سباق مسيّرات بين روسيا وأوكرانيا

سلاح كييف الجديد في مواجهة موسكو

شاترستوك
شاترستوك
صورة ظلية لطائرات بدون طيار تحلق فوق المدينة وسط الدخان ويتم التحكم فيها عن بعد باليد.

سباق مسيّرات بين روسيا وأوكرانيا

أصبحت الطائرات المسيَّرة بجميع أشكالها وأنواعها جزءا أساسيا من الحروب والعمليات العسكرية، سواء في المهام الدفاعية أو الهجومية أو حتى في جمع المعلومات الاستخباراتية، وذلك لقدرتها على العمل من مسافة، بعيدا عن مناطق الصراع أو الخطر المباشر، مما يقلل الخسائر البشرية مقارنة بالوسائل التقليدية.

ومع التقدم الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه الطائرات أكثر ذكاء في تحديد الأهداف ومسارات الوصول إليها وتدميرها، بالإضافة إلى قدرتها على العودة إلى قواعدها حتى عند انقطاع الاتصال مع المشغلين، مما يقلل الاعتماد على العنصر البشري ويعزز كفاءة الجيوش بشكل ملحوظ.

وفي الحرب الروسية الأوكرانية؛ أصبحت الطائرات المسيَّرة عنصرا أساسيا حيث يتزايد استخدامها بشكل يومي من كلا الطرفين، سواء في المجال الجوي أو البحري.

وأعلنت شركة "هلسينغ" الألمانية، التي تتعاون مع وزارة الدفاع الألمانية، توريد 4000 طائرة مسيَّرة من طراز HX-2 إلى أوكرانيا. تعتمد هذه الطائرات على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، مما يمنح الجانب الأوكراني ميزة تقنية إضافية في الصراع. وقد جاء هذا القرار بعد رفض ألمانيا توريد صواريخ "تاوروس" البعيدة المدى، لتجنب تصعيد الصراع المباشر مع موسكو.

قرار توريد الطائرات المسيَّرة يبرز دعم ألمانيا لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستكون هذه الطائرات ذات تأثير حاسم على سير المعارك؟ وما هي القدرات الفعلية التي تتميز بها؟ وكيف تستعد موسكو للتعامل مع هذا التهديد الجديد الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي؟

الأسلحة الذاتية

تُعدّ HX-2 طائرة مسيَّرة هجومية متطورة من الجيل الجديد، مصممة لتكون قابلة للبرمجة الجماعية والإنتاج بكميات كبيرة؛ وتتميز تلك المسيرة بقدرتها على التعامل مع الأهداف العسكرية المختلفة مثل المدفعيات والمركبات المدرعة والأهداف الأخرى في نطاقات بعيدة تتجاوز خط الرؤية، تصل إلى مسافة 100 كيلومتر.

شاترستوك
صورة ظلية لطائرات بدون طيار تحلق فوق المدينة وسط الدخان ويتم التحكم فيها عن بعد باليد.

تعتمد الطائرة على الذكاء الاصطناعي المدمج، مما يجعلها مقاومة للهجمات الإلكترونية المعادية. كما يمكنها البحث عن الأهداف، وإعادة التعرف اليها، ومهاجمتها حتى في حالة انقطاع الإشارة أو الاتصال المستمر. ورغم ذلك، يظل العنصر البشري جزءا أساسيا من عملية اتخاذ القرارات الحرجة لضمان التحكم الكامل.

مع تزايد كمية البيانات المتدفقة من أسراب الطائرات المسيَّرة، يمكن مركز التحكم إصدار أوامر متزامنة لعدد كبير من الطائرات لتنفيذ عمليات هجومية معقدة

وبفضل تقنيتها القائمة على الذكاء الاصطناعي المدمج. وتتميز بمقاومتها للهجمات الإلكترونية المعادية، مما يضمن استمرارية العمليات حتى في غياب الاتصال المباشر. إضافة إلى ذلك، صممت الطائرة لتكون قابلة للإنتاج بكميات كبيرة، مع إمكان تحديث برامجها عن بعد للتكيف مع التهديدات الجديدة. وتتنوع أنظمة تسليحها بين شحنات خارقة للدروع وذخائر مضادة للهياكل، مما يجعلها سلاحا دقيقا ومتعدد الاستخدامات في ساحة المعركة.

