الشرق الأوسط الذي سيجده ترمب

تحديات هائلة وفرص نادرة للمساهمة في صوغ الهيكل الإقليمي

الشرق الأوسط الذي سيجده ترمب

لن يجد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى تسلمه منصبه الاثنين، منطقة الشرق الأوسط كما تركها عند مغادرته البيت الأبيض في 2021. في السنوات الأربع الماضية، خصوصا في 2024، حصلت تغييرات هائلة على القضايا الرئيسة في الشرق الأوسط. لا شك أن بعض التغييرات الكبيرة كانت مدفوعة بالاستعداد لمجيء "ترمب الثاني" وخططه التي عبر عنها أكثر من مرة.

لعل أوضح تعبير على ذلك، كان اتفاق غزة بين إسرائيل و"حماس". صحيح أن الظروف قد نضجت لعقد اتفاق تبادل الأسرى بعد أكثر من 15 شهرا على الحرب وجولات كثيرة من المفاوضات، لكن تهديدات ترمب وتلويحه بـ"الجحيم" وضرورة إنجاز اتفاق قبل بدء ولايته الرئاسية ساهمت في إعطاء الدفعة الأخيرة لإقناع كل من بنيامين نتنياهو و"حماس" على القبول بأقل مما كان كل منهما يطالب به.

يستطيع كل منهما تحمل التنازلات والتحديات الداخلية. لكنهما لا يستطيعان تحمل غضب ترمب ودفع ثمن تهديداته وتصرفاته غير المتوقعة. التحدي الآن، هو إقناع فريق الرئيس الأميركي الجديد-القديم، كلا من إسرائيل و"حماس" للاجتماع بعد أسبوعين وبدء مفاوضات الانتقال إلى المرحلة الثانية من الصفقة بعد 42 يوما من بدء المرحلة الأولى، بما يتضمن تبادلا كاملا للأسرى وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة ووقفا دائما للنار.

الانتقال من المسار الأمني إلى السياسي مهم. نجاح هذه الجهود يفتح الطريق لمسار يتعلق بالقضية الفلسطينية وفق المبادرة السعودية- الدولية لـ"حل الدولتين" لتحقيق سلسلة من الخطوات تتضمن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. ولا شك أن هذا المسار بدوره يفتح أفقا لعلاقات إقليمية وشرق أوسط جديد، كان ترمب قد عبّر أكثر من مرة عن الاهتمام بلعب دور في صياغته، ضمن طموحاته في العالم لتخليد اسمه في التاريخ (بما في ذلك عقد تسوية في أوكرانيا)... ونيل "جائزة نوبل للسلام".

في "قصر بعبدا" اللبناني و"قصر الشعب" السوري، قيادات لا تدور في الفلك الإيراني ولا تأخذ أوامرها من "المرشد" علي خامنئي

يمكن وضع الانقلاب الكبير في سوريا ولبنان ضمن المشهد الإقليمي. هزيمة "حزب الله" واغتيال قياداته بما في ذلك حسن نصرالله، سحب من إيران ورقة إقليمية كبيرة، لكن الضربة الأكبر لنفوذ طهران كانت بسقوط بشار الأسد. فالنظام السوري كان الجسر الذي يربط "الهلال الإيراني"، كحديقة خلفية للعراق والنفوذ الأميركي فيه، وخط إمداد للبنان والاشتباك الإسرائيلي في جنوبه، ومقر ومستقر لفصائل فلسطينية مدعومة من "الحرس".

في "قصر بعبدا" اللبناني و"قصر الشعب" السوري، قيادات معارضة لطهران، أو على الأقل لا تدور في الفلك الإيراني ولا تأخذ أوامرها من "المرشد" علي خامنئي. ولا شك أن هذه الخسائر الاستراتيجية هي الأكبر لإيران في السنوات الماضية، وستكون ضمن حسابات ترمب ومستشاريه. ستتأرجح العلاقة بين عودة "ترمب الثاني" إلى سياسات "ترمب الأول" باتباع "الضغط الأقصى" ضد إيران بما في ذلك احتمال إعطاء ضوء أخضر لنتنياهو لتوجيه ضربة قاضية للبرنامج النووي، وبين فتح الباب أمام عقد صفقة مع إيران الضعيفة في سياق ترتيبات لهيكلية الشرق الأوسط الجديد.

عندما غادر "ترمب الأول" البيت الأبيض قبل أربع سنوات، كانت هناك انقسامات إقليمية. وعندما يدخل "ترمب الثاني" سيجد تفاهمات إقليمية كثيرة

سيجد ترمب إيران ضعيفة وسيجد تركيا توسع نفوذها في سوريا والإقليم. هناك علاقة جيدة بينه وبين رجب طيب أردوغان، وهذا ما يقلق الأكراد السوريين واحتمال "خيانتهم" كما حصل في نهاية 2019 عندما فتح قراره بسحب بعض قواته من شرق الفرات، الباب أمام تركيا وحلفائها لتقطيع أوصال الكيان الكردي شرق الفرات.

عندما غادر "ترمب الأول" البيت الأبيض قبل أربع سنوات، كانت هناك الاتفاقات الإبراهمية وانقسامات إقليمية في الشرق الأوسط. وعندما يدخل "ترمب الثاني" سيجد تقاطعات إقليمية كثيرة، عربية– عربية، وعربية- تركية، وعربية– إيرانية، سيجد تفاهمات على ركام حروب كبيرة في سوريا ولبنان وغزة.

هذا ليس كل شيء في منطقتنا. هناك شرق أوسط آخر. في الخليج هناك نهضة اقتصادية. الرياض ماضية في اصلاحاتها وقفزاتها، و"رؤية 2030" حققت الكثير من أهدافها. السعودية تستضيف القمم العربية والاسلامية وتلعب دورها القيادي وتطرح المبادرات الدبلوماسية في أبرز الملفات من سوريا الى قضية فلسطين، والسودان حيث احتدمت "حرب الجنرالين".

شرق أوسط متعدد لايمكن الهروب منه، فيه تحديات هائلة وفرص نادرة لصوغ الهيكل الإقليمي الجديد وتغيير مسار التاريخ. لايمكن لهذه المنطقة إلا أن تكون موجودة على طاولة ترمب.

font change