مارتينا ديفلين لـ"المجلة": إغفال دور النساء تحريف لماضي أيرلندا

روايتها الأخيرة تتناول حياة شارلوت برونتي

Phillip Massey/GC Images
Phillip Massey/GC Images
مارتينا ديفلين

مارتينا ديفلين لـ"المجلة": إغفال دور النساء تحريف لماضي أيرلندا

تؤكد الكاتبة الأيرلندية مارتينا ديفلين أن الكتابة الروائية ليست مهنة بالنسبة إليها، بل حالة ذهنية. صدرت لها تسع روايات وكتابان غير روائيين ومجموعة من القصص القصيرة. تستكشف روايتها الأخيرة "شارلوت"، عوالم الكاتبة الأيرلندية شارلوت برونتي. حصلت على درجة الدكتوراه في الآداب من كلية ترينيتي بدبلن وألقت محاضرات هناك وفي جامعات أخرى عن الأدب الأيرلندي. حصلت على "جائزة الجمعية الملكية للأدب" عام 2012 وجائزة "هينيسي" الأدبية عام 1996 كما اختيرت "كاتبة العام" في الصحف الوطنية الأيرلندية عام 2011. هنا حوار معها.

  • غالبا ما تتناول رواياتك موضوعات معقدة، مثل الأحداث التاريخية والعلاقات الشخصية. ما الذي يجذبك إلى هذه الموضوعات، وكيف توازنين بين الدقة التاريخية والسرد الإبداعي؟

أشعر بالانجذاب إلى النساء الملهمات، خاصة اللواتي كن ضحايا للتمييز ضد النساء أو الظلم، مثل النساء الثماني المتهمات بممارسة السحر في روايتي "البيت الذي حدث فيه ذلك"، التي تدور أحداثها في عام 1711 وتستند إلى قصة حقيقية، ولكني كتبتها بطرح جديد.

الشخصيات الحقيقية تترك أثرا، لذلك أستمتع بالغوص العميق في البحث. لكن في بعض الأحيان يبدو الأمر تطفلا. أيضا، بصفتي كاتبة، يجب عليّ اختيار الحقائق الأهم التي ينبغي إعطاؤها الأولوية . هذا يعني أن عليّ تفسير سلسلة من الأحداث، وهو ما ينطبق أيضا على المؤرخ الذي عليه التعامل مع الحقائق باحترام، أما الروائي فعليه التخلص من ثقل الحقائق والسماح للسرد بالتدفق. أشدد دوما على أن كتبي هي من نسج الخيال. وقد صنفت على هذا النحو، لذلك أكتب هذا التنويه في بداية رواياتي: "هذه القصة لا تدّعي أنها الحقيقة ولكنها مستوحاة من أحداث حقيقية".

الحقيقة والتحدي

  • في كتاب "الحقيقة والتحدي"، تحتفين بحياة النساء اللاتي شكلن أيرلندا الحديثة. كيف اخترت النساء اللاتي كتبت عنهن في المجموعة؟

أرى النساء في هذه المجموعة القصصية كأعواد ديناميت، ولا تزال تداعيات أفعالهن تتردد حتى الآن. بفضلهن تستطيع النساء في أيرلندا التصويت والالتحاق بالجامعات والتمتع بالحماية في أماكن العمل. خطرت لي فكرة هذه المجموعة عام 2018 لأن الذكرى المئوية لتصويت بعض النساء في أيرلندا وبريطانيا كانت تقترب، وأردت أن أجد طريقة للاحتفال بهذه المناسبة. كانت الكتابة عن هؤلاء النساء بمثابة فعل من أفعال الحديث الباطني، لكنني لم أرد أن يكون ذلك مفتعلا. بالنسبة إلي، كان ذلك بمثابة تكريم. فكرت في من أعجب بهن ولماذا اخترتهن. عندما كنت أكتب القصص، شعرت بقوة أنني أتسلل إلى جلد كل شخصية منهن، شعرت أنني شخصية في قصة خيالية تجد معطف بجعة، وتجربه وتتحول. تجرأت في هذه المجموعة على تخيل عالم مختلف وكان عليّ أن أجد طريقة للدخول إلى عالمهن. مجازيا، استعرت ملابسهن.

