المطورون العقاريون المصريون يتطلعون الى فرص السعودية

بعد حمى البناء في مصر وارتفاع الجنيه والضرائب وتباطؤ القطاع

AL MAJALLA
AL MAJALLA

المطورون العقاريون المصريون يتطلعون الى فرص السعودية

حقق المطورون المصريون أرباحا طائلة في السوق المحلية المصرية التي شهدت توسعا كبيرا في العقد الماضي. ولكن نظرا الى التوقعات الاقتصادية المقلقة إلى حد ما في مصر، بادرت الشركات الرئيسة اخيرا إلى طرق باب المملكة العربية السعودية التي يوفر قطاع الإنشاءات فيها فرصا عديدة بأخطار متدنية.

صار من الواضح أن رجال الأعمال المصريين الكبار يتجهون إلى السوق السعودية عندما قال رجل الأعمال سميح ساويرس، الذي بنى المنتجع السياحي "الجونة" في مدينة الغردقة على البحر الأحمر عام 2023، إنه علق كل مشاريعه الاستثمارية في مصر لاعتزامه الانتقال إلى السعودية، حيث يخطط لاستنساخ منتجعه الساحلي الضخم والشروع في استثمارات أخرى.

بعد بضعة أشهر، وقعت "مجموعة طلعت مصطفى"، التي تحمل اسم قطب العقارات الشهير - أكبر شركات التطوير العقاري في مصر - اتفاق شراكة مع "الشركة الوطنية للإسكان" (NHC) السعودية لتطوير مدينة ذكية على مساحة 35 مليون متر مربع شمال شرق الرياض، باستثمارات ضخمة تبلغ 10,7 مليارات دولار.

ودشنت شركة "حسن علام القابضة"، وهي شركة مصرية عملاقة أخرى، مقرها الإقليمي في العاصمة السعودية في مارس/آذار 2024 قبل أن تكشف عن خطط لتأمين عقود بمئات الملايين من الدولارات لأعمال التطوير في المملكة، حيث تتطلع الشركة إلى تنمية محفظتها الاستثمارية.

بعد أشهر عدة، أسست "بالم هيلز"، وهي شركة تطوير عقاري رائدة مصرية أخرى، شركة فرعية في السعودية وعهد بقيادتها إلى الخبير العقاري المخضرم ماجد شريف، العضو المنتدب السابق لشركة "سوديك". وأعلنت في الشهر التالي اتفاقا لتطوير ما يصل إلى 15 مدرسة جديدة في المملكة بالاشتراك مع شركة "دلة البركة".

هل يمكن أن يساهم هذا الاهتمام المتزايد بالمملكة العربية السعودية في حدوث تباطؤ في السوق المصرية مستقبلا؟

ساهم قطاع العقارات بنسبة 8% في الناتج المحلي الإجمالي لمصر في السنة المالية 2023/2022، بعدما كان متوسط مساهمته 4,8% في 2015

ألقت مصر بكل ثقلها لدعم الإنشاءات وجعل القطاع حجر الزاوية في خطتها للتعافي الاقتصادي بعد الاضطرابات السياسية المتتالية التي عصفت باقتصادها. ومع أن هناك مؤشرات الى استمرار هذا الاتجاه في السنوات المقبلة، فإن عددا كبيرا من التطورات يشير إلى أن الوضع قد يتحول تدريجا على المدى الطويل.

ماذا بعد حمى البناء في مصر؟

بدأت موجة البناء بعد ثورتين أطاحتا الرئيسين الراحلين حسني مبارك في سنة 2011 وخليفته محمد مرسي، بعد ذلك بعامين. وقد ترك الاضطراب مصر في أمس الحاجة إلى محفزات اقتصادية، وكان تنفيذ العديد من المشاريع الوطنية هو التوجه الذي اعتمده الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تولى السيسي الرئاسة في سنة 2014 ولم يدخر وسعا في تخطيط وبناء عشرات المدن العملاقة على مدار العقد الماضي، أبرزها العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، والعلمين الجديدة على البحر المتوسط، و"مدينة الجلالة الجديدة" على مقربة من البحر الأحمر. وانتشرت أيضا مشاريع بنية تحتية أخرى في كل أنحاء البلاد - وأبرزها تطوير شبكات الطرق والنقل العام.

وقد عزا الرئيس السيسي في مناسبات عديدة ما عبر عنه قادة الدول النامية بأن البنية التحتية الملائمة أمر جوهري لمضي بلدانهم قدما على طريق الازدهار. لكن الرئيس سعى بالقدر نفسه أيضا إلى جني مكاسب فورية من إنعاش الاقتصاد المصري المتعثر والمتباطئ.

