بغداد تخشى الضغوط الاميركية على "الحشد الشعبي"

خامنئي يرفض حل "الحشد الشعبي"

 أ ف ب
أ ف ب
عراقي يقرأ انباء تنصيب الرئيس الاميركي دونالد ترمب في شارع السعدون في بغداد في 21 يناير

بغداد تخشى الضغوط الاميركية على "الحشد الشعبي"

أخلت الفصائل المقربة من إيران، بعض مواقعها خوفا من استهدافها في الأيام المقبلة، مع استلام الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب مهامه.

فقد بدأت الفصائل العراقية بإعادة ترتيب أوراقها عقب تراجع "محور المقاومة" في سوريا ولبنان، وتلقي رسائل أميركية تدعو إلى تفكيك تلك الفصائل وتشديد السيطرة على الحدود العراقية- الإيرانية لمنع تدفق السلع التي يستفيد منها النظام الإيراني رغم العقوبات الدولية. وفي ضوء هذا الضغط، غادر بعض قادة الفصائل البلاد متوجهين إلى إيران ودول أخرى.

وصرح زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، مؤخرا عن عزم الإدارة الأميركية الجديدة اتخاذ إجراءات ضد بعض القوى المنضوية في "الإطار التنسيقي"، بسبب امتلاكها فصائل مسلحة. وأوضح الحكيم أن الاستهداف "لا يرتبط بانتماء هذه القوى إلى الإطار التنسيقي فحسب، بل بامتلاكها لفصائل عسكرية"، في إشارة إلى فصائل مثل "منظمة بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"كتائب سيد الشهداء"، وغيرها. وهي جهات تشكل جزءا من الإطار التنسيقي، الذي يضم غالبية القوى السياسية الشيعية.

وفي زيارته الخامسة إلى طهران منذ توليه المنصب، سعى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى ترتيب أوضاع الفصائل، حيث ناقش سُبل تقليص أي تدخل عسكري أميركي يستهدف إقصاءها من المشهد عبر دفعها للانكفاء داخليا. وقد ترافقت تلك التحركات مع تصاعد المطالب بحل "الحشد الشعبي" ودمجه في القوات الأمنية، وهو ما يواجه رفضا كبيرا من معظم القوى السياسية الشيعية التي تمتلك فصائل مسلحة وتستثمرها في مشاريعها الخاصة، في حين تتلقى هذه الفصائل تمويل رواتبها من الخزينة العامة.

وفي المقابل، جاءت الرسالة الإيرانية واضحة عندما أعلن المرشد علي خامنئي رفضه حل "الحشد الشعبي"، مؤكدا أنه أحد أهم عناصر القوة في العراق، وأن المحافظة عليه وتعزيز دوره يُعد أمرا ضروريا.

وقال المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء" كاظم الفرطوسي، في حديثه لـ"المجلة"، إنه لا توجد أي مطالباتٍ رسميةٍ من قبل الحكومة العراقية لحل "الحشد الشعبي"، وأن ما يُثار في هذا الخصوص مجرد رغباتٍ لدى بعض السياسيين ولا قيمة لها، مؤكدا أن "الحشد الشعبي" يُعَد مؤسسة عسكرية خاضعة للقائد العام للقوات المسلحة ومشرعة بقانون رسمي.

كان قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني قد زار بغداد، وطلب من الفصائل تهدئة الأوضاع وترك الأمور للمفاوض السياسي، لتجنب أي انزلاق خطير، لأن خروج العراق من "محور المقاومة" سيعني ضربة قاصمة لإيران

وأضاف الفرطوسي أن الهجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي توقفت مع قرار وقف إطلاق النار في لبنان، مؤكدا إمكانية استئنافها إذا انهار الاتفاق.

وتطرق أيضا إلى إعلان الحوثيين المتكرر باستهداف إسرائيل بالتنسيق مع الفصائل العراقية، ما يدل على وجود تعاونٍ مشتركٍ بين الجانبين. وأوضح الفرطوسي أن هذا التعاون والتنسيق قائمٌ بصورةٍ دائمة، لأن "وحدة الساحات" لا تنحصر بإطارٍ زمني معين.

وخلال فترة رئاسة جو بايدن، برزت الولايات المتحدة بوصفها الضامن لأمن العراق في مواجهة أي هجوم إسرائيلي، رغم عدم رغبة إيران في تفعيل الجبهة العراقية، ومع ذلك، تحولت الأجواء العراقية إلى مسرح لتحليق الطيران الإسرائيلي الذي شن ضربات على إيران. وفي المقابل، تواصل حكومة السوداني جهودها لتخفيف حدة التوتر بين واشنطن وطهران، سعيا لإبعاد العراق عن دائرة الصراع.

