الأزمة الليبية في مهب الحل الأممي الأخير

وضع غير مستدام

REUTERS
REUTERS
أفراد من "الجيش الوطني الليبي" بقيادة خليفة حفتر، أثناء خروجهم من بنغازي لتعزيز القوات المتقدمة إلى طرابلس، ليبيا، 7 أبريل 2019.

الأزمة الليبية في مهب الحل الأممي الأخير

لم يكد يكتمل أسبوع واحد على سقوط نظام الأسد في سوريا، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حتى بادرت الأمم المتحدة بتاريخ 15 من الشهر نفسه إلى الإعلان عن خطة أممية جديدة لحل الأزمة الليبية المستمرة منذ 2011.

الاعتقاد الأقرب (والأصوب أيضا)، هو أنها مجرد مصادفة أكثر منها ردة فعل تلقائية. ذلك أنه لا يمكن استبعاد تأثيرات ما حدث الآن في سوريا المباشرة وغير المباشرة على الشرق الأوسط وعلى المنطقة العربية بشكل أعم. فحجم التحولات المرتقبة التي تجتاح المنطقة أمست اليوم أكثر وضوحا.

كان السيناريو الليبي خلال التطورات الدراماتيكية المتلاحقة التي عاشتها سوريا منذ اندلاع انتفاضات ما سمي بـ"الربيع العربي"، وإلى وقت قريب، بحسب بعض الخبراء والمحللين جاهزا بالنسبة للسوريين، فإذا بالصورة فجأة تنقلب، ليصبح ما جرى في سوريا هو ما سيؤثر اليوم– سلبا وإيجابا- على الأحوال المعطلة في ليبيا.

وإن ظلت بعض الأصوات تحذر من حدوث تفكك في سوريا، وفرضية استعادة سيناريو حرب أهلية واسعة النطاق، كما حدث في ليبيا ما بعد القدافي. خصوصا إذا ما لجأت "هيئة تحرير الشام" إلى قمع الأقليات العرقية والطائفية، ولا سيما العلويين والأكراد، ما سيكون وبالا ولا شك، سيُدخل سوريا في جولات جديدة من العنف الطائفي المتبادل، وإقحام البلاد في جحيم حرب أهلية من الصعب إيقاف نيرانها.

لكن على الرغم من عدم استبعاد تلك الفرضية تماما، فقدتظل احتمالية انتقال عدوى "السيناريو الليبي" ضئيلة، لأن الوقائع الواضحة فوق الأرض والماثلة في الأفق القريب، لا تطلق من دمشق، حتى اليوم، سوى علامات الاتفاق على انتقال حضاري وسلمي.

ومع ضرورة استحضار حدث انهيار نظام الأسد، يمكن القول إن حقبة كاملة من الأنظمة القومية العربية التي نشأت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي قد انتهت وولَّتْ الأدبار.

لتبقى الأسئلة المتصلة ما إذا كانت هذه المرحلة ستحقق السلام الذي طال انتظاره؟

مسلسل تركي طويل

بعد حوالي عقد ونصف من سقوط نظام العقيد المثير للجدل معمر القدافي (في أكتوبر 2011)، ما زالت ليبيا تتصدر المشهد السياسي بما يتفاعل بداخلها من أحداث عنف مستمر ومتصاعد.

لقد تميزت أعوام "ما بعد القدافي" بما يشبه مسلسلا تركيا طويلا بلا نهاية، حلقاته تمطيط ودبلجة بلغة التقلبات السياسية والأمنية والاقتصادية. ومن نتائجه المباشرة فراغ مهول في الحكم، بكل ما يرمز له الفراغ من جمود سياسي وفوضى عارمة، ومن تحديات أمنية واجتماعية واقتصادية خطيرة، وبالتالي فإنجيلا كاملا من أطفالليبيا فتحوا أعينهم، منذ ما يزيد على عقد من الزمن، على أوضاع وطن عالق في أوحال حمم سوداء من الفساد والعبث والصراعات الدموية، وطن تحول إلى معقل للأزمات الاقتصادية والإنسانية وأعمال العنف وعدم الاستقرار.

