كيف نقرأ إجراءات ترمب التجارية في اليوم الأول؟

لم يفجر القنبلة بل اكتفى بإشعال الفتيل فقط

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب يوقع مجموعة من القرارات التنفيذية، خلال حفل تنصيبه للرئاسة في مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، 20 يناير 2024

كيف نقرأ إجراءات ترمب التجارية في اليوم الأول؟

لم يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، من خلال السيل العارم من الأوامر التنفيذية التي أصدرها في اليوم الأول من ولايته، الحرب التجارية المقبلة بشكل مباشر، مما أتاح للأسواق والمستثمرين في العملات الشعور بالطمأنينة. وكذلك هدأ بال كندا والمكسيك نحو ثماني ساعات فقط، راح بعدها الرئيس العائد يكيل لهما تهديداته.

غير أن أمره التنفيذي الواسع النطاق في شأن التجارة مهد الطريق لتحقيق الوعود كافة التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، حيث دفع نحو مراجعات وتحقيقات ضرورية لفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على الصين وبقية دول العالم. ومع تحديد الأول من أبريل/نيسان كموعد نهائي لإنجاز غالبية المراجعات والتحقيقات، فإن العد التنازلي قد بدأ بالفعل لكي تتخذ الإدارة خطوات مبكرة لتنفيذ أجندة ترمب التجارية العقابية.

ينقسم الأمر التنفيذي بشكل أساسي إلى جزءين: الصين، وبقية العالم. مع ذلك، هناك اختلاف مثير للاهتمام يميزه عن الكثير من الإجراءات الأخرى التي اتخذها ترمب والتي تراجعت بشكل صريح عن القواعد واللوائح والتفويضات الصادرة في عهد بايدن. يتمثل هذا الاختلاف في أن بعض الإجراءات التجارية المخطط لها تحافظ على التدابير التجارية التي اتخذتها إدارة بايدن وتبني عليها، ولا سيما تلك التي تتعلق بمكافحة ممارسات الصين التجارية غير العادلة وتعزيز ضوابط التصدير الأميركية.

تعهد ترمب بإجراء مراجعة شاملة للقيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا التي وضعتها إدارة بايدن، مع إمكان توسيع نطاقها. كما فتح الباب أمام فرض قيود إضافية على التكنولوجيا الصينية "المتصلة"، مثل السيارات الكهربائية

ومع ذلك، تركز أجزاء من الأمر التنفيذي على هوس واضح لدى ترمب وخبرائه التجاريين للسعي وراء مشكلة لديهم لها حل مسبق، يقوم بالطبع على فرض مزيد من التعريفات الجمركية.

أولا، وجّه ترمب إدارته إلى دراسة أسباب تفاقم العجز التجاري الأميركي في السلع، مع محاولة تقديم تفسير مقنع يثبت أن هذا العجز يمثل تهديدا للأمن القومي، خاصة أن الاقتصاديين وخبراء التجارة غالبا ما يعتبرونه مجرد مؤشر حسابي. ويمهد هذا التقييم الطريق لفرض رسوم جمركية عالمية– أي رسوم جمركية على الواردات من جميع الدول– بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة الذي يعود إلى عهد الرئيس كارتر.

أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب يوقع مجموعة من القرارات التنفيذية، خلال حفل تنصيبه للرئاسة في مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، 20 يناير 2024

ثانيا، أصدر ترمب أمرا بإجراء مراجعة جذرية للقاعدة الصناعية والتصنيعية في الولايات المتحدة، بهدف تحديد الواردات التي قد تشكل خطرا على الأمن القومي، وبالتالي يمكن إخضاعها لرسوم جمركية عقابية استنادا إلى المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962. (وكان ترمب قد استخدم هذه الأداة نفسها في ولايته الأولى لفرض رسوم جمركية على الصلب والألومنيوم لأسباب تتعلق بالأمن القومي، لكنه يطمح إلى توسيع نطاقها بشكل أكبر هذه المرة).