مسيرات HX-2 المزودة بالذكاء الصناعي لديها القدرة على التحليق لمسافات بعيدة نظرا لأن تقنيات الذكاء الصناعي الموجودة داخل المسيرة تقوم بتنظيم عملية استخدام الطاقة بكفاءة بالغة مما يجعل المسيرة تحلق بشكل أطول نظرا لتوفير الطاقة طبقا لتحليل عوامل المناخ في المنطقة التي تحلق بها المسيرة.

قدرات فريدة

إلى ذلك، فإن إضافة الذكاء الصناعي لمسيرات HX-2 يعطيها قدرات فريدة لمواجهة أي محاولات تشويش على شبكة الاتصال بها. حيث يمكن هذه المسيرة الاستمرار في التحليق والوصول إلى الهدف وتدميره، ثم البدء في طريق العودة إلى قواعدها حتى في حالة تعطل أجهزة الاتصال وتحديد الموقع الخاص بها. حيث تعتمد المسيرة على الصور التي تلتقطها من خلال تحليقها ومقارنتها بالخرائط الموجودة على أجهزتها حتى تتمكن من معرفة الموقع والطرق التي يجب أن تسلكها.

شاترستوك
سلاح الطائرات دون طيار

تُدمج الطائرة المسيَّرة HX-2 في منصة Altra، وهي منصة برمجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتنسيق العمليات الميدانية. تقوم المنصة بدمج جميع الطائرات المسيرة والمستشعرات المتصلة بها، لتجمع البيانات وتحللها بسرعة، مما يتيح تنسيق هجمات دقيقة وفعالة باستخدام أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة في وقت واحد. يعمل هذا النظام المتكامل على خلق بيئة مرنة ومترابطة في ساحة المعركة، مما يمنح تفوقا ميدانيا استراتيجيا.

عبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن مخاوفه البالغة في شأن الأسلحة الذاتية الفتاكة، داعيا في ديسمبر الماضي إلى حظر هذه الأنظمة

تعتمد منصة Altra على شبكة اتصالات قوية تسرّع عملية تحديد الأهداف العسكرية وتوجيه الهجمات بدقة. ومع تزايد كمية البيانات المتدفقة من أسراب الطائرات المسيرة، يمكن مركز التحكم إصدار أوامر متزامنة لعدد كبير من الطائرات لتنفيذ عمليات هجومية معقدة.

كما أن الطائرات المسيرة قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة دون تدخل بشري، مما يجعلها أسلحة ذاتية تعتمد على تحليل البيانات الفوري لتحديد الأهداف وتدميرها. هذه الميزة تمنح الميدان العسكري سرعة استجابة غير مسبوقة، حيث تصبح كل طائرة مسيرة أشبه بمركز قيادة مستقل قادر على اتخاذ قرارات هجومية بناء على تحليل بياناتها الخاصة.

رغم الإمكانات العسكرية الهائلة لهذه التكنولوجيا، فإن الأسلحة الذاتية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تثير قضايا أخلاقية كبيرة. من أبرز هذه القضايا، مسألة احتمالية استهداف مدنيين أو أبرياء بسبب أخطاء تقنية، وهو ما يطرح تساؤلات حول المسؤولية القانونية في حال وقوع مثل هذه الحوادث. في ظل غياب تشريعات دولية واضحة تنظم استخدام الأسلحة الذاتية، يظل من غير الواضح من يتحمل المسؤولية عند وقوع أضرار أو خسائر غير مقصودة.