لحدود اليوم، لم تنجح مبادرات الحوار السياسي التي تَوَخَّتْ تحقيق السلام والتعايش بين مختلف المجموعات الليبية المتصارعة، لتوحيدها ضمن إطار الدولة الواحدة.بعض تلك المبادرات كانت إقليمية، وقد تحولت الأزمة الليبية إلى محور خلاف حاد بين كل من الجزائر والمغرب. إلى جانب المبادرات الدولية التي رعتها الأمم المتحدة من أجل تهدئة الأوضاع بهذا القطر المغاربي. إذ لم تفلح أي منها في معالجة حقيقية لأزمة شرعية المؤسسات الليبية، لتنزلق الأوضاع إلى مزيد من التصعيد، وإلى استئناف الحرب بين الفرقاء المتصارعين، وبالتالي زرع بذور الفتنة والفوضى، وانزلاق المرحلة الانتقالية للخطر.مع كل ما يتبع ذلك من تجاذب أجنبي ومن انتهاكات قانونية دولية، وفي مقدمتها انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ 2011.

تميزت أعوام "ما بعد القدافي" بما يشبه مسلسلا تركيا طويلا بلا نهاية، حلقاته تمطيط ودبلجة بلغة التقلبات السياسية والأمنية والاقتصادية. ومن نتائجه المباشرة فراغ مهول في الحكم، بكل ما يرمز له الفراغ من جمود سياسي وفوضى عارمة

وبالرغم من حجم التحديات وتزايد المحاذير، إن على الأمد المتوسط أو البعيد، فإنه لا ينبغي التقليل من شأن التفاؤل بإمكانية حصول الفرج المأمول مطلع هذا العام الجديد (2025)، وانتظار تباشير الفرصة النادرة لإعادة عملية الانتقال في ليبيا إلى مسارها الصحيح، انطلاقا من استتبات الأمن، وهو التحدي الأكثر إلحاحا الذي تواجهه البلاد، والمدخل الأساسي للشروع في الإصلاح السياسي والاقتصادي، عبر إجراء انتخابات مؤيدة للسلم المدني، وإيجاد حل للصراع الذي يمزق البلاد، وإعادة بناء الدولة الموحدة، واستقرار المنطقة، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يحتاجها الشعب.

هل سنوات الديكتاتور كانت أرحم؟!

بعد مرور أربعة عشر سنة على الثورة ونهاية نظام القدافي، ما زالت ليبيا تغوص في قعر الفوضى وجحيم الحروب، ما جعل كثيرا من اليائسين يتوقون إلى سنوات القدافي القاسية الاستبدادية، فربما كانت بهم أرحم!.. واسترجع آخرون أصداء خطب الديكتاتور، ففي أيامه الأخيرة، وتحت ضربات وهجوم المتمردين ضد حكمه الذي دام 42 عاما، وهو في أيامه الأخيرة، على وشك الإطاحة به، ألقى "زعيم ثورة الفاتح من سبتمبر" باللوم على حلف شمال الأطلسي وتنظيم "القاعدة" من أجل إسقاط نظام "جماهيريته العظمى"، وحذر الليبيين من أنهم سوف يعانون ويصبحون "عبيدا مرة أخرى" إذا رحل.

المشاهد المروعة التي انتشرت على مواقع التواصل، والتي صورت إلقاء المتمردين القبض على القدافي في سرت وإعدامه مباشرة، اعتقد البعض أنها ربما ستضع نقطة النهاية لدورات العنف الذي مارسته الدولة في ليبيا على امتداد أزيد من أربعة عقود، غير أن الذي حصل هو ارتفاع العنف بدرجات أكبر، وتعميمه على كل ربوع وأرجاء المساحة الشاسعة للبلد، وفق خلاصات دونتها الباحثة الإيطالية كلوديا جازيني، المعروفة بمتابعتها لتطورات الأحداث في ليبيا عن كثب على مدى العقد الماضي: "لقد غرست الطريقة التي قُتِل بها القذافي فكرة أن القتل أمر مقبول".

