لم يكد يكتمل أسبوع واحد على سقوط نظام الأسد في سوريا، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حتى بادرت الأمم المتحدة بتاريخ 15 من الشهر نفسه إلى الإعلان عن خطة أممية جديدة لحل الأزمة الليبية المستمرة منذ 2011.
الاعتقاد الأقرب (والأصوب أيضا)، هو أنها مجرد مصادفة أكثر منها ردة فعل تلقائية. ذلك أنه لا يمكن استبعاد تأثيرات ما حدث الآن في سوريا المباشرة وغير المباشرة على الشرق الأوسط وعلى المنطقة العربية بشكل أعم. فحجم التحولات المرتقبة التي تجتاح المنطقة أمست اليوم أكثر وضوحا.
كان السيناريو الليبي خلال التطورات الدراماتيكية المتلاحقة التي عاشتها سوريا منذ اندلاع انتفاضات ما سمي بـ"الربيع العربي"، وإلى وقت قريب، بحسب بعض الخبراء والمحللين جاهزا بالنسبة للسوريين، فإذا بالصورة فجأة تنقلب، ليصبح ما جرى في سوريا هو ما سيؤثر اليوم– سلبا وإيجابا- على الأحوال المعطلة في ليبيا.
وإن ظلت بعض الأصوات تحذر من حدوث تفكك في سوريا، وفرضية استعادة سيناريو حرب أهلية واسعة النطاق، كما حدث في ليبيا ما بعد القدافي. خصوصا إذا ما لجأت "هيئة تحرير الشام" إلى قمع الأقليات العرقية والطائفية، ولا سيما العلويين والأكراد، ما سيكون وبالا ولا شك، سيُدخل سوريا في جولات جديدة من العنف الطائفي المتبادل، وإقحام البلاد في جحيم حرب أهلية من الصعب إيقاف نيرانها.
لكن على الرغم من عدم استبعاد تلك الفرضية تماما، فقدتظل احتمالية انتقال عدوى "السيناريو الليبي" ضئيلة، لأن الوقائع الواضحة فوق الأرض والماثلة في الأفق القريب، لا تطلق من دمشق، حتى اليوم، سوى علامات الاتفاق على انتقال حضاري وسلمي.
ومع ضرورة استحضار حدث انهيار نظام الأسد، يمكن القول إن حقبة كاملة من الأنظمة القومية العربية التي نشأت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي قد انتهت وولَّتْ الأدبار.
لتبقى الأسئلة المتصلة ما إذا كانت هذه المرحلة ستحقق السلام الذي طال انتظاره؟
مسلسل تركي طويل
بعد حوالي عقد ونصف من سقوط نظام العقيد المثير للجدل معمر القدافي (في أكتوبر 2011)، ما زالت ليبيا تتصدر المشهد السياسي بما يتفاعل بداخلها من أحداث عنف مستمر ومتصاعد.
لقد تميزت أعوام "ما بعد القدافي" بما يشبه مسلسلا تركيا طويلا بلا نهاية، حلقاته تمطيط ودبلجة بلغة التقلبات السياسية والأمنية والاقتصادية. ومن نتائجه المباشرة فراغ مهول في الحكم، بكل ما يرمز له الفراغ من جمود سياسي وفوضى عارمة، ومن تحديات أمنية واجتماعية واقتصادية خطيرة، وبالتالي فإنجيلا كاملا من أطفالليبيا فتحوا أعينهم، منذ ما يزيد على عقد من الزمن، على أوضاع وطن عالق في أوحال حمم سوداء من الفساد والعبث والصراعات الدموية، وطن تحول إلى معقل للأزمات الاقتصادية والإنسانية وأعمال العنف وعدم الاستقرار.
لحدود اليوم، لم تنجح مبادرات الحوار السياسي التي تَوَخَّتْ تحقيق السلام والتعايش بين مختلف المجموعات الليبية المتصارعة، لتوحيدها ضمن إطار الدولة الواحدة.بعض تلك المبادرات كانت إقليمية، وقد تحولت الأزمة الليبية إلى محور خلاف حاد بين كل من الجزائر والمغرب. إلى جانب المبادرات الدولية التي رعتها الأمم المتحدة من أجل تهدئة الأوضاع بهذا القطر المغاربي. إذ لم تفلح أي منها في معالجة حقيقية لأزمة شرعية المؤسسات الليبية، لتنزلق الأوضاع إلى مزيد من التصعيد، وإلى استئناف الحرب بين الفرقاء المتصارعين، وبالتالي زرع بذور الفتنة والفوضى، وانزلاق المرحلة الانتقالية للخطر.مع كل ما يتبع ذلك من تجاذب أجنبي ومن انتهاكات قانونية دولية، وفي مقدمتها انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ 2011.