حيفا- الإعلان عن الاتفاق بين إسرائيل و"حماس"، بوساطة مصرية وقطرية وضغط أميركي، على وقف الأعمال الحربية لستة أسابيع، ويبدأ الاتفاق بصفقة تبادل للأسرى الإسرائيليين (34 من أصل 98) والأسرى والمعتقلين الفلسطينيين (حوالي ألف أسير)، وانسحاب إسرائيلي من المناطق المكتظة في غزة، وسماحها بدخول كميات أكبر من المعونات الإنسانية للغزيين المنكوبين. إلا أن الموافقة الإسرائيلية، وموافقة نتنياهو تحديدا تمت هذه المرة، متجاوزة محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال العام الأخير عرقلة مثل هذا الاتفاق. فلماذا رضخ نتنياهو وقبل أن يجتهد أكثر، في الإذعان من طرفه للاتفاق الذي بلور في محادثات الدوحة؟ أكثر من ذلك، في الاجتهاد لإقناع المركبات الأكثر يمينية وتطرفا في حكومته وعلى رأسها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، وعلى ما يبدو تسليمه بإمكانية معارضتهما للصفقة مقابل قبولهما بتصويت الأغلبية في الحكومة والتي تؤيد موقف نتنياهو، وعدم الذهاب بعيدا إلى تفكيك الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، قد تنهي حكمه الممتد منذ 2009، عدا فترة قصيرة بين 2019 و2021.
خمسة أسباب تقف وراء إقدام نتنياهو وحكومته على القبول بالصفقة، والعمل على إخراجها إلى حيز التنفيذ:
أولا، الضغط الأميركي. فموقف إدارة الرئيس جو بايدن التي تنهي حكمها في العشرين من الشهر الحالي أيدت وتؤيد التوصل إلى الصفقة، ولوحت مرارا بأفكار لمعاقبة نتنياهو وأعضاء حكومته، كما اتخذت إجراءات بملاحقة نشطاء المستوطنين الذين يبطشون بالفلسطينيين. لكن نتنياهو لم يرضخ للضغوط وعمل مرارا على عرقلة أية صفقة تعني وقف العمليات الحربية.
المتغير الجديد هو انتخاب دونالد ترمب وتلويحه باتخاذ إجراءات عنيفة ضد غزة إذا لم يجر التوصل إلى صفقة قبل تنصيبه. طبعا هذا التهديد لا يعني الكثير، فإسرائيل بطشت وقتلت ومسحت أحياء كاملة ونفذت تطهيرا عرقيا وعقابا جماعيا واستهدافا متطرفا، لا يترك للولايات المتحدة أي مجال لمزيد من البطش.
إلا أن مثل هذا التلويح وضح للأطراف، بما في ذلك الوسطاء، أن موقف ترمب جدي، ولن يسمح بالاستخفاف به، أو عدم التعامل مع موقفه جديا. بالإضافة لذلك هنالك أخبار ترشح من حاشية ترمب بأنه يتطلع من خلال الإصرار على الصفقة وإرسال مبعوثه الخاص، ستيف ووتكوف، للإشراف على المفاوضات من خلال وجوده في الدوحة وقيامه بزيارة خاطفة لإسرائيل ولقاء نتنياهو من أجل إقناعه بضرورة تقديم "هدية" لترمب قبل وصوله للحكم الفعلي. وترمب معني بالتصريح بأنه أحرز تقدما وحقق هدنة حتى قبل تنصيبه كرئيس فعلي، وهو على ما يبدو يعتبر هذا الإنجاز جزءا من إنجازاته اللاحقة في تحقيق مصالحة أوسع بين إسرائيل والفلسطينيين، بما يشمل السلطة الوطنية، وفي الوقت نفسه تحقيق هدنة في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وهذان الإنجازان قد يؤهلاه للحصول على جائزة نوبل للسلام، وهو شغوف بذلك ويتطلع إلى أن يكون ذلك جزءا من إرثه الرئاسي.