"ترمب 2.0" وايران

من المحتمل أن يُعيد إحياء سياسة الضغوط القصوى

"ترمب 2.0" وايران

من السهل التنبؤ كيف ستكون السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران في عهد الرئيس دونالد ترمب الجديد، بالرجوع إلى ما قام به في ولايته الأولى، حين أخذ قرارا بالانسحاب من طرف واحد من الاتفاق النووي، وإعادة تفعيل العقوبات، واستخدام استراتيجية الضغوط القصوى ضد إيران.

لكن أمام ترمب الجديد تحديات في السياسة الخارجية، ستعيق الإسراع في الحسم في الملف الإيراني، أوكرانيا أحدها، وترتيب اليوم التالي في غزة وفي سوريا أيضا، وطبيعة المواجهة أو العلاقة مع الصين وغيرها من التحديات، ولذلك قد يرجئ ترمب البت في الشأن الإيراني إلى وقت لاحق.

سبق أن فعل ذلك بعد انتخابه في الدورة الأولى، وبرغم أنه انتقد خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي في 2015) منذ البداية، واعتبرها اتفاقا غير كاف، فقد أخذ انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران وقتا غير قصير.

حتى الساعة لم تتضح الرؤية بعد، لكن من المحتمل أن يُعيد ترمب وفريقه إحياء سياسة الضغوط القصوى تجاه إيران؛ برغم أنها لم تؤتِ ثمارها في المرحلة الأولى لضيق الوقت، وأن يسيرا باتجاه وضع ضغوط أكثر صرامة على إيران، وإعادة تفعيل عقوبات مجلس الأمن بمساعدة الاتحاد الأوروبي.

لكن من المستبعد أن يكون نهج الضغوط القصوى الذي سيستأنفه ترمب، يهدف إلى إسقاط النظام الإيراني كما يأمل البعض، هو نفسه قال في إحدى مقابلاته إن الولايات المتحدة غير قادرة على ذلك، وإنه يفضل عدم التدخل في هذا الأمر، وما يهمه فقط هو عدم امتلاك إيران قنبلة ذرية. ما يعني أن غايته من كل ذلك، هي منع إيران من الحصول على قنبلة ذرية ليس إلا. وعليه، فإن أقصى ما يمكن أن يفعله في الأيام المقبلة، هو أن تهاجم الطائرات الأميركية المنشآت النووية الإيرانية وتدمرها.

إلا أن هذه الحقائق، لم تمنع المعارضة الإيرانية من عقد الآمال بأن تؤدي ضغوط ترمب المحتملة إلى انهيار النظام الإسلامي، برغم أن انسحاب الولايات المتحدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة" وعودة العقوبات الأميركية، في عام 2018، تسببا في اندلاع موجة احتجاجات واسعة داخل إيران، لكنها لم تفشل في إسقاط النظام فحسب، بل حتى في إجباره على تغيير سلوكه، في حين قدمت له مبررات لاستخدام مستويات أعلى من العنف تجاه المحتجين وإزهاق المزيد من الأرواح البريئة.

اعتمد ترمب في ولايته الأولى، مبدأ المراوغة في تظهير علاقته مع إيران، فادّعى مرات عدة أنه يريد التوصل إلى اتفاق جديد معها، لكنه قتل قاسم سليماني. ولا يعني وجود ترمب في البيت الأبيض مجددا، أن هناك أملا في إسقاط النظام الإيراني أو حتى تغيير سلوكه، على الأقل في الداخل، وهو أمل يوازي في ضعفه خفض التصعيد بين واشنطن وطهران.

في فترة رئاسته الأولى، كان لدى ترمب مستشارون للسياسة الخارجية يؤمنون بشدة باستراتيجية الضغوط القصوى ضد إيران، ومعارضة أي حوار مع الحكومة الإيرانية، في سبيل تغيير سلوك النظام، لكن لترمب الجديد أولويات مختلفة هذه المرة، فهو لن يعتمد على ما يبدو، سياسة عدم التدخل على الإطلاق، وفي الوقت نفسه، يفضل أن لا يكون من دعاته أيضا.

ترمب في رأي الإيرانيين- معارضة موالاة- تنقصه الخبرة في مقاربة الشأن الإيراني، وقد خرج من الاتفاق النووي بإيعاز من أصدقائه الإسرائيليين وليس نتيجة قرار سياسي حكيم

فريق ترمب الجديد يضم محافظين متشددين يشبهون المحافظين المتشددين في فريق المرشد، كلا الطرفين يملك مواقف متطرفة تجاه الآخر، ويعتبر العداء السياسي بين الولايات المتحدة وإيران مسألة أيديولوجية، لذلك سوف يستفيدان من التوتر المقبل والمحدود، الطرف الأول من أجل خلق الاضطرابات داخل إيران وإلهائها عن برنامجها النووي، والثاني للحفاظ على العدو الخارجي من أجل ضرب المعارضة الداخلية، وستكون هذه الاستراتيجية صفقة مربحة للطرفين، أي إن سياسات الضغوطات القصوى ستضرب المعارضة والشعب وليس النظام، وفي الوقت نفسه ستثبت براعة ترمب في ليّ عنق الأزمات العالقة في المنطقة.

ترمب في رأي الإيرانيين- معارضة موالاة- تنقصه الخبرة في مقاربة الشأن الإيراني، وقد خرج من الاتفاق النووي بإيعاز من أصدقائه الإسرائيليين وليس نتيجة قرار سياسي حكيم، لذلك يبدو توقع ما ستكون عليه سياساته الجديدة تجاه إيران ما زال سابقا لأوانه، وهو حتى الآن لم يعلن ما ينوي فعله مع إيران. لكن يبقى أن المفاجآت في عالم السياسة هذه الأيام كثيرة، وآخرها سقوط نظام الأسد في سوريا في 11 يوما فقط، بعد استعصاء دام 54 عاما.

font change