شات ستوك
رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى تضرر أثناء غارة روسية بطائرة دون طيار

عبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن مخاوفه البالغة في شأن الأسلحة الذاتية الفتاكة، داعيا في ديسمبر/كانون الاول الماضي إلى حظر هذه الأنظمة. كما طالب بوضع تشريعات دولية واضحة لتنظيم استخدامها بحلول عام 2026، لتجنب الأخطار الأخلاقية والإنسانية المرتبطة بهذه التقنية. وبينما تمثل هذه الأنظمة قفزة كبيرة في التكنولوجيا العسكرية، فإن الحاجة إلى إطار قانوني وأخلاقي يضمن استخدامها بشكل آمن وعادل أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

مسيرات ذكية

تساهم الطائرات المسيرة في تمكين الجيش الأوكراني من مراقبة مواقع الجيش الروسي عن بعد، مما يقلل الخسائر البشرية التي قد تتكبدها كييف. أصبحت هذه المسيرات عنصرا أساسيا في العمليات العسكرية الجارية بين كييف وموسكو، وفرضت صناعة المسيرات نفسها كركيزة استراتيجية لتعزيز الأمن القومي الأوكراني. كما أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى قدرة أوكرانيا على تصنيع نحو أربعة ملايين طائرة مسيرة سنويا.

يُعدّ خبر حصول أوكرانيا على الطائرات المسيرة الذكية خبرا سياسيا وديبلوماسيا بامتياز، ولكن من غير المرجح أن يؤدي إلى تغيير جذري في موازين القوى على الأرض

بالنسبة للمسيرات الذكية، فهي بلا شك تمثل إضافة قيمة للجيش الأوكراني، حيث تساهم في جمع المعلومات الاستخباراتية بسرعة وفعالية، مما يسهل تحديد الأهداف العسكرية وتدمير بعضها. ومع ذلك، لا تقتصر أهداف كييف على تحديد المواقع العسكرية الروسية فقط، بل تتعداها إلى تدمير هذه المواقع، بما في ذلك تلك المحصنة بأسلحة ثقيلة. ولتحقيق ذلك، تحتاج أوكرانيا إلى امتلاك الأسلحة الثقيلة التي تمكنها من قصف هذه الأهداف بكفاءة.

ويُعدّ خبر حصول أوكرانيا على الطائرات المسيرة الذكية خبرا سياسيا وديبلوماسيا بامتياز، ولكن من غير المرجح أن يؤدي إلى تغيير جذري في موازين القوى على الأرض.

فحتى بعد حصول كييف على هذه المسيرات، بالإضافة إلى الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ "أتاكمز" الأميركية البعيدة المدى، وصواريخ "ستورم شادو" البريطانية، وكذلك طائرات "إف-16"، فإن أوكرانيا لم تتمكن بعد من تحقيق تقدم عسكري ملموس. يعود ذلك إلى الحسابات المعقدة للدول الداعمة لأوكرانيا، والتي تحرص على تجنب التصعيد مع موسكو، خاصة في حال تطور الوضع إلى استخدام روسيا الأسلحة النووية لحماية أراضيها. الدول مثل ألمانيا، القريبة جغرافيا من موسكو، تسعى إلى تجنب هذا الخيار. بناء عليه، فإن توفير ألمانيا للطائرات المسيرة لأوكرانيا يعد دليلا على دعمها المستمر، لكن هذه الطائرات لا تزال في مرحلة الاختبار الميداني، ومن غير المتوقع أن تغير بشكل كبير مجريات المعركة في المستقبل القريب.

وتراقب موسكو خبر توريد هذه المسيرات إلى كييف، ومن أجل إعلان جاهزيتها، قامت موسكو بتنفيذ ٣٠٠ هجمة باستخدام المسيرات، تم اعتراض بعضها، في حين وصل بعضها إلى أهدافه في أول ثلاثة أيام فقط من عام ٢٠٢٥، وذلك وفقا لتصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

تؤكد تلك الهجمات حجم الدور الذي تلعبه المسيرات من كلا الجانبين. وبما أن المسيرات تُستخدم بشكل مكثف ولأغراض متعددة، فإن الحرب الإلكترونية تملك القدرة على حسم المعارك الجوية بين هذه المسيرات، حيث أن من يمتلك أحدث قدرات التشويش واعتراض الإشارات اللاسلكية سيكون له التفوق في السيطرة على السماء.

