بينما يتسابق الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب لنسب الفضل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلى نفسيهما، يظل التساؤل الأبرز متمحورا حول الأثر المحتمل لهذا الاتفاق على حياة الفلسطينيين اليومية ومساعيهم المستمرة لتحقيق حلم إقامة دولتهم المستقلة.
ومع اقتراب موعد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار يوم الأحد، تتجه الأنظار إلى قدرة هذا الاتفاق المعقد، الذي أشرف على صياغة تفاصيله ممثلون عن إدارتي بايدن وترمب، على تحقيق هدفه الأسمى المتمثل في إنهاء دوامة العنف وضمان الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا قيد الاحتجاز.
تشمل المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بشق الأنفس، ترتيبات لتبادل الرهائن الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين، إلى جانب انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة.
وفي حال جرى تنفيذ الاتفاق وفقا لما هو مخطط له، سيجد ترمب فرصة للادعاء بأن تهديده الشديد بأن "الجحيم سيشتعل" إذا لم يُفرَج عن الرهائن بحلول يوم تنصيبه يوم الاثنين القادم، قد لعب دورا حاسما في كسر حالة الجمود.
ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحا حول مدى سلاسة تنفيذ الاتفاق، حيث يستمر الطرفان الموقعان، إسرائيل و"حماس"، في تبادل الاتهامات بشأن انتهاكات محتملة لبنوده.
وفي تطور لافت، أرجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصويت مجلسه الأمني المصغر على اتفاق وقف إطلاق النار، متهما "حماس" بالتراجع عن التزاماتها ومحاولتها "ابتزاز تنازلات في اللحظة الأخيرة". ووفقا لمصادر إسرائيلية، فإن "حماس" تعترض على بند في الاتفاق يمنح إسرائيل حق النقض (الفيتو) بشأن الإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين.
وفي المقابل، نفى مسؤول بارز في "حماس"، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، صحة هذه الادعاءات، مؤكدا أنه لا أساس لها، ومشددا على أن الحركة لا تزال ملتزمة بالاتفاق الذي جرى الإعلان عنه مساء الأربعاء.
وفي الأثناء، تستمر إسرائيل في شن هجومها العسكري على غزة، حيث أسفرت أحدث جولات الغارات الجوية عن سقوط ما يقرب من 73 قتيلا في القطاع الساحلي المحاصر.
وعلى الرغم من الخلاف المستمر بين إسرائيل و"حماس" حول التفاصيل الدقيقة للاتفاق، لم يتردد معسكرا بايدن وترمب في محاولة نسب الفضل لنفسيهما على تحقيق هذا الاختراق في المحادثات، التي انتهت أخيرا بقبول الطرفين لشروط اتفاق وضع بايدن ملامحه الأولية في مايو/أيار الماضي.
بعيدا عن التدخل الدراماتيكي لترمب في المفاوضات، يبدو أن الدور الذي لعبه ستيف ويتكوف كان له تأثير كبير على النتائج، لا سيما في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتوقيع على الاتفاق
وفي الوقت الذي يؤكد فيه ترمب أن تدخله المباشر بعد فوزه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الرئاسية، وتهديده الصريح بأن "الجحيم سيشتعل" إذا لم توافق "حماس" على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين قبل موعد تنصيبه، كان العامل الحاسم في تحقيق هذا الاختراق، يصر بايدن على أن إدارته هي من تستحق الفضل الكامل، قائلا في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه عن وقف إطلاق النار: "لقد قام فريقي بتطوير الاتفاق والتفاوض عليه"، مع إقراره بأن الإدارة القادمة ستتولى إلى حد كبير تنفيذه.
وأشاد بايدن بفريق الدبلوماسيين الأميركيين الذين أسهموا في إبرام الاتفاق، مضيفا: "يقول الكتاب المقدس: طوبى لصانعي السلام. وقد كان هناك الكثير من صانعي السلام الذين ساهموا في تحقيق هذا الإنجاز".
وفي الواقع، يبدو أن إصرار بايدن على تصوير وقف إطلاق النار كإنجاز بارز في السياسة الخارجية لرئاسته قد دفعه إلى تجاهل أي دور لترمب في تحقيق هذا الاختراق، رغم أن المؤشرات تشير إلى أن مساهمة الرئيس المنتخب كانت ذات أهمية.
