عام سعيد على لبنان وغزة... فكيف سيكون على اليمن؟

على أمل أن تنتهي معاناة اليمنيين

عام سعيد على لبنان وغزة... فكيف سيكون على اليمن؟

عشت في لبنان تسع سنوات، أحببت ذلك البلد كثيرا وغيّر فيّ الكثير، وكتبت ذلك في مقالات عدة. ولكنني هنا أريد أن أتحدث عما رأيته في الضاحية عندما كان يذهب الحوثيون للبنان ليتم تدريبهم ودعمهم من قبل "حزب الله". كتبت في ذاك الوقت مقالا قلت فيه إنني لا أريد أن تكون اليمن مثل لبنان، ولكنها أصبحت فعلا مثل لبنان، واليوم تتغير لبنان، فهل ستتغير اليمن؟

دولة ضعيفة، وميليشيا تتحكم في البلد كيفما تشاء، تعرقل كل خطوة نحو الإصلاح ونحو وجود دولة حقيقية. كنت دائما أشاهد الأخبار والنكات التي تقال عن الدولة اللبنانية الضعيفة، كانت مثارا للسخرية بينما "حزب الله" هم الأبطال والأعزاء والشرفاء.. هكذا كان الوضع في لبنان، ثم انتقلت نفس العدوى إلى اليمن.

سأتناول هنا فقط النقاط التي جعلت اليمن شبيهة بلبنان، ولن أدخل في التفاصيل التي يستطيع القارئ أن يجدها بسهولة.

بعد خروج علي عبدالله صالح من السلطة، كان هناك حوار وطني جمع كل الأطراف السياسية بمن فيهم الحوثيون. ولكن حدث انقلاب كانت نتيجته أن الحكومة هربت إلى خارج اليمن. وبعد سقوط هذه الحكومة وهروبها إلى خارج اليمن فقدت هيبتها، واستغل ذلك الحوثيون فأصبحوا يتندرون بما سموه "حكومة الفنادق"، وبذلك أصبح هناك دولة ضعيفة وميليشيا الحوثي هي القوية التي تحكم المدن الرئيسة الأكثر اكتظاظا بالسكان، أي إنه وضع شبيه نوعا ما بلبنان.

أراد الحوثيون أن تكون صورتهم مثل صورة "حزب الله"، فغيروا اسمهم إلى "أنصار الله"، وفرضوا هذا الاسم فأصبح الاسم الرسمي الذي يستخدمه المجتمع الدولي عند الحديث عنهم. حكم الحوثيون مناطق سيطرتهم وجعلوها آمنة، ولكنهم مع مرور السنين بدأ يظهر فسادهم، وعنصريتهم، وعدم المساواة في تعاملهم مع أفراد الشعب حيث أصبح اسم العائلة هو الذي يجعلك من المرضي عنهم، أو يجعلك منبوذا.

كثيرون تم طردهم من أعمالهم واستبدالهم بأشخاص من العائلات الهاشمية، يأخذون الكثير من الضرائب ويبتزون رجال الأعمال، وينهبون أراضي الناس بحجة أنها أراضي الأوقاف، وتوقّفت مرتبات الموظفين لسنوات. هذه المواقف جعلت غضب الناس يتزايد ومع تزايد الفساد والفقر كانت أصوات الناس تعلو ضد الحوثيين. تختلف اليمن عن لبنان بأنها ليست جارة لإسرائيل، ولا تحتل إسرائيل أراضيها، ولكن جاءت أحداث غزة فكانت هذه فرصة للحوثيين لأن تظهر صورتهم كمقاومين وأبطال وتغطّي على فشلهم في الحكم وتسكت أصوات معارضيهم.

نجح الحوثيون بالفعل، فأصبح كل من يعارضهم، ويتحدث ضدهم يتم وصفه بأنه عميل لأميركا وإسرائيل

نجح الحوثيون بالفعل، فأصبح كل من يعارضهم، ويتحدث ضدهم يتم وصفه بأنه عميل لأميركا وإسرائيل. ليس فقط في اليمن ولكنّ اليمنيين يتم إسكاتهم حتى في وسائل التواصل من قِبَل شخصيات عربية. مؤخرا قرأت منشورا لشخصية سياسية عربية تمتدح الحوثيين على موقع "إكس"، وعندما تقرأ التعليقات تجد العديد من اليمنيين يحاولون إيصال فكرة أن الحوثي ليس كما يصور للآخرين، ولكن لم يهتم أحد، وحصل منشور هذا الشخص العربي على ما يزيد على خمسمئة إعادة نشر، وفوق الألف إعجاب بينما تعليقات اليمنيين لم تحصل إلا على عدد قليل لا يُذكر. وهذا كان ينطبق على لبنان وعلى غزة.

بحجة المقاومة تقوم هذه الجماعات بالبطش والاستبداد والفساد، وتسكت أصوات معارضيها بحجة أنهم المقاومون الذين يحمون الأرض. اليوم نرى بريقا من الأمل في لبنان، فلأول مرة تصبح أصوات المعارضين لـ"حزب الله" عالية، ووجدنا دعما داخليا وخارجيا لوجود الدولة القوية. لبنان الجديد أعطى الأمل لليمنيين بأنهم قد يحصلون أيضا على دولة قوية. تزايدت الأصوات بأن تكون هناك تغييرات في الحكومة المعترف بها شرعيا والتي خذلتهم كثيرا بسبب فسادها وعدم عودتها للاستقرار في اليمن، وهناك توجه لحدوث تغييرات ننتظر أن نرى نتائجها.

كتبت مسبقا عن أن الحوثيين أعلنوا أنهم سيعيدون الرواتب للموظفين وجاء هذا بعد أحداث سوريا التي أخافتهم. ولكن اليوم هناك غضب شعبي بسبب أنهم قرروا أن يقسموا الرواتب لدرجات، فهناك من سيحصل على راتب كامل وهم المقربون منهم، وهناك مجموعات ستحصل على نسب مختلفة من هذا الراتب. هذه التصرفات ستساعد على عودة الغضب الشعبي، وسيساعد إعلان وقف النار في غزة أن تنتهي حجة الحوثيين وصورتهم كمقاومين، لأنهم كرروا كثيرا أن ضرباتهم في البحر الأحمر وفي تل أبيب ستتوقف عندما يحدث السلام في غزة. ها هو السلام يطرق أبواب غزة، فهل هناك أمل بأن يحدث تغيير في اليمن؟ لا أحد يعلم، ولكننا ننتظر على أمل أن تنتهي معاناة اليمنيين، وأن يعود السلام والأمن وحكم الدولة.

font change