ووفق تقرير لوكالة "تاس"، تعمل شركة "درونوسكوب"المتخصصة في تطوير تكنولوجيا اكتشاف المسيرات والتشويش عليها، على تطوير نظام الحرب الإلكترونية الجديد "تاراكان"، الذي يُعدّ نقلة نوعية في مجال تقنيات اكتشاف الطائرات المسيرة ومكافحتها. يتضمن النظام نماذج بأربعة وخم قنوات تعتمد على وحدة التحكم الآلي "درونوسكوب-فور ار Dronoscop-4R والتي تتميز بقدرتها على تفعيل التشويش فقط عند اقتراب الطائرات المسيرة، مما يساعد في الحفاظ على عمر البطارية ويقلل خطر اكتشاف النظام من قبل الأعداء.

التشويش الانتقائي

يعتمد النظام الجديد على مفهوم القنوات المتعددة، حيث تتيح النسخة ذات الست قنوات من "تاراكان" للنظام التعامل مع ترددات متعددة في وقت واحد، مما يعزز كفاءته في التصدي للطائرات المسيرة الانتحارية التي تستخدم ترددات متغيرة. بفضل هذه التقنية، يصبح النظام أكثر قدرة على مواجهة الطائرات المسيرة المتقدمة التي تعتمد على اتصالات معقدة ومتغيرة.

تمنح هذه التقنية القوات الميدانية تفوقا ملحوظا في العمليات العسكرية، حيث يتيح النظام لها تعطيل تهديدات الطائرات المسيرة دون التأثير في قدرتها على التواصل وإدارة العمليات بفعالية.

تُعدّ القدرة على التشويش الانتقائي والدقيق من أبرز مميزات "تاراكان"، حيث يمكن النظام استهداف الترددات المستخدمة من قبل الطائرات المسيرة دون التأثير على الشبكات والأنظمة الأخرى المحيطة.

تمنح هذه التقنية القوات الميدانية تفوقا ملحوظا في العمليات العسكرية، حيث يتيح النظام لها تعطيل تهديدات الطائرات المسيرة دون التأثير في قدرتها على التواصل وإدارة العمليات بفعالية. على سبيل المثل، إذا كانت هناك قاعدة عسكرية تتعرض لتهديد من طائرات مسيرة انتحارية تابعة للعدو، قادرة على التحليق بسرعة نحو القاعدة لتدمير أهداف حساسة، فإن وجود نظام تقليدي للحرب الإلكترونية يعتمد على قناة تشويش واحدة قد يكون غير كافٍ. ففي حال لجأت الطائرات المسيرة إلى تغيير تردداتها أو استخدام ترددات متعددة، سيضعف أداء النظام التقليدي، مما يزيد احتمال وصول بعض الطائرات إلى أهدافها.

أما مع وجود نظام "تاراكان" المزود ست قنوات، فإن الوضع يختلف جذريا، حيث يمكن هذا النظام مراقبة وتشويش ستة ترددات مختلفة في آن واحد. وهذا يعني أن الطائرات المسيرة، مهما حاولت تغيير أو تنويع تردداتها، ستواجه صعوبة كبيرة في تجاوز هذه الدفاعات المتقدمة، مما يوفر للقاعدة حماية أكثر كفاءة ضد تهديدات الطائرات المسيرة المتطورة.

تحديات وفرص

في السياق نفسه، شكل استخدام روسيا للمسيرات الإيرانية "شاهد" ضغطا إضافيا على الدفاعات الجوية الأوكرانية. ووفقا لتصريحات وزير الخارجية الأوكراني في سبتمبر/أيلول الماضي، نفذت روسيا 8,060 هجوما باستخدام هذه المسيرات، التي طورتها إيران، منذ بداية الغزو الشامل. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في مايو/أيار الماضي أن روسيا تنتج أيضا طائرات "شاهد" محليا باستخدام تكنولوجيا إيرانية في مصنع بجمهورية تتارستان، لتعزيز قدراتها الهجومية ومواجهة المسيرات الأوكرانية.

إلى جانب ذلك، برزت الطائرة المسيرة الروسية "لانسيت" (Lancet)، التي طورتها شركة ZALA Aero Group التابعة لمجموعة كلاشنيكوف، كمصدر قلق كبير للقوات الأوكرانية منذ انتشارها في ساحة المعركة أواخر عام 2022. تُستخدم هذه الطائرة الانتحارية لاستهداف معدات عسكرية أوكرانية حساسة وعالية القيمة، مثل دبابات "ليوبارد"، ومدافع "هاوتزر" الغربية، ومنظومات الدفاع الجوي. وأشار القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوجني، في مقال نُشر في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى أن طائرات "لانسيت" تشكل تحديا كبيرا، خاصة عندما تتعاون مع طائرات الاستطلاع الروسية لتحديد أهدافها بدقة، مما يجعل التصدي لها مهمة معقدة وصعبة.