Shutterstock
جبال دهب والبحر الأحمر وجبال المملكة العربية السعودية

لقي هذا الاندفاع انعكاسا جيدا في المؤشرات الاقتصادية، بما في ذلك معدلات النمو التي ظلت إيجابية حتى عندما انكمشت الاقتصادات النامية الأخرى بفعل تداعيات جائحة "كوفيد- 19" والحرب الأوكرانية. وحافظ أيضا على الانخفاض النسبي لمستويات البطالة عندما كانت المخاوف من الركود محسوسة بسبب الأزمتين العالميتين المتتاليتين.

ساهم قطاع العقارات بنسبة 8 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي لمصر في السنة المالية 2022/2023، بعدما كان متوسط مساهمته 4,8 في المئة في سنة 2015. بل إنه كان من القطاعات التي أثبتت مرونتها وساهمت في النمو الإيجابي بنسبة 5,7 في المئة، حتى عندما أثرت التوترات الجيوسياسية المستمرة على النشاط الاقتصادي في البلاد في السنة المالية التالية.

لكن كان لمشاريع الإنشاءات العديدة جانب سلبي واضح، على الرغم من إنعاشها عشرات القطاعات الاقتصادية المصرية. ففورة المشاريع الضخمة، ومعظمها غير مربح، في اقتصاد يعتمد على الاستيراد ولا يمتلك قدرا كبيرا من الموارد الطبيعية، تعني إلحاق الضرر بالصحة المالية.

تراكم الديون وضعف الجنيه المصري

يدل تضخم الدين العام في مصر على الضائقة المالية. فالدين الخارجي لمصر، الذي بلغ نحو 153 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران 2024، يشكل نحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 15 في المئة قبل عشر سنوات. وتقدر خدمة الدين في سنة 2025 وحدها بنحو 22,5 مليار دولار، أي نحو نصف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.

كما أن ارتفاع تكلفة الاقتراض وعدم استقرار الجنيه المصري، الذي خفضت قيمته مرات عدة نتيجة للاتفاقات مع صندوق النقد الدولي منذ سنة 2016، أديا إلى حدوث ارتفاعات لا يمكن السيطرة عليها في أسعار مواد البناء والمنتجات النهائية. وقال سميح ساويرس إن تقلب أسعار الصرف كان السبب الرئيس لتعليق استثماراته في مصر.

تقدر خدمة الدين العام لمصر في سنة 2025 بنحو 22,5 مليار دولار، أي نحو نصف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي

تفاقم الضغوط المالية، وتحديدا تراجع إيرادات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين في اليمن على السفن في المنطقة، والحاجة إلى واردات الغاز الطبيعي المسال لتعويض انخفاض إنتاج الغاز المحلي، يزيدان المخاوف من أن تشهد العملة المحلية مزيدا من الانخفاض. وقد تراجعت قيمة الجنيه بالفعل إلى مستوى قياسي متدن فتجاوز الدولار 50 جنيها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وتخطط الحكومة لمزيد من مشاريع التطوير الكبرى، لا سيما على سواحلها، لجذب مزيد من السياح وتحقيق طموحاتها بمضاعفة العدد السنوي للزوار الذين يمضون الإجازات في مصر إلى 30 مليونا. لكن يبدو أن مصر قد تبنت نهجا جديدا لتخفيف العبء المالي المرهق، تمثل في تحميل الدول الخليجية الغنية تكلفة التطوير.

التحولات منذ صفقة "رأس الحكمة"

ففي فبراير/شباط 2024، أعلنت الحكومة المصرية اتفاقا ضخما بقيمة 35 مليار دولار مع دولة الإمارات العربية المتحدة اشترى بموجبه صندوق الثروة السيادي لإمارة أبوظبي، شركة "أبوظبي القابضة" (ADQ) حقوق تطوير منطقة رأس الحكمة المميزة على البحر المتوسط​، والتزمت استثمار 11 مليار دولار في قطعة الأرض الضخمة التي تمتد على مساحة 170 مليون متر مربع - أي ما يعادل خمسة أضعاف مساحة دبي تقريبا.

وضعت الصفقة، وهي الأكبر من نوعها في تاريخ مصر، حدا للنقص الحاد في العملات الأجنبية في البلاد وساعدت الحكومة في القضاء على السوق السوداء التي ازدهرت بفعل تداعيات الحرب الأوكرانية. ويتوقع أن تشارك المملكة العربية السعودية وقطر في اتفاقات مماثلة مع الحكومة المصرية.

المركز الإعلامي لشركة البحر الأحمر الدولية
رسم هندسي لمطار البحر الأحمر

جاء ذلك بعدما خفضت مصر الإنفاق العام لتهيئة حيز مالي أكبر وإفساح المجال أمام القطاع الخاص لضخ مزيد من الاستثمارات، عملا بالمتطلبات النموذجية لصندوق النقد الدولي، التي زادت مصر بموجبها حزمة الإنقاذ من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار في مارس/آذار 2024.

