفال المعيش اليومي في المنحى الخاص.
دمى فليسبرتو إرناندث
تاريخ الدمى الأفقي لا يعود كذلك، فنيا على الأقل، مع الاصطدام بالعالم القصصي للكاتب الأوروغواياني فليسبرتو إرناندث، إذ يغدو عموديا تماما. الدمى ليست هي نفسها كما كانت سابقا وقد أمست في مآلات منزاحة في مشغله التخييلي البكر بحسب أثره السردي المتحول نوعيا نحو الحدود القصوى. نعم، لا تعود الدمى هي نفسها كما عرفها الكائن الإنساني، بالذات قارئ قصة "دمى الأورتنسيا" المنشورة عام 1949، بل نساء حقيقيات وأكثر، مضاعفات حد الالتباس، وأشد إغواء وسحرا يلفعن ندماءهن هوسا وهذيانا.
هذا شأن بطل القصة أوراثيو صاحب منزل الدمى، الذي جعل منه مسرحا لها، بأن خصها بواجهات زجاجية عبر ثلاث غرف هائلة، داخل مسرح أعده لاحتفالات كل ليلة، يلهبها عازف البيانو، أليكس.