تشمل العناصر الأخرى في الأمر التنفيذي المتعلق بالتجارة، والتي لا تستهدف الصين بشكل كامل، بعض الأهداف المعتادة، مثل الأمر بإجراء تحقيقات إضافية حول الدول التي قد تتلاعب بعملاتها للحصول على ميزة تجارية، إلى جانب مراجعة القواعد الجمركية المبهمة التي تشكل ثغرة تتيح مرور كميات كبيرة من التجارة ذات القيمة المنخفضة دون أن تخضع للرسوم الجمركية الشاملة التي يعتزم ترمب فرضها.

تعهد ترمب أيضا بإجراء مراجعة شاملة للقيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا التي وضعتها إدارة بايدن، مع إمكان توسيع نطاقها. كما فتح الباب أمام فرض قيود إضافية على التكنولوجيا الصينية "المتصلة"، مثل السيارات الكهربائية، التي كانت إدارة بايدن قد صنفتها بالفعل كتهديد محتمل للأمن القومي.

خاض ترمب حملته الانتخابية متعهدا بزيادة الضرائب على الشركات والمستهلكين الأميركيين، كوسيلة لإعادة التوازن إلى ما يعتبره هو ومستشاريه التجاريين علاقة تجارية غير متكافئة مع العالم

جزء كبير من الأمر التنفيذي يستهدف الصين مباشرة، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. وباختياره التفاؤل على حساب الواقعية، دعا ترمب إلى مراجعة اتفاق المرحلة الأولى التجاري المخيب للآمال مع الصين لتقييم مدى التزام بكين بشروطه (وهو ما لم تفعله)، ملوّحا بإمكان فرض رسوم جمركية عقابية.

كما يستند ترمب إلى أحدث تحقيق أجرته إدارة بايدن في شأن ممارسات الصين التجارية غير العادلة، بموجب سلطات المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974، حيث تعهد بدراسة سلسلة التوريد الصناعية بالكامل، مع التركيز على الدول الثالثة التي توفر لبكين وسائل للتحايل على التعريفات الجمركية المفروضة عليها. (وهذا يمثل أخبارا سيئة لدول مثل فيتنام وماليزيا، فضلا عن المكسيك، التي أعادت توجيه جزء كبير من التجارة بين الصين والولايات المتحدة، لتصبح الآن في دائرة الاستهداف).

رويترز
نائب رئيس جمهورية الصين هان جينغ خلال حضوره حفل تنصيب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب للمرة الثانية، في مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، 20 يناير 2024

كما أصدر ترمب تعليماته لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة بإجراء تقييم شامل للممارسات التجارية غير العادلة للصين، والتي تشمل خفض قيمة اليوان، وتقديم الدعم الصناعي، وممارسات الإغراق، وسرقة الملكية الفكرية، والتمييز في الأسواق، وغيرها، واستخدام صلاحياته الواسعة- كما هو متوقع- لفرض رسوم جمركية. ولتعزيز هذا التوجه، تعهد الأمر التنفيذي بإجراء تقييم للجهود التشريعية الجارية التي تسعى إلى إلغاء الامتيازات التجارية التفضيلية الحالية للصين مع الولايات المتحدة، وهي خطوة من شأنها أن تفتح الباب تلقائيا لفرض رسوم جمركية أعلى.

لقد خاض ترمب حملته الانتخابية متعهدا بزيادة الضرائب على الشركات والمستهلكين الأميركيين من خلال رسوم الاستيراد، كوسيلة لإعادة التوازن إلى ما يعتبره هو ومستشاريه التجاريين علاقة تجارية غير متكافئة مع العالم. وما فعله في أول يوم من ولايته كان بمثابة وضع هذه الاستراتيجيا على مسارها، مما يمنح الوقت الكافي لإجراء محادثات مع الدول المستهدفة قد تسفر عن صفقات تاريخية، أو تؤدي إلى تهديد جديد للتجارة والنمو الاقتصادي العالمي.

font change