مع تنحي الحكومة جانبا بشكل تدريجي، أخذت مصر تتحول إلى السوق الحرة أكثر من ذي قبل، لتصبح تاليا أكثر عرضة للظروف غير المواتية والتغيير.

وتعني المشاركة العميقة لدول الخليج في سوق العقارات المصرية أنه من المرجح أن يرتفع العرض في قطاع العقارات الفاخرة الأصغر، وسط توقعات بأن تستهدف مصر الميسورين على نحو متزايد.

في الوقت نفسه، سيزيد رفع الدعم عن الطاقة والمواد الغذائية، وفقا لتوجيهات صندوق النقد الدولي، وانخفاض قيمة الجنيه، المشاكل المالية لملايين المصريين، مما يعني انخفاض الطلب من الطبقة المتوسطة العليا الأوسع. كما أن نحو ثلث سكان البلاد يعانون من الفقر، وسيؤدي إدراج من هم على حافة الفقر في عداد الفقراء إلى ارتفاع هذه النسبة المئوية.

من المتوقع أن تبلغ قيمة قطاع البناء في السوق السعودية 181,5 مليار دولار في نهاية سنة 2028

يعتبر ارتفاع معدلات النمو السكاني عاملا محركا لقطاع العقارات في مصر، مما يضمن وفرة المشترين في السوق. وقد شهد هذا المعدل تراجعا في السنوات المنصرمة مع تصميم الرئيس السيسي على تقليصه بشكل جذري، معتبرا أن الاكتظاظ السكاني يشكل عقبة أمام الاقتصاد. وفي سنة 2023، نما عدد السكان - الذين يقدر تعدادهم حاليا بأكثر من 110 ملايين نسمة - بنسبة 1,4 في المئة، وهو المعدل الأدنى في 50 عاما.

ويتوقع خفض أسعار الفائدة بدءا من سنة 2025 بسبب تباطؤ التضخم في مصر خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما من شأنه الحد من ارتفاع أسعار العقارات. ويعتقد المحللون أن الملاك قد يسارعون إلى عرض وحداتهم للبيع قبل حدوث ذلك، وهي خطوة يمكن أن تدعم العرض في السوق الثانوية وتزيد تباطؤ القطاع.

أكبر سوق للبناء والعقار في العالم

يمكن أن تحفز تلك العوامل المطورين المصريين على دخول السوق السعودية، التي من المتوقع أن تبلغ قيمة قطاع البناء فيها 181,5 مليار دولار في نهاية سنة 2028. وذلك سيجعلها أكبر سوق للمقاولات والبناء في العالم، وفقا لشركة "نايت فرانك" الاستشارية العقارية في لندن.

وفي مسعى لاستيعاب أعداد السكان المتزايدة والأعداد الكبيرة المتوقعة من السياح، فضلا عن استضافة كأس العالم 2034، أطلقت السعودية مشاريع عملاقة في السنوات المنصرمة انسجاما مع "رؤية 2030"، مما دفع إلى نمو قطاع الإنشاءات فيها وأحدث طلبا كبيرا على الوحدات السكنية وأعمال البنية التحتية.

ويقول ساويرس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "أوراسكوم للتنمية"، إنه لا حدود لفرص الاستثمار في المملكة العربية السعودية، ويتوقع أن تتجاوز قيمة مدينة البحر الأحمر التي يخطط لبنائها في المملكة المليار دولار بسرعة كبيرة. وإلى جانب أقطاب المال والشركات العملاقة لتطوير العقارات، بدأت شركات مصرية أصغر حجما المشاركة أيضا في هذا المجال.

على سبيل المثل، قالت شركة "ماونتن فيو" في سبتمبر/أيلول إنها دخلت السوق السعودية بشراء قطعة أرض في الرياض، حيث ستطلق الشركة المصرية أول مشروع سكني لها في المملكة بالتعاون مع شريكين محليين: شركة "مايا للتطوير والاستثمار العقاري" وشركة "آل سعيدان العقارية".

وقال أحمد شلبي، الرئيس التنفيذي لـ"شركة تطوير مصر"، وهي شركة تطوير عقاري مصرية أخرى تنظر باهتمام في دخول السوق السعودية، إن هناك عوامل عدة تشجع على هذه الخطوة، بما في ذلك ارتفاع القدرة الشرائية في البلاد والنظام العقاري المتكامل الذي يوفر حلولا تمويلية قوية للمشترين السعوديين المحتملين - وهي عناصر يفتقر إليها في مصر.

font change

مقالات ذات صلة