في الأيام التي تلت سقوط النظام، برزت مظاهر احتفالية شملت جميع الطوائف. رغم الانفلات الأمني الذي شهدته المدينة وظهور بعض الانتقامات الطائفية هنا أو هناك، كالانتقام من المخبرين والشبيحة، إلا أن احتفال ساحة الشيخ ضاهر باللاذقية، شهد تجمع السكان من العلويين والمسيحيين وغيرهم في أجواء تعكس رغبة صادقة في تجاوز الماضي. هذه الاحتفالات كانت مصحوبة بمحاولات عفوية للتآلف والتكيف مع الواقع الجديد، حيث ساهمت الظروف الاقتصادية القاسية التي عانى منها السوريون على اختلاف طوائفهم في تقليل أي شعور بالتمايز بينهم. وبرز بين أفراد الطائفة العلوية إدراك متزايد لانهيار النظام وفساده وإفقاره للناس بشكل لم يعد محتملا، مما عزز الرغبة في طي صفحة الماضي والانخراط في مرحلة جديدة.
حملة السلاح والغرباء والانتقامات
اخترق هذا مئات التصرفات المرعبة بالنسبة للعلويين، خاصة في الاعتداءات اللفظية وبعض أعمال العنف داخل القرى العلوية التي دخلها مسلحون مجهولو الهوية وقاموا بتصرفات مسيئة للسكان. هناك وصمة لفظية حاول بعض المسلحين نشرها عن العلويين عبر السوشيال ميديا، وأحيانا كانت تتعدى الاعتداءات الألفاظ ويجرى عمليات إذلال بدنية في ساحات القرى.تواصلنا مع لجان سلم أهلي كمجموعة "سوريون" التي تأسست في اللاذقية، أكدوا لنا أن القيادة العسكرية ساعدت وأخلت مسؤوليتها عن التصرفات المشينة لبعض العناصر المسلحة، وكثيرا ما أرسلت عناصرها الملتزمين بها لضبط أي مخالفات تجاه السكان العلويين.
مقاتلون من المعارضة يحملون علم الثورة على القبر المحترق للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في ضريحه في القرداحة، مسقط رأس العائلة، في محافظة اللاذقية الغربية في 11 ديسمبر
في هذا السياق، وجد سكان الساحل أنفسهم عالقين في علاقة معقدة مع القوى المسلحة المنتشرة على الأرض، والتي باتت تمثل الشكل الوحيد للسلطة على المستوى المحلي. غياب مظاهر الدولة بشكل كامل أدى إلى حالة من الضياع الاجتماعي والسياسي والأمني، حيث لم تستطع أي جهة ملء الفراغ الناجم عن انهيار النظام، مما ترك الساحل في مواجهة فراغ بنيوي لم يتم حتى اليوم ملؤه بشكل جيد.
الفراغ السياسي والاجتماعي وعدم قدرة القيادة العسكرية على ضبط المسلحين المنتشرين في المحافظات، انعكس في الشارع وذلك للقحط السياسي والاجتماعي بين السكان، فسريعا ما انتقل الفرح في الثورة إلى تساؤلات كبرى لدى العلويين عن اليوم التالي ومصيرهم السياسي والاجتماعي، فتجلى غياب أي بنية عمودية أو أفقية داخل المجتمع السوري، جراء العنف الممنهج الذي مارسه النظام، والذي منع أي شكل من أشكال التواصل بين السكان.
هذا القمع المنظم فرض قيودا سلطوية معطلة على الحراك الاجتماعي والسياسي، مما جعل من استيعاب التحولات التي طرأت أمرا مستحيلا، وأدى إلى انتشار الفوضى والعمليات التخريبية في اليوم الأول لسقوط النظام. ثم جعل العلويين في حالة من الضياع النفسي في معرفة المصير، أو التمثل الذي عليهم أن يمارسوه داخل الكيان الاجتماعي السوري.
ظهرت هشاشة ما كان يُعتقد أنه هيكلية مجتمعية متماسكة داخل الطائفة العلوية، حيث كشفت الأحداث عن عجز هذه البنية عن تنظيم الجماعة أو مواجهة التغير وضبطه داخل أفراد الطائفة. بدت هذه الهياكل التي بناها النظام خلال خمسين عاما وكأنها مجرد هيكلية وهمية، غير قادرة على الصمود أمام الأزمات أو دعم المجتمع في أوقات التحول.
هيمنة رمزية وتصاعد الغضب الشعبي في سوريا
بدأت مظاهر الهيمنة الرمزية من العناصر المسلحة والموالين لانتصار حركة ردع العدوان، تتصاعد مع اكتشاف ما جرى داخل سجون النظام السوري، حيث انتشرت الصور والفيديوهات والمقابلات التي كشفت فظائع التعذيب والتمييز الطائفي. المقاطع المصورة والمقابلات مع المعتقلين وأهاليهم أظهرت ممارسات قاسية ارتكبها النظام، غالبا على أيدي عناصر من الطائفة العلوية.
ما زاد من حدة الغضب الشعبي هو قيام مجموعات كبيرة بنشر مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل توثق تصرفات طائفية وتمييزية لعناصر النظام، تُظهر إذلال المواطنين والضحايا بشكل ممنهج. هذه المواد تضمنت مشاهد تعذيب مروعة، مع تركيز واضح على انتماء المنفذين للطائفة العلوية، مما أثار جدلا واسعا وزاد من الشحن الطائفي.