إثر الإطاحة بنظام القذافي وتغيير النظام بشكل كامل وعنيف، في ظل غياب أبسط  البدائل والخطط السلمية لملء الفراغ، انقسمت ليبيا إلى ميليشيات إقليمية، عسكرية ومدنية، كلها لجأت إلى قوة السلاح للتفاوض على السلطة السياسية

إثر الإطاحة بنظام القذافي وتغيير النظام بشكل كامل وعنيف، في ظل غياب أبسط  البدائل والخطط السلمية لملء الفراغ، انقسمت ليبيا إلى ميليشيات إقليمية، عسكرية ومدنية، كلها لجأت إلى قوة السلاح للتفاوض على السلطة السياسية، وأصبحت السلطة في ليبيا كائنا خرافيا برأسين.. ما فتح الطريق لزيادة التدخل الخارجي من جانب اللاعبين الإقليميين، بما في ذلك من الخليج وتركيا، ومن الجماعات الإسلامية العنيفة.

كان من الطبيعي أن يرخي الصراع في ليبيا بظلاله المنكسرة على العلاقات الدولية، عندما أدت المنافسات في "ليبيا ما بعد القذافي" إلى تفاقم الوضع العام بشكل خطير، بسبب مخاوف الاتحاد الأوروبي في الأمن وإغلاق طرق الهجرة إلى أوروبا، وتسرب حالة عدم الاستقرار إلى منطقة الساحل وخارجها، حيث نشطت تحركات عمليات تهريب الأسلحة من ليبيا إلى النيجر وتشاد ومالي، بالرغم من جهود المراقبة والاعتراض التي يبذلها الاتحاد الأوروبي، إلا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في عام 2016، أعرب عن خيبة أمله في الجهود الأوروبية التي أعقبت سقوط القذافي، وأشار بالتحديد إلى كل من رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

هذا الأخير الذي لم يساهم فقط في الفوضى التي أعقبت سقوط حكم القدافي، بل إن التداعيات التي انعكست ضده كانت أكثر شخصية وخطورة، عندما وجد نفسه متهما بالدخول في "ميثاق فساد" مع الديكتاتور الليبي السابق، مقابل الحصول على أموال من القذافي لحملته الانتخابية في عام 2007، ثمنا لتسهيل عودة الديكتاتور إلى الساحة الدولية، التي تعهد بها ساركوزي.

رويترز
الجنرال خليفة حفتر، خلال اجتماع مع الجنرال مايكل لانغلي من القيادة الأميركية في أفريقيا، في مكان غير محدد في ليبيا في 27 أغسطس 2024.

وفعلا، مع بداية الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني من السنة الجديدة، شرعت محكمة باريس القضائية في محاكمة ساركوزي، صحبة متهمين آخرين في هذه القضية، بينهم ثلاثة وزراء سابقين، بتهم "الفساد السلبي، والتمويل غير القانوني لحملة انتخابية، والارتباط الإجرامي، وإخفاء اختلاس الأموال العامة الليبية".

التفكيك و"الصوملة"!

كانت العواقب التي أعقبت سقوط القذافي، مباشرة وسريعة وغير متوقعة، من عناوينها البارزة: فوضى شاملة أسفرت عن انهيار كامل للدولة مع انعدام الاستقرار، والمساهمة في زعزعة الأوضاع بالمنطقة، كنتيجة لانتشار التطرف الإسلامي في ليبيا ومحيطها. كما سمح الفراغ في السلطة بازدهار الجماعات الجهادية، ووصول كتائب تنظيم "داعش" وتنظيم "القاعدة"، وإلى تعدد المجموعات ذات الولاءات القبلية والإقليمية، في ظل انقسام البلاد بين شرق وغرب، وكلها تتنافس على الغنائم السياسية والمناطق الغنية بالموارد، ناهيك عن انتعاش مافيا الإتجار بالبشر على نطاق واسع.هكذا شكلت ليبيا على مدى هذه السنين مصدر تهديد لدول الجوار والمنطقة عموما.

