ترمب و"السلام من أجل القوة"

هل تفلح سياسة ترمب قي مواجهة التحديات الأمنية عالميا؟

ترمب و"السلام من أجل القوة"

وسط الزخم الكبير الذي رافق الأيام الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد عودته إلى البيت الأبيض، بدأت المؤشرات الأولى حول نهجه في التعامل مع التحديات الأمنية العالمية التي يُتوقع أن تواجه إدارته، بالظهور.

وركزت حملة ترمب لإعادة انتخابه على شعار "أميركا أولا" حيث كان عزمه على تقليل مشاركة الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية أحد أبرز الأولويات.

وكان ترمب من أشد المنتقدين لمشاركة أميركا في النزاعات المثيرة للجدل في العراق وأفغانستان، معتبرا أن دافعي الضرائب الأميركيين يتحملون تكلفة باهظة، سواء من حيث الأرواح أو الموارد المالية، نتيجة تدخلات عسكرية لا تُعزز المصالح طويلة الأمد للبلاد. ولهذا السبب، كان من أبرز المعارضين لدعم إدارة بايدن السابقة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، حيث تجاوزت تكلفة هذا الدعم حتى الآن 100 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.

ويرى ترمب أن الحرب في أوكرانيا قضية أوروبية بالدرجة الأولى، ولا يجب أن تتحمل الولايات المتحدة دورا قياديا في تقديم الدعم العسكري والمالي لكييف.

وبالنهج العملي والحازم نفسه، تتعامل إدارة ترمب مع الصراع في غزة، حيث أكد الرئيس الأميركي مؤخرا للصحافيين، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، أن الصراع هناك "ليس حربنا، بل حربهم". ومع ذلك، يدرك ترمب أن واشنطن، بصفتها القوة العسكرية العظمى الأولى في العالم، تتحمل مسؤولية الحفاظ على السلام العالمي، وهو أمر يراه ضروريا لتعزيز الازدهار العالمي.

لذلك، ورغم تردده في إشراك الجيش الأميركي في صراعات غير ضرورية، فإن ذلك لا يعني أن إدارته ستتخذ نهجا متساهلا تجاه الجهات العدوانية المحتملة، كما يتضح من موقفه الحازم تجاه دول مثل روسيا وإيران.

ومن بين الادعاءات البارزة التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية، زعمه أنه قادر على إنهاء الصراع في أوكرانيا خلال "24 ساعة" فقط من توليه المنصب. ورغم أن هذا الهدف يبدو غير واقعي، فإنه يعكس الاتجاه العام المحتمل لسياسته الخارجية.

وفي إطار توضيح نهجه المحتمل تجاه قضايا الأمن العالمي، كانت إحدى أولى الخطوات البارزة لترمب هي توجيه تحذير صريح إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرا إلى العواقب الكارثية التي قد تنتظره إذا لم ينهِ الحرب في أوكرانيا.

استخدام إجراءات اقتصادية ومالية مدمرة بدلا من اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة، هو النهج الذي طبع فترة ترمب الرئاسية الأولى، حيث اعتمد بشكل كبير على فرض عقوبات صارمة ضد دول مثل إيران

وفي منشور على منصته "تروث سوشيال،" دعا ترمب هذا الأسبوع بوتين إلى "وقف هذه الحرب السخيفة"، محذرا من فرض رسوم جمركية وعقوبات جديدة في حال استمرار الصراع.  
وكتب ترمب قائلا: "سأقدم لروسيا، التي يعاني اقتصادها من الانهيار، وللرئيس بوتين، خدمة كبيرة جدا". وأضاف: "توصلوا إلى اتفاق الآن، وأوقفوا هذه الحرب السخيفة! الأمور تسير نحو الأسوأ. إذا لم نتوصل إلى (اتفاق) قريبا، فلن يكون لدي خيار سوى فرض ضرائب ورسوم جمركية وعقوبات عالية على أي شيء تبيعه روسيا للولايات المتحدة والدول الأخرى المشاركة".
وفي رسالة مباشرة إلى بوتين، أضاف ترمب: "يمكننا فعل ذلك بالطريقة السهلة أو الصعبة– والطريقة السهلة دائما أفضل".
ورغم أن اللغة المستخدمة في التحذير كانت كلاسيكية مع لمسة ترمبية مميزة، فإنها كشفت أيضا عن نهج إدارته المحتملة في التعامل مع خصومه المستقبليين، مع تركيز واضح على استخدام إجراءات اقتصادية ومالية مدمرة بدلا من اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة.  
هذا النهج هو الذي طبع فترة ترمب الرئاسية الأولى، حيث اعتمد بشكل كبير على فرض عقوبات صارمة ضد دول مثل إيران، متجنبا الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة.
مثال واضح على نهج ترمب ظهر في عام 2019 عندما أسقطت إيران طائرة أميركية مسيرة للاستطلاع فوق الخليج. ففي حين دعا الكثير من أعضاء فريق الأمن القومي الخاص بترمب إلى الرد على الاستفزاز الإيراني بعمل عسكري قوي، رفض ترمب الموافقة على الهجوم، مؤكدا أنه لا يرغب في خوض حرب مكلفة مع طهران. وبدلا من ذلك، قام بتشديد العقوبات الاقتصادية ضد النظام الإيراني، وأمر بتنفيذ عملية اغتيال استهدفت قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني.

ورغم التزام ترمب بعدم إشراك الولايات المتحدة في تدخلات عسكرية غير ضرورية خلال ولايته الأولى، فإنه كان مستعدا لتفويض استخدام القوة العسكرية بشكل حاسم عند الضرورة. فعلى سبيل المثال، في عام 2017، أرسل أسطولا بحريا أميركيا قويا إلى شبه الجزيرة الكورية كرسالة تحذيرية للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بشأن برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. كما لعب ترمب دورا قياديا خلال فترة ولايته في الحملة العسكرية لتدمير ما يُعرف بـ"الخلافة" التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، حيث كان لقراره بتخفيف القيود الصارمة لقواعد الاشتباك التي فرضتها إدارة أوباما السابقة دورا رئيسا في تحقيق النجاح.
وقد شهد المشهد الأمني العالمي تحولات كبيرة منذ أن كان ترمب في منصبه آخر مرة، أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا والمخاوف المتزايدة من احتمال قيام الصين بشن هجوم عسكري ضد تايوان.
قد يكون إنهاء الصراع في أوكرانيا من بين أولويات ترمب الرئيسة، إلا أن التحدي الذي تمثله الصين الصاعدة كقوة عسكرية كبرى قد يكون مصدر قلق أكبر، نظرا لتأثيرها المباشر على مصالح الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.  
واستنادا إلى تدخله الأولي في قضية أوكرانيا، يُتوقع أن يكون رد فعل ترمب في حال تصاعد التوترات مع بكين هو اعتماد مجموعة من الإجراءات الحاسمة، مثل فرض الرسوم الجمركية والعقوبات.  
لكن السؤال الأكبر يبقى: كيف سيرد ترمب إذا ما قررت الصين المضي قدما في محاولتها استعادة تايوان بالقوة العسكرية؟ وهي خطوة قد تكون لها تداعيات عميقة على أمن الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة المحيط الهادئ.  
يدرك حكام الصين الشيوعيون جيدا أن سياسة ترمب المفضلة، وهي تحقيق السلام من خلال القوة، تعني أيضا أن الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام قوتها العسكرية الساحقة في أوقات الأزمات الحقيقية.
 

font change