في حديثه مع قناة "العربية" في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال أحمد الشرع، قائد العمليات العسكرية في سوريا: "إن كتابة دستور جديد للبلاد قد يستغرق ما لا يقل عن ثلاث سنوات. أما الانتخابات البرلمانية فقد تستغرق أربع سنوات، والحوار الوطني حتى منتصف فبراير/شباط المقبل".
الأولويات بالنسبة للشرع كانت واضحة جدا: استعادة الأمن في سوريا، حل الفصائل المسلحة، النهوض بالاقتصاد السوري، وتحسين الخدمات والأوضاع المعيشية. تعود "المجلة" إلى تاريخ سوريا الدستوري، وأبرز المحطات والمواد التي وقف عندها المشرعون منذ سنة 1920.
البداية كانت مع الدستور العثماني
كان إقرار الدستور العثماني حدثا كبيرا في مطلع العهد الحميدي (عهد المشروطية الأول)، ولكن السلطان عبد الحميد، وافق عليه مجبرا وعلى مضدد، وصادق عليه يوم 13 ديسمبر سنة 1876. ثم عاد وتراجع بعد هزيمة بلاده في حربها مع روسيا سنة 1878، قبل أن يُعيد العمل بالدستور في أعقاب الانقلاب العثماني سنة 1908، الذي قيّد صلاحيات عبد الحميد الثاني قبل الإطاحة به بشكل نهائي في أبريل/نيسان 1909. ولكن الشعب السوري احتفل كثيرا بالدستور، وتبارى في مجده الخطباء، وعدّوه نقلة نوعية في تاريخ البلاد. قالوا للناس، وتحديدا البسطاء منهم الذين لم يسمعوا بكلمة "دستور" في حياتهم، إنه سيصون حقوقهم وحقوق أولادهم، ويؤسس لبلد ديمقراطي وتعددي، متين من الداخل وغير قابل للاختراق. ولكن كل هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح بعد إزاحة السلطان عبد الحميد عن العرش سنة 1909 وأثناء فترة حكم "جمعية الاتحاد والترقي" في إسطنبول، التي شهدت اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 والثورة العربية الكبرى عام 1916، مرورا بالإعدامات العثمانية في بيروت سنة 1915، وفي دمشق وبيروت سنة 1916.
دستور الملك فيصل الأول
بعد انتهاء الحرب العظمى، وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين حاكما عربيا على سوريا ثم تتويجه ملكا في يوم 8 مارس/آذار 1920، دعا الأخير إلى وضع أول دستور ملكي للبلاد، وترأس اللجنة الدستورية "رئيس المؤتمر السوري العام" (البرلمان) هاشم الأتاسي، أحد أبرز الشخصيات السورية نزاهة ووطنية وحكمة. ضمّت هذه اللجنة نائب حلب سعد الله الجابري (الذي أصبح رئيسا للحكومة سنة 1943)، وزميله نائب حمص وصفي الأتاسي، وأستاذ القانون في معهد الحقوق عثمان سلطان، ومعهم الوجيه المسيحي ثيودور أنطاكي (نائب حلب أيضا) وسعيد حيدر (نائب بعلبك)، والشيخ عبد القادر الكيلاني (نائب حماة).