وقد تجلت هذه الحساسية بوضوح عندما صرخ أحد الصحافيين في نهاية المؤتمر الصحافي، قائلا: "من تعتقد يستحق الفضل في هذا يا سيادة الرئيس، أنت أم ترمب؟" ليرد بايدن بجفاء: "هل هذه مزحة؟". ثم غادر المؤتمر برفقة نائبة الرئيس كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
هذا التجاهل من بايدن لم يمر دون رد فعل من ترمب، الذي نشر تعليقا عبر منصته "تروث سوشيال" قال فيه: "لم يكن هذا الاتفاق الأسطوري لوقف إطلاق النار ليُبرم لولا انتصارنا التاريخي في نوفمبر/تشرين الثاني، الذي أوصل رسالة واضحة للعالم بأن إدارتي ستسعى لتحقيق السلام والتفاوض على اتفاقيات تضمن أمن جميع الأميركيين وحلفائنا".
وبعيدا عن التدخل الدراماتيكي لترمب في المفاوضات، يبدو أن الدور الذي لعبه ستيف ويتكوف، الملياردير وقطب العقارات في فلوريدا الذي عُيّن كمبعوث خاص لترمب للشرق الأوسط، كان له تأثير كبير على النتائج، لا سيما في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتوقيع على الاتفاق.
ووفقا للتقارير، شهدت نهاية الأسبوع الماضي اجتماعا "متوترا" بين ويتكوف ونتنياهو، أسفر في النهاية عن موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي على شروط الاتفاق، وهو ما عجزت إدارة بايدن عن تحقيقه رغم أشهر طويلة من المفاوضات المكثفة.
وبعد الحصول على موافقة نتنياهو، سافر ويتكوف إلى قطر، حيث جرت محادثات وقف إطلاق النار، ليقدم ضمانات لمفاوضي "حماس" بأن إسرائيل جادة في إنهاء العمليات العسكرية في غزة، مما عزز فرص نجاح الاتفاق.
عندما تفاوض ترمب على "اتفاقات إبراهيم" خلال فترته الرئاسية الأولى، والتي أسفرت عن تطبيع علاقات عدة دول عربية مع إسرائيل، واجهت تلك الاتفاقات انتقادات لكونها لم تمنح القضية الفلسطينية الاهتمام اللازم
ومع ذلك، يظل السؤال الأهم معلقا: كيف ستتجسد نتائج تنفيذ الاتفاق عمليا؟ والأهم من ذلك، ما الذي يعنيه وقف إطلاق النار في غزة– إذا ما جرى تنفيذه بالكامل– بالنسبة للفلسطينيين العاديين؟ وهل سيكون خطوة تقربهم من تحقيق هدفهم الطويل الأمد بإقامة دولتهم المستقلة؟
تكثر التكهنات في واشنطن حول طموح ترمب لتنفيذ اتفاقية سلام شاملة في الشرق الأوسط، حيث يسعى الرئيس المنتخب إلى تحقيق إنجاز كبير قد يؤهله لنيل جائزة نوبل للسلام تقديرا لجهوده. ومع ذلك، تظل العقبة الرئيسة التي تعرقل تحقيق تقدم ملموس بشأن قضية إقامة دولة فلسطينية هي المخاوف المستمرة بين القادة العرب حيال التزام ترمب الشخصي تجاه إسرائيل، التي تعارض حكومتها اليمينية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو بشكل قاطع فكرة إقامة دولة فلسطينية.
وعندما تفاوض ترمب على "اتفاقات إبراهيم" خلال فترته الرئاسية الأولى، والتي أسفرت عن تطبيع علاقات عدة دول عربية مع إسرائيل، واجهت تلك الاتفاقات انتقادات لكونها لم تمنح القضية الفلسطينية الاهتمام اللازم.
وإذا كانت أي محادثات مستقبلية قد يبادر بها ترمب بعد وقف إطلاق النار في غزة تهدف إلى تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط، فستحتاج إلى معالجة القضية الفلسطينية بشكل جاد، مع السعي إلى تلبية تطلعات الفلسطينيين في تحقيق حلمهم الطويل الأمد بإقامة دولتهم المستقلة.