وضعت "حرب الإسناد" التي خاضها "حزب الله" بأوامر إيرانية، الشيعة في لبنان، في موقع الخسارة؛ كي لا نقول الهزيمة، بعدما كبدتهم تكاليف كثيرة، منها المادي ومنها النفسي.
هذه الخسارة تبقى برغم فداحتها، أقل تكلفة، بالمقارنة مع الخسارات المترتبة على استمرار تبعية الشيعة لإيران وانفصالهم عن دولتهم الوطنية، علما أن رحلة الشيعة في دفع التكاليف لا تتوقف هنا، ثمة تكاليف عليهم دفعها، من أجل العودة إلى حضن الوطن، على رأسها بذل المقدرات المادية والمعنوية واستخدام الديناميات، لتكوين مجتمع شيعي حر، واقتناص الفرصة لإعادة بناء وطنيتهم ومواطنتهم وتحسين علاقتهم مع باقي الطوائف، وهي في الواقع ليست تكاليف، بقدر ما هي استثمارات لبناء مستقبل أفضل لها.
يرى حسان (اسم مستعار) أن "حرب الإسناد كانت أداة مكلفة لإحداث تغييرات جوهرية في المجتمع الشيعي، لكنها معقولة، مقارنة بتكاليف استمرار السيطرة الإيرانية، ومصادرة قرار الشيعة".
تعتبر الفئة الأكبر من الطائفة الشيعية، أن الحرب التي خاضها النظام الإيراني بالشيعة أدت إلى تدمير الطائفة، حيث استخدم أرواح أبنائها قرابين على طريق مشاريعه السياسية الفاشلة.
لذلك، يجد أبو مصطفى (اسم مستعار) أن "الحرب أحدثت انقلابا في المزاج الشيعي، على أربعين سنة من العيش تحت عباءة إيران"، وبرأيه أن "الشيعة فهموا أخيرا عواقب استمرار هذا الوضع، وأن كل يوم يبقون فيه في فلك النظام الإيراني، سيضع المزيد من التكاليف على كاهلهم".
السؤال موجه هنا إلى من "لعب بعقل" الطائفة، حتى أوصلها إلى هذه النهاية غير السعيدة؟ المشكلة أولا، تكمن في أن الحزب وجيشه وآلته العقدية والدعائية أقنعوا الطائفة، أنهم حماتها وأنهم يحملونها على أكتافهم مثل أطلس حامل السماء، الأسطورة المعروفة، ومن دونهم يختل توازن الكون وليس الطائفة فحسب.
كما أقنعوها بعالميتها وبأنها بمثابة القطب من الرحى، ولا تقل جبروتا عن القوى الكبرى من أميركا وأوروبا مجتمعة فنزولا، وجعلوها تؤمن بأن القيادة والزعامة خطبة رنانة، وليست برنامجا سياسيا وتنمويا وخطا استراتيجيا متينا، وأن قوة الردع ليست بالانصهار والانسجام الوطني وتجاوز الحواجز الطائفية والمناطقية والطبقية، بل بعدد الصواريخ المستوردة، وأن الاعتماد على قوة البطش يحقق التسيد في الداخل ويرهب الخارج.
ما هي الآليات التي اتبعها "الحزب" لخطف الطائفة الشيعية؟
ولاية الفقيه
يقول أبو مصطفى (اسم مستعار) إنه "منذ اللحظة التي تأسس فيها "حزب الله"، استخدم نظرية ولاية الفقيه التي تعترف بالمرجع الديني، كسلطة عليا وصية على المجتمع الديني والسياسي، لإضفاء الشرعية على كيانه وعلى تبعيته للنظام الايراني".
استخدم "الحزب" نظرية ولاية الفقيه كأداة إقصاء أيضا، فهمش غير المؤمنين بها، وحشرهم في موقع العداء للدين، وحولها إلى وسيلة لقمع مساحات النقد والاحتجاج وتقييدها، ولتفسير أي معارضة على أنها مخالفة للفقه الإسلامي وحرب على الدين نفسه.
كما أدى استخدامه الذرائعي لهذه النظرية، إلى إحاطة نشاطه السياسي والعسكري (المقاومة) بهالة من القداسة، مما ساعده على هندسة المناخ الاجتماعي والثقافي في المجتمع الشيعي وفق أيديولوجياته.