المؤرخ عليه التعامل مع الحقائق باحترام، أما الروائي فعليه التخلص من ثقل الحقائق والسماح للسرد بالتدفق

  •  في أعمالك غير الروائية، تتناولين قضايا معاصرة. كيف تختارين الموضوعات التي تكتبين عنها، وكيف تتأكدين من أن صوتك يلقى صدى لدى القراء؟

أسأل نفسي في كل الأوقات: ما هي القصة؟ ما الذي يجذب انتباه الناس حاليا؟ لماذا يهتمون بهذا الأمر؟

غالبية الكتاب يقومون بأعمال أخرى أيضا، لأن قلة من الروائيين يكسبون ما يكفيهم للعيش من الكتابة فقط. ولكنني أحرص أيضا على ممارسة مهنة الصحافة لأنني أجد الشؤون الجارية مثيرة للاهتمام. فأنا أكتب مقال رأي أسبوعيا لصحيفة "آيريش إندبندنت"، وهي منصة قيمة أعلق فيها على الشؤون الحالية، بدءا من السياسة إلى الاقتصاد إلى الظلم الاجتماعي.

بالطبع لا تتفق آرائي دائما مع آراء القراء في كل موضوع، لكن هذا أمر صحي. في بعض الأحيان يتصلون بي ويخبرونني أنهم يتفقون أو يختلفون معي، وفي بعض الأحيان يكتبون رسائل إلى المحرر. أحاول أن يكون لدي شيء مختلف لأقوله عن موضوع ما. أتعامل معه بجدية، وأفكر فيه لفترة طويلة وبجد قدر الإمكان. لكن الصحافة شيء يتم بسرعة بينما كتابة الرواية عملية بطيئة وتحتاج لإعادة الكتابة مرات عدة.

في بعض الأحيان يسألني الناس عما إذا كنت صحافية أم كاتبة، فأقول دائما إنني راوية قصص. زرع فيّ أهلي هذا الحب لرواية القصص منذ الطفولة، كوني واحدة من سبعة أطفال، وكان والدانا يقصان علينا قصصا رائعة عندما كنا صغارا لإمتاعنا. كانت تلك هدية رائعة من والديّ.

  •  يتناول كتاب "المصرفيون" الأزمة المصرفية الأيرلندية. حدثينا عن التعاون مع الصحافي ديفيد مورفي، وما الأفكار الرئيسة التي أردت مشاركتها مع قرائك؟

كنت أفكر في تأليف رواية عن الانهيار المالي في أيرلندا، ولكنني شعرت في تلك اللحظة بضرورة تأليف كتاب غير روائي لأن الناس لم يفهموا ما حدث. ولم يكونوا يعرفون غالبية الرؤساء التنفيذيين ورؤساء مجالس الإدارات الذين أداروا البنوك، الأمر الذي قاد أيرلندا إلى الهاوية. ولم يكن هؤلاء الرجال (وهم رجال بالفعل) من الأسماء المعروفة حتى انهار كل شيء. وكان الناس يوقفون ديفيد، الذي كان صديقي، في الشارع ويسألونه عن المكان الذي اختفت فيه كل هذه الأموال. وكان ديفيد آنذاك محرر قسم الأعمال في محطة "آر تي إي".

لذلك قررنا هذا التعاون الذي كان ممتعا لأن ديفيد شخص مرح. أو لنقل الأمر بطريقة أخرى، لم نختلف قط في العمل معا، ثم تزوجنا (كما تقول شارلوت برونتي: "أيها القارئ، لقد تزوجته").

قلب أجوف

  •  في كتابك "قلب أجوف"، شاركت قصة شخصية عميقة عن رغبتك في إنجاب طفل. ما الجزء الأكثر تحديا في كتابة هذه المذكرات، وكيف كان صدى ذلك على قرائك؟

كان لدي سبب مقنع لمشاركة هذه القصة المؤلمة، الأمل في أن تكون قصتي مفيدة للنساء اللواتي خضعن لعلاج الخصوبة ولم ينجح مسعاهن. نسمع عن القصص السعيدة أكثر من الخيبات. أردت أن يفهم الأشخاص الذين يفكرون في هذه الرحلة أنها صعبة وأن النجاح ليس مضمونا بأي حال من الأحوال، ولكن هناك حياة على الجانب الآخر بغض النظر عما إذا كانت تتضمن أطفالا أم لا. كنت حريصة على التركيز بشكل أكبر على الاستشارة الإلزامية للأزواج الذين يخضعون لعلاج الخصوبة، ويسعدني أن أقول إن هذا يحدث الآن.

