في أحاديثهم الخاصة، يسترجع "دروز سوريا" راهنا واحدة من أشهر حكاياتهم السياسية "التقليدية"، التي تقول إن شكري القوتلي- أول رئيس لسوريا بعد نيل الاستقلال عن الانتداب الفرنسي- كان قد وسم أبناء "الطائفة الدرزية" في تصريح صحافي عام 1945 بأنهم "الأقلية الخطرة". حدث ذلك وقتئذ، وعلى العكس تماما مما كان يتوقعه الدروز من الدولة السورية الجديدة، التي كانوا أكثر من ساهم وضحى في سبيل نيلها لاستقلالها، وجلاء القوات الفرنسية عنها. يتذكرون ذلك، ومعها رد فعل زعيمهم المحلي/الوطني سلطان باشا الأطرش وقتئذ، الذي حذر القوتلي بتحويل الدروز إلى "طائفة خطرة فعلا"، لو لم يتنازل عن تصريحه، مهددا بـ"الهجوم على دمشق" واقتلاع النخبة البرجوازية الحاكمة، ما لم يحدث ذلك، وهو أمر أثار مخاوف المحيطين بالقوتلي، الذين أخبروه بإمكانية حدوث ذلك فعليا، ونصحوه بالتراجع.
هاجس المركزية
استحضار الحادثة في الذاكرة الجمعية "الدرزية" راهنا، ذو دلالة على الاضطراب السياسي المستجد الذي تعيشه هذه "الطائفة الدينية/الجماعة السياسية" مع الدولة السورية، والنظام السياسي الذي يُمكن لها أن تستقر عليه. فالدروز السوريون، مثل أغلب "الأقليات" الدينية والمذهبة والعرقية والمناطقية السورية، متوجسون من المسار والبنية التي يتأسس حسبها النظام السياسي الجديد في بلادهم، خصوصا وأنها ذات مرجعية أيديولوجية شديدة المحافظة والعسكرة، ولا تطرح أية رؤية سياسية بوضوح يمكن أن تتضمن تأكيدات واضحة على هوية المؤسسات التي ستضمن الحقوق الفردية والجمعية لكل المكونات السورية، ولا حتى التزاما واضحا بالقيم العليا "الحديثة" في النظام السياسي الجديد، ودون أي حرص على التشاركية، فكل ما يصدر عنها هو مجموعة من "التطمينات الرمزية"، ذات الطابع الشخصي، وفقط كذلك.
الدروز الذين يُقدر عددهم بحوالي مليون نسمة، يشكلون قرابة خمسة في المئة من سكان سوريا، حسب إحصاءات غير رسمية، يتمركز أكثر من تسعين في المائة منهم في محافظة السويداء، بينما تنتشر البقية في تجمعات ريفية في محافظات إدلب والقنيطرة وريف دمشق. يخشون من مركب سياسي قد يطالهم مجددا، مؤلف من القسر الأمني، الذي قد يطال مناطقهم، فيما لو تشكل الجيش والأجهزة الأمنية بشكل مركزي/أيديولوجي/طائفي، كما كانت ملامح تلك المؤسسات سابقا، متعامدا مع إقصاء سياسي وعدم اعتراف دستوري بخصوصيتهم الدينية/المذهبية، لو بقي بنيان الدولة ومؤسساتها وعالمها الرمزي "سُنيا".
هذه الآليات قد تخلق مصاعب حياتية ومشقات اقتصادية في مناطقهم، التي كانت محرومة من التنمية الوطنية بشكل تام تقريبا، إذ يعتمد مجمل سكانها على منتجاتهم الزراعية وتحويلات المغتربين من أبنائهم.
قُبالة ذلك، يعرض الدروز، وعلى لسان مرجعهم الروحي/السياسي الأعلى راهنا، الشيخ حكمت الهجري، برنامجا سياسيا قائما على تشييد الدولة السورية الجديدة حسب ثلاث قيمٍ عليا، هي الديمقراطية والمدنية واللامركزية. وأن تكون تلك الهويات متضمنة في كل المواثيق والقوانين والمؤسسات والأجهزة والنظام التربوي والقضائي في العهد الجديد.