هناك عدد لا يحصى من العوامل غير المعروفة التي تجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تطور الأوضاع في سوريا ما بعد بشار الأسد. ومع استمرار غياب السيطرة الكاملة للحكومة الجديدة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، يبقى السؤال مطروحا حول ما إذا كانت السلطات المركزية في دمشق ستتمكن في نهاية المطاف من بسط سيطرتها على كامل أراضي البلاد.ويتعلق أحد المتغيرات الرئيسة في هذه المعادلة باحتياطيات النفط والغاز في سوريا، وأي جهة ستسيطر في النهاية على هذه الموارد الحيوية، وبالتالي تستفيد من عوائدها الاقتصادية والسياسية.
وبالنظر إلى تعدد الجهات الخارجية ذات المصالح المتشابكة في سوريا ما بعد الأسد، يصبح من الضروري دراسة تأثير هذه المصالح المرتبطة بموارد النفط والغاز على التوازن الجيوسياسي الأوسع في المنطقة.
حتى اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، كان قطاع النفط والغاز يشكل ركيزة أساسية لاقتصاد البلاد. ففي ذلك العام، كانت 63 في المئة من صادرات سوريا النفطية تتجه إلى ألمانيا وإيطاليا، بينما كانت بقية الصادرات تقريبا توزع بين فرنسا وهولندا والنمسا وإسبانيا. وقد مثل النفط ربع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا.ولكن، أدى اندلاع الصراع والعقوبات الغربية المفروضة على دمشق إلى منعها من تصدير مواردها الهيدروكربونية. نتيجة لذلك، أصبحت البلاد تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني، الذي أرسلته طهران لدعم سوريا، في تلبية احتياجاتها من الطاقة وسط الصراع. وخلال مراحل مختلفة من الأزمة السورية، تغيرت السيطرة على احتياطيات النفط والغاز بين عدة جهات.
فبين عامي 2014 و2017، استولى تنظيم "داعش" على معظم آبار النفط في سوريا. وعلى الرغم من انخفاض الإنتاج خلال تلك الفترة، جرى استهلاك جزء كبير من هذا النفط محليا، بينما جرى بيع ما قيمته من 2-3 ملايين دولار تقريبا يوميا عبر الأسواق السوداء لنظام الأسد وتركيا وحكومة إقليم كردستان العراق. ومنذ عام 2017، أصبحت معظم مناطق شمال شرقي سوريا تحت سيطرة تحالف من القوات الكردية والعربية بقيادة "وحدات حماية الشعب"المدعومة من الولايات المتحدة والتي تشكل العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية".في الوقت الحالي، تسيطر "قسد" والولايات المتحدة على نحو 70 في المئة من حقول النفط والغاز في سوريا.
زودت "وحدات حماية الشعب" نظام الأسد بالنفط خلال الأزمة، لكنها امتنعت عن القيام بذلك مع السلطات الحالية في دمشق. وفي الوقت نفسه، توقفت إيران عن تصدير النفط إلى سوريا منذ سقوط الأسد.
ومع استمرار خضوع سوريا للعقوبات الغربية، تواجه البلاد نقصا حادا في موارد الطاقة، وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام تحقيق الاستقرار ويهدد بتقويض أي فرص لانتقال سياسي سلس نحو حقبة ما بعد حزب "البعث".