الوجه المعروف لديكارت هو "الكوجيتو" (أنا أفكر إذن أنا موجود)، وما أسهم به في الثورة العلمية من نظريات غيرت النظرة للكون. فقد كان رياضيا وفيزيائيا بالإضافة إلى كونه أبو الفلسفة الحديثة. لكن ثمة وجه آخر يغيب عن الذهن، فعلى الرغم من أنه في جوانب ليست بالقليلة يبدو ما يقوله وكأنه لا يختلف كثيرا عن أطروحات اللاهوتيين المستنيرين في زمانه إلا أنه هو الذي أعاد للفرد حق التفكير لنفسه، في زمن كان الجميع، من أصحاب أكبر المناصب إلى أصحاب أصغرها، لا يحركون ساكنا قبل سؤال رجال الدين. اللاهوتية في كل مكان لا تسمح بمثل هذه الذاتية، بل تحاربها بكل شراسة.
نعم، كان كاثوليكيا صادقا لكنه كان ينطلق من عقيدة ذاتية فردية حول طبيعة وتفرد الحالات العقلية. الفردانية تشكل حجر الزاوية في الصرح الفلسفي الديكارتي، رغم أن هذا المفهوم لم يكن معروفا في أيامه، أعني بصورته الحديثة الممنهجة. لا شك أنه كان يتصور أن فلسفته موضوعية وكذا تصور الديكارتيون من بعده، أن العقلانية الديكارتية هي الحق الذي لا حق بعده ولا ذاتية ولا فردانية فيه، إلا أن صرحه العقلاني لم يكن كاملا، وأقرب الأدلة على ذلك أنه بعد فصله بين العقل والجسد لم يستطع تفسير العلاقة بينهما بشكل معقول.
يمكن القول إن تأثيره على الإيمان المسيحي كان جدليا فقد أثرت النظرة العالمية المسيحية بشكل عميق على نهج ديكارت الكاثوليكي المؤمن حقا، وأسفر نهجه عن مساهمات جوهرية في الفكر المسيحي.
انطلاقا من الفرد المفكر أكد ديكارت على الطريقة التي يشير بها العقل والمنطق إلى وجود الله والحقائق الموضوعية، ومن وجهة نظر كثيرين، فإن إصراره على إمكانية معرفة الحقيقة وفهمها يساعد في سد الفجوة بين الفهم العقلي والإيمان. مع أن ثقته في العقل البشري، وتصوره للشك، وتصوره لثنائية العقل والجسد، تشكل تحديات تتعارض غالبا مع النظرة التوراتية الشاملة، ولذا لم تستقبلها الكنيسة بالورود، بل اعتبرته عدوا مهرطقا.
ولعل التأثير الأكثر قيمة لفلسفة ديكارت هو إثبات العقلانية المتأصلة في الإيمان، فقد زعم أنه لكي يكون للعقلانية والفكر أي معنى على الإطلاق، يجب أن يكون العقل شيئا أكبر من مجرد المادة.
الاعتراف بأن الخطأ كان جزءا من التجربة الإنسانية وضرورة الإقرار بأن بعض ما نفكر فيه أو نؤمن به قد يكون خاطئا، أمر يشكل جوهر فلسفته. هذا الشك الحذر يتماشى بشكل وثيق مع وصايا الدين المتكررة حول التحقق من الحقائق والاستجابة الفردية للحقيقة والتواضع. ولذلك قيل إن إيمان رينيه ديكارت بالله بمثابة مثال على أن الإيمان لا ينبغي أن يكون أعمى أو غير علمي.
يبدو إن تأثير رينيه ديكارت على الإيمان عبارة عن مزيج من العوامل الإيجابية والسلبية. فكثير من أعماله توفر حججا قوية للإيمان وينبغي أن تلقى صدى لدى غير المؤمنين من أصحاب النظرة العقلانية
في الوقت نفسه، ألهمت أفكار ديكارت اتجاهات في الفلسفة الغربية تحدت بشكل مباشر النظرة المسيحية للعالم، فقد تحولت الشكوكية التأملية لديكارت، إلى حد كبير، إلى انتقادات متشددة، وخاصة للإيمان الديني والدين، ففي نهاية المطاف، وجدنا أفكاره الفلسفية تعطي الأولوية للعقلانية على النظرة العالمية المسيحية. منح العقل البشري هذه الأهمية الكبرى جعل أتباعه يسيرون في خط غير إيماني على الإطلاق.
كما هو الحال مع كثير من المفكرين المؤثرين، ألهم ديكارت الردود الكثيرة عليه، ونتيجة للمساجلات بعد وفاته تغير رأي الديكارتيين إلى أن الإيمان والعقل غير متوافقين تماما وأن الثقة في الله يجب أن تكون مستقلة عن المنطق والدليل.
يبدو إن تأثير رينيه ديكارت على الإيمان عبارة عن مزيج من العوامل الإيجابية والسلبية. فكثير من أعماله توفر حججا قوية للإيمان وينبغي أن تلقى صدى لدى غير المؤمنين من أصحاب النظرة العقلانية. وينبغي لهذه النقاط نفسها أن تشجع المؤمنين على السعي إلى فهم أعمق.
في الوقت نفسه، ساهمت فلسفة ديكارت في مسيرة وتاريخ الشك، ونتج عنها شكوكية متطرفة لدى كثير من الفلاسفة المعاصرين، ولهذا نقول اليوم إننا نصف الفلسفة البريطانية بأنها تجريبية، والفلسفة الألمانية بأنها مثالية، والفلسفة الفرنسية بأنها شكوكية.