مسيرتي المهنية كصحافية تغذي كتاباتي الإبداعية. تعلمني الصحافة أهمية جذب انتباه الناس من خلال سرد القصص

  •  باعتبارك روائية وصحافية، كيف توازنين بين اختلاف تقنيات الكتابة السردية والواقعية؟

كوني روائية لا يعني أنها مهنة، بل حالة ذهنية. علمتني القراءة والكتابة كيفية التعامل مع العالم. شغفي الكبير هي الكتابة الإبداعية لأن القوة والرضا العظيمين ينبعان من المبدأ الإبداعي. عندما بدأت في كتابة أعمالي الخاصة أدركت أن الإبداع أساس كل شيء، وأن الجمال في القصة لا بد أن يرتكز على الجهد والمثابرة. ولا ينبغي أن يظهر هذا الجهد في العلن ــ فالقصة تحتاج إلى حيلة السهولة. ومع ذلك، فإن مسيرتي المهنية كصحافية تغذي كتاباتي الإبداعية. تعلمني الصحافة أهمية جذب انتباه الناس من خلال سرد القصص.

Universal History Archive/Universal Images Group via Getty Images
شارلوت برونتي (1816-1855)، روائية وشاعرة إنكليزية - بناءً على رسم لجورج ريتشموند

شارلوت برونتي

  •  روايتك "شارلوت" تتناول حياة الروائية الإنكليزية شارلوت برونتي، كاتبة روايتك المفضلة "جين آير"، هل أثرت تلك الرواية على روايتك بأي شكل من الأشكال؟

نعم، هناك لمحات من رواية "جين آير" في  رواية "شارلوت". ففي النهاية، تدور أحداث "شارلوت" أيضا حول زوجتين وزوج واحد. وقد أضفت مشهدا يُحرق فيه فستان زفاف شارلوت، كإشارة إلى تمزيق حجاب زفاف جين من قبل السيدة روتشستر الأولى، الزوجة السرية التي يحتجزها زوجها. لكن ما شكّل تفسيري لقصة برونتي بشكل أكبر، هو إدراك مدى ارتباط هذه الشخصيات بالعلاقات الإيرلندية.

  •  ما الذي وجدته مثيرا للاهتمام في الفترة التي عاشتها شارلوت برونتي في أيرلندا؟

تعتبر شارلوت جوهرة في سماء الأدب الإنكليزي، لكنها كانت تتمتع بروابط أيرلندية قوية باعتبارها ابنة رجل أيرلندي يدعى باتريك، لكنه كان يعرّف نفسه باسم برونتي، وقد تزوجت من رجل إيرلندي، القس آرثر نيكولز الذي أحضرها إلى أيرلندا لقضاء شهر العسل. أيرلندا جزء من شخصيتها لكنها أنكرت ذلك وخجلت منه. كانت طبيعتها الأيرلندية عاطفية وغير مقيدة.

كان باتريك فقيرا لكنه ذكي وعنيد، كذلك كانت شارلوت. تمكن من الفوز بمكان في جامعة كمبريدج، حيث غيّر الاسم إلى برونتي. أدى هذا التغيير إلى إبعاده عن أيرلندا حيث كان شقيقه ويليام أيرلنديا ، وحمل السلاح ضد الإمبراطورية البريطانية في تمرد عام 1798، وحيث كانت والدته أليس كاثوليكية في زواج مختلط. لم تكن عائلة برونتي في أيرلندا ذكية فحسب، بل كانت هجينة.

Phillip Massey/GC Images
مخطوطة مصغرة غير منشورة بعنوان "A Book of Rhymes" لشارلوت برونتي معروضة في معرض الكتب النادرة في نيويورك

كانت القصص التي يقصها باتريك عليها أثناء طفولتها مصدرا لخيالها ومواهبها السردية. كان لديه أسلوب نابض بالحياة في سرد القصص شفويا. كما منح باتريك شارلوت وأختيها وشقيقهن برانويل حرية القراءة من مكتبته، ورعى تعليمهم وشجعهم على استخدام عقولهم. وفي طفولتهم، كتبت شارلوت وإميلي وآني وبرانويل كتبهم الصغيرة ورسموها وخاطوها يدويا. ثم واصلت الأخوات الثلاث كتابة روايات مليئة بالخصائص القوطية مثل الأشباح، والممتلكات المنعزلة، والشخصيات الغامضة، والمناظر الطبيعية الكئيبة. وتتمتع رواياتهن بلمسة مميزة من التمرد، التي يمكن القول إنها تنبع من تراثهن الأيرلندي.

