تواصل الروائية نادية الكوكباني شغفها بالمكان اليمني وقضاياه، وجاءت روايتها الأخيرة "هذه ليست حكاية عبده سعيد" الصادرة عن "دار الحوار" في سوريا، كأنها امتداد للهاجس اليمني الذي اشتغلت عليه من قبل، سواء في سرد حكايات نسائه أو في القصص المفصلية في التحولات الاجتماعية والسياسية.
في هذه الرواية تستعيد الكاتبة قصص الأواصر الاجتماعية التي جمعت بين مدينتي تعز وعدن في منتصف القرن العشرين، حيث كانت عدن جاذبة للكثيرين من أجل العمل والعيش فيها. فاتخذت من اسم عبده سعيد مدخلا لتقصّ حكاية حميمية عن ذلك الزمن المليء بالأحداث. عبده سعيد هو اسم شعبي يرتبط بتسميات أبناء تعز، ويذكّر برائد القصة اليمنية محمد عبد الولي وقصصه عن الهجرة والاغتراب. كما يذكّر الاسم، مع اسم صبحية، بروايتين سابقتين استخدمت فيهما الكاتبة الاسمين نفسيهما. وقد جاءت هذه الرواية على شكل رسائل من عبده سعيد إلى صبيحة، يحكي فيها قصة حياته وتجاربه من خلال ثلاث مدن: تعز وعدن وصنعاء، وذلك في زمن يمتد من منتصف خمسينات القرن العشرين حتى مطلع العقد الثاني من هذا القرن.
نساء ومدن
في الرواية نجد سردا لجوانب من العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع والعائلة، فتظهر قسوة الآباء وحنان الأمهات، إلى جانب اشتغال الأمهات في حقول الزراعة وهجرة الآباء، ومنهم عبده سعيد الذي عمل أبوه ساعي بريد بين المدن، أو "طبّالا"، حسب التوصيف المحلي. هناك وصف لافت للأزياء المحلية والطرق البرية القديمة بين تعز وعدن حيث كان الحمار يُستخدم وسيلة لنقل البضائع وحمل المسافرين "يريح أبي الحمار فينزل من على ظهره ويتركني عليه، إلا إذا طلبت منه النزول لأقضي حاجتي، أو يرتاح هو من عناء الطريق ويتركني ألعب مع رعاة الغنم المارين بجوارنا".
سنعرف من خلال عبده سعيد، الذي يذهب بصحبة أبيه وهو طفل إلى عدن دون أمه، الكثير من الحكايات العابرة عن المدن والمقاهي التي يعبرها مع أناس يبحثون عن فرص للعمل والاستقرار. وفي الطريق يتعرف الى قرية "دُكيم"، حيث تعيش "أمه الجديدة" كما قال له أبوه. وهناك يعرف أن هذه الأم الجديدة هي زوجة أبيه الثانية، التي تعامله بحنان في البداية قبل أن تتحول علاقتها به إلى نوع من القسوة وسوء العيش "بعد سفر أبي عرفتُ معنى أن أكون وحيدا، رغم وجود الأم الجديدة. أنفذ ما تطلبه مني من أعمال في حقل الجوافة وفي المنزل دون أن تنتزع مني كلمة، أطبق عليّ الحزن، وابتلع صوتي. أتلذذ بوخز رائحة الجوافة في أنفي. أتسلق الأشجار لأجني المحصول، أذهب للسوق لبيعه أو مبادلته بسلع أخرى. ثلاثة أعوام في دُكيم لم أتناول خلالها وجبة طعام حد الشبع، أو أرتدِ فيها يوما ثوبا جديدا".