AP
جنود روس يستعدون لإطلاق النار على طائرات بدون طيار أوكرانية في مكان غير معلن في أوكرانيا.

في الوقت الذي تركز فيه كييف وموسكو على الاستخدام المكثف وتصنيع الطائرات المسيرة لتعزيز قدراتهما في سماء المعركة، ظهرت تحديات جديدة ناجمة عن هذا الاستخدام المتزايد. فقد أدى العدد الكبير من المسيرات المستخدمة من كلا الجانبين إلى ازدحام المجال الجوي، وكذلك المجال الكهرومغناطيسي المصاحب لشبكات الاتصال الخاصة بهذه المسيرات. هذا الازدحام جعل من الصعب في بعض الأحيان على الجهة التي أطلقت المسيرات التحكم الكامل بها، مما يسبب ارتباكا في العمليات الجوية.

مع التزايد الملحوظ في الاعتماد على الطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة، يبدو أن هذه التكنولوجيا تلعب دورا حاسما في تغيير قواعد الصراعات

كما أظهرت كثافة المسيرات المستخدمة ظاهرة "الاختلاط"، حيث أصبح من الصعب على القوات التمييز بين الطائرات الصديقة والمعادية. هذا التداخل في العمليات الجوية خلق حالة من عدم اليقين وأدى إلى بطء في اتخاذ القرارات العسكرية الحيوية، مما أثّر سلبا على كفاءة العمليات.

إلى جانب ذلك، أدى التبديل المستمر في قنوات البث والمراقبة إلى تحديات وفرص جديدة في إدارة وتوجيه المسيرات. على سبيل المثل، قد يتمكن الجانب الروسي أحيانا من التنصت على طائرة مسيرة أوكرانية ومعرفة البيانات التي جمعتها، والعكس صحيح. هذه الظاهرة، المعروفة بـ"اختلاط الشبكات"، تزيد احتمالية تسريب معلومات استخباراتية حساسة، مما يشكل خطرا كبيرا على كلا الطرفين.

هذا التحدي يبرز أهمية تطوير تقنيات متقدمة لإدارة الطيف الكهرومغناطيسي بفعالية، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي أو الأنظمة المتعددة الترددات. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه التقنيات مرهونا بالتجارب الميدانية على أرض المعركة، خاصة في أجواء معقدة مثل تلك التي تشهدها الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

مع التزايد الملحوظ في الاعتماد على الطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة، يبدو أن هذه التكنولوجيا تلعب دورا حاسما في تغيير قواعد الصراعات. الحرب الأوكرانية الروسية تمثل نموذجا لهذا التحول، حيث يتزايد تدفق الطائرات المسيرة بشكل كبير، مما يفرض تحديات كبيرة على الدفاعات الجوية، ويعقد عمليات التشويش على الأنظمة المتطورة.

لكن مع تقدم هذه التكنولوجيا، تظهر تساؤلات أخلاقية جدية، خاصة في ما يتعلق باستخدام الأسلحة الذاتية. هذه القضايا تحتاج إلى معالجة قانونية ودولية عاجلة لضمان الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات. وفي المستقبل القريب، سيظل التحدي الأكبر هو ضمان السيطرة الفعالة على الطائرات المسيرة في ظل السماء المزدحمة، وتحديد المسؤوليات في حال وقوع أخطاء تكنولوجية.

مع استمرار المسيرات كعنصر محوري في الخطط العسكرية، فإن تطوير تقنيات التشويش والإدارة الإلكترونية سيبقى عاملا حاسما لتحقيق التفوق في ساحة المعركة. وبينما تزداد أهمية هذه التكنولوجيا، تبقى المعركة مستمرة بين التطور التقني والقدرة على التعامل مع تعقيداته.

font change