يثير اهتمامي استعادة الشخصيات المهمشة، ومن بين الدروس التي علمتني إياها هؤلاء النساء من الماضي قيمة الشراكة وكيف دعم بعضهن بعضا

  •  باعتبارك من أعضاء لجنة التحكيم في "جائزة دبلن" الأدبية لعام 2025، هل يمكنك مشاركتنا بعض تفاصيل عملية التحكيم؟

إنه شرف عظيم ومسؤولية كبيرة، ولكنني أحبّ ذلك. حاليا، أقضي أيامي متكتلة على كرسي بذراعين مع قطنا تشيخوف عند قدمي، وأقرأ جميع الكتب الـ 71 المتنافسة. أرى أن معايير الترشح عالية للغاية. حيث تقدم المكتبات الترشيحات من مختلف أنحاء العالم، وليس من الناشرين، مما يجعلها جائزة عادلة. كما تؤكد هذه العملية طبيعتها الدولية فهي أشبه بخريطة القراءة في العالم.

ما أذهلني أكثر من أي شيء آخر في هذه الجائزة، التي تبلغ قيمتها 100 ألف يورو، والتي يتقاسمها المؤلف والمترجم بنسبة 75% و25%، هو أن أي شخص يمكنه الفوز بها. ولا يهم تاريخ الكاتب.

في بعض الأحيان، يكون الكتاب المختار حاز بالفعل عددا من الجوائز مثل "بائع الحليب" بقلم آنا بيرنز، وفي بعض الأحيان، يكون الكتاب رواية غامضة مثل "مارزان حبيبي" بقلم كاتيا أوسكامب، وفي أحيان أخرى يكون الكاتب غير مؤثر في قراء الدول التي تتحدث الإنكليزية مثل "الملف اللولبي" لميرسيا كارتاريسكو. لذلك يحدث الفوز فرقا هائلا بالنسبة إلى الكاتب. بصفتي عضوة لجنة تحكيم، أبحث عن قصة تظل عالقة في ذهني بعد الانتهاء من قراءتها، وشخصيات تنبض بالحياة.

التواصل

  •  الكتابة في كثير من الأحيان عمل فردي. كيف تحافظين على التواصل مع القراء والمجتمع الأدبي الأوسع؟ ما الدور الذي تلعبه المراجعات والملاحظات في رحلتك الإبداعية؟

وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت جعلا البقاء على اتصال بالناس أمرا سهلا للغاية، مهما كان العمل فرديا. ولكن لا يوجد ما هو أفضل من مقابلة القراء وجها لوجه - فالأشخاص الذين يقرأون كثيرا لديهم خيال نشط، وهذا ما يجذبني الى الناس. أحب المشاركة في الفعاليات العامة ومقابلة القراء. أرى أن التعليقات والمراجعات مهمة، ومن غير المجدي أن نقول إنها ليست مهمة، ولكن كل مراجعة هي مجرد رأي شخص واحد.

  •  هل يمكنك مشاركتنا مشاريعك المقبلة؟

السر في أي مشروع هو مجرد البدء. وهذا ما أفعله حاليا، وإن كان ببطء أكثر مما أرغب. أكتب حاليا رواية تاريخية، تدور أحداثها في أوائل القرن التاسع عشر، وتتناول قصة امرأة منسية قدمت مساهمة لم يُعترف بها بالكامل. وهذا ما يثير اهتمامي، أي استعادة الشخصيات المهمشة. ومن بين الدروس التي علمتني إياها هؤلاء النساء من الماضي قيمة الشراكة وكيف دعم بعضهن بعضا.

كل مجتمع وكل جيل يحتاج إلى أبطال، ولكن يتعين علينا أن نتذكر النساء على وجه الخصوص، لأن العديد من النساء الرائدات اللاتي هززن القفص وتحدين الوضع الراهن (القواعد التي وضعها الإنسان لصالح الرجال) أغفلن أو قلّصن أو اختزلن، وهذا يمثل تحريفا لماضينا. والماضي مهم لأننا نستطيع أن نتعلم منه وهو مصدر إلهام.

font change

مقالات ذات صلة