وقد أفاد أحد القادة البارزين في الإطار التنسيقي، في حديث لـ"المجلة"، بأن فشل حل "الحشد الشعبي" أو بعض الفصائل التي تستهدف إسرائيل، قد يدفع الولايات المتحدة وفقا للرسائل الواردة من إدارة ترمب الجديدة إلى تفكيك هذه التشكيلات عبر شن حربٍ اقتصاديةٍ على العراق.

أ ف ب
السوداني يلقي كلمة اثناء افتتاح ارصفة تحميل في مرفأ الفاو في 7 نوفمبر

وأوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن واشنطن قد تبدأ ما وصفه بـ"حرب النفط"، بخفض الأسعار إلى ما دون 50 دولارا للبرميل، الأمر الذي سيعجز الحكومة العراقية عن توفير رواتب الموظفين التي تتجاوز 60 مليار دولار سنويا.

وأكد أن العراق سيكون عاجزا عن الحصول على استثناء لشراء الغاز الإيراني الضروري لتشغيل محطات الكهرباء، فضلا عن استيراد 1200 ميغاواط من إيران، ما سينجم عنه أزمات داخلية حادة في الصيف المقبل، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

وألمح إلى أن ضعف الاقتصاد العراقي وعجزه عن توفير الكهرباء للمواطنين لأكثر من 20 ساعة يوميا، نتيجة توقف إمدادات الغاز والطاقة من إيران، بالإضافة إلى انهيار العملة قد يدفع الشارع العراقي نحو الغضب ويشعل احتجاجات قد تُزعزع النظام السياسي الحالي، وتمهد الطريق لتشكيل حكومة أكثر قربا من الغرب.

وأشار إلى أن السوداني حمل عدة ملفات إلى طهران، أولها أن بغداد، ستفعل الدبلوماسية بين واشنطن وطهران من أجل تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، وإبعاد العراق عن الخطر المحدق به في حال رفضت بعض الفصائل الانزواء في المرحلة المقبلة.

 وكان قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني إسماعيل قآاني، المسؤول عن الملف العراقي، قد زار بغداد، والتقى عددا من القيادات السياسية، من بينهم رئيس الحكومة، وطلب من الفصائل تهدئة الأوضاع وترك الأمور للمفاوض السياسي، لتجنب أي انزلاق خطير للعراق، لأن خروج الأخير من "محور المقاومة" سيعني ضربة قاصمة لإيران، لذلك بدأت بعض الفصائل، بالانسحاب من المناطق السنية والمناطق المجاورة للقواعد الأميركية.

يُعَد السيستاني أبرز الشخصيات المؤثرة في العراق، وقد عبّر عن استيائه الشديد من استمرار انتشار السلاح خارج إطار الدولة، لما في ذلك من إعاقة للإصلاحات والحد من الفساد المالي والإداري

ودفعت الرسائل الأميركية الواردة إلى العراق، السوداني إلى القيام بسلسلة زياراتٍ خلال الأيام الماضية إلى عواصم عدة، في خطوةٍ لترتيب الأوضاع، إضافة إلى تنفيذ تغييراتٍ أمنيةٍ تهدف للحد من نفوذ الفصائل في بعض المواقع.

واستجابة للمطالب الأميركية، أجرى رئيس الوزراء السوداني تعديلا شمل رئاسة جهاز المخابرات وهيئة المنافذ الحدودية، إذ أعاد حميد الشطري وعمر الوائلي إلى منصبيهما اللذين شغلاهما إبان حكومة مصطفى الكاظمي.

ووجه السوداني إلى الفصائل المسلحة رسائل قال فيها إنه لن يكون هناك مبرر لبقاء السلاح خارج إطار الدولة، فإما الانخراط في الأجهزة الأمنية وإما الانتقال إلى العمل السياسي، وهذا هو الطريق السليم لبناء الدولة.

ويُعَد السيستاني أبرز الشخصيات المؤثرة في العراق، وقد عبر عن استيائه الشديد من استمرار انتشار السلاح خارج إطار الدولة، لما في ذلك من إعاقة للإصلاحات والحد من الفساد المالي والإداري. وطالب مرارا بأن تضطلع الحكومة بدورها في حصر هذا السلاح، وهو ما قد يستدعي تفعيل قانون الأحزاب، وخصوصا المادة الثامنة التي تحظر تأسيس الأحزاب التي تمتلك تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، أو الارتباط بأي جهة مسلحة.

ويمتلك الإيرانيون نفوذا كبيرا في العراق على مختلف الأصعدة، الأمر الذي ينذر بتصاعد حدة الصراع في بغداد، ويأتي استخدام الولايات المتحدة لورقة النفط بمثابة ضربة موجعة للاقتصاد العراقي، الذي تعتمد حكومته على عائدات النفط في تمويل نحو 92 في المئة من موازنتها. في المقابل، سيتأثر الاقتصاد الإيراني كذلك، إذ يصدّر يوميا أكثر من 1.5 مليون برميل، تصدّر أغلبها بوثائق عراقية، ما يجعله عرضة لتداعيات أي إجراءات أميركية في هذا المجال.

font change