كل هذا كان من شأنه تعريض ليبيا لخطر التفكك والتقسيم و"الصوملة"، وسط اشتداد المنافسة والقتال بين الجماعات والميليشيات المسلحة المختلفة. فمنذ عام 2022 استمر انقسام ليبيا إلى قسمين تنفيذيين، الجزء الغربي من البلاد تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية، آخر حكومة معترف بها دوليا ترتبط بالمجلس الأعلى للدولة، في مواجهة الشرق وجزء من جنوب البلاد، به حكومة موازية يدعمها البرلمان ويشرف عليها الماريشال خليفة حفتر.

عناد المافيا

في خضم حالة الانقسامات داخل مجلس الأمن بشأن الوضع الليبي، وعلى مدى حوالي عقد ونصف، باءت محاولات حل المأزق السياسي في ليبيا بالفشل الذريع، وأكثر من مرة أحبطت محاولات تشكيل حكومة ليبية موحدة قابلة للحياة، وبعد أن اتضح بصورة جلية أن جهود الأمم المتحدة لم تسفر سوى عن إنشاء "هياكل موازية" لم تتمكن من العمل بسبب غياب المصالحة الوطنية، بـسبب "العناد واللامبالاة والتوقعات غير المعقولة" التي أبداها "أصحاب المصلحة الليبيون الرئيسون، للحفاظ على الوضع الراهن من خلال تكتيكات المماطلة، بدلا من العمل من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة على أساس المفاوضات والتنازلات"، وفق ما ورد في توصيف السياسي والدبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، في مداخلته أمام مجلس الأمن في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي. والتي حذر فيها من أن المبادرات "الأحادية والمتوازية وغير المنسقة" تساهم في تعقيدات غير ضرورية وبلورة الوضع الراهن، و"تتعارض مع الشروط المسبقة للقادة الليبيين ونيتهم ​​المعلنة لإيجاد حل للصراع".

لقد تعرضت ليبيا لخطر التفكك والتقسيم و"الصوملة"، وسط اشتداد المنافسة والقتال بين الجماعات والميليشيات المسلحة المختلفة

وأضاف باثيلي أن استمرار عسكرة الجهات المسلحة في المناطق، والمناورات العسكرية للقوات المسلحة الليبية قرب خط وقف إطلاق النار شرق سرت، تشكل خطرا على اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي بيان وداعي لم يتردد عبد الله باثيلي في وصف ليبيا اليوم بأنها "دولة مافيا"تهيمن عليها نخب سياسية وعسكرية تتبع مصالحها الضيقة. محذرا من أن "أي تصعيد في ليبيا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار، ليس فقط في تشاد والنيجر والسودان، ولكن أيضا في جميع أنحاء منطقة الساحل"، موصيا بضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية الموجودة في ليبيا، وبالأخص العمل على وضع حد لأنشطة مجموعة "فاغنر" المدعومة من روسيا.

وأكد عبد الله باثيلي أنه يجب على أعضاء مجلس الأمن تحمل كامل مسؤولياتهم لإجبار أصحاب المصلحة على دعم جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الرامية إلى استعادة وحدة وشرعية المؤسسات الليبية من خلال الحوار السياسي.

وختم باثيلي بالقول: "أكثر من أي وقت مضى، أصبحت المشاركة المتجددة والمنسقة بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية أمرا حتميا".

بعدها مباشرة وفي نهاية اجتماع المجلس، خرج عبد الله باثيلي ليشهر استقالته أمام وسائل الإعلام.

وهو التوصيف ذاته الذي عبر عنه دبلوماسي أميركي، عندما قال إن الوضع في ليبيا "غير مستدام"، مذكرا بأن الوقت قد حان لكي يتخذ الليبيون خطوة إلى الأمام نحو تنفيذ نظام دائم للحكم، من خلال الانتخابات.

استعجال الحل في أقرب وقت

بعد محاولات جاهدة لاستعادة الدولة المركزية ووضع حد للفوضى السائدة في ليبيا، تضمنتها مبادرات عديدة لحل الأزمة الليبية، وبعد فشل الكثير من عمليات المصالحة وأعوام من الارتباك، أعلنت مؤخرا الأمم المتحدة عن خطة جديدة، تتمثل في إنشاء "لجنة فنية من الخبراء الليبيين" لحل المشكلة "في أقرب وقت ممكن".

وبتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول من السنة الماضية، أعلنت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة بالنيابة إلى ليبيا: ستيفاني خوري، أن هذه الخطة الجديدة تهدف إلى إنهاء "الحصار السياسي" والصراعات ودعم وحدة المؤسسات وتسريع العملية الانتخابية في ليبيا، وتحديد المحاور الرئيسة لتشكيل حكومة توافقية برعاية الأمم المتحدة، والعمل على توحيد مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسات الجيش والأمن، وتعزيز السلام والاستقرار بشكل مستدام في ليبيا.

وفيما يتعلق بالحوار، أشارت خوري إلى أنه سيعقد بمشاركة الشعب الليبي ممثلا بالمجتمع المدني والقيادات الاجتماعية والأحزاب السياسية والنساء والشباب.

ضمن هذا السياق أجرت خوري اجتماعات مع مختلف الأطراف السياسية الليبية، لمناقشة العناصر الرئيسة للعملية السياسية التي تيِّسرها البعثة الأممية، بهدف التغلب على الجمود الحالي، في مقدمة هذه الأطراف رئيس وزراء ليبيا المؤقت عبد الحميد الدبيبة، وآمر المنطقة العسكرية الغربية الجنرال أسامة جويلي، إضافة إلى ممثلي الأحزاب السياسية. كما التقت الدبلوماسية الأممية أيضا مع الدبلوماسيين الأجانب وبسطت أمامهم آخر التطورات في ليبيا، مستعرضة عناصر العملية السياسية التي تيِّسرها الأمم المتحدة.

أ.ف.ب
رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة يتحدث خلال اجتماع في العاصمة طرابلس في 5 نوفمبر 2022

وفي وقت لاحق بنيويورك، قدمت خوري إحاطتها الدورية لمجلس الأمن عن العملية السياسية والأوضاع في ليبيا، وبالأخص حول مشاركتها في اجتماع لندن الأخير الخاص بليبيا، وما تناوله من ورقات بحثية ومشاركات علمية، بمشاركة خبراء محليين ودوليين، بهدف تعزيز المسارين السياسي والاقتصادي في ليبيا.

التحكم في القرار الأخير؟

"على الأمم المتحدة أن تتخذ موقفا أكثر جرأة في ليبيا".. مطلب يجتمع عليه كثيرون، خاصة من المواطنين الليبيين الذين يعانون من وطأة سوء الأوضاع.

إلا أن المعايير والمؤسسات الدولية تعرضت في الأعوام الأخيرة للتحدي في مختلف أنحاء العالم. كمثال: عدم توقف الحرب الروسية–الأوكرانية، التي تقترب من عامها الرابع، واستمرار الحرب الإسرائيلية ضد غزة في فلسطين، والانتهاك المستمر للقانون الدولي بشكل مسيء، كل ذلك أدى إلى تدني هيبة الأمم المتحدة وتراجع مقامها في الأنظار كهيئة دولية أصبحت تفتقد إلى الفاعلية والمصداقية، واتجه الاعتقاد بأن السياسة الدولية في مكان آخر بعيدا عن لجان ومبادرات وقرارات الأمم المتحدة، وأن القوة المطلقة وحدها من تتحكم في القرار الأخير، في ظل انهيار وتفكك النظام العالمي.

وفي الوقت نفسه، فإن الحالة الليبية استثنائية، حيث إن الأمم المتحدة لعبت دورا رئيسا في تشكيل التكوين السياسي للدولة الليبية، ولو حصل ذلك بطريقة ليست إيجابية دائما.

في هذا السياق يرى الخبير الأسباني ألفارو دي أرغيليس، أن "الأمم المتحدة حققت بالفعل نجاحات عديدة في ليبيا، بدءا من تفويض التدخل العسكري في عام 2011، وحتى إنشاء حكومتي الوفاق الوطني والوحدة الوطنية. وأن الحاجة تدعو اليوم إلى تحرك الأمم المتحدة.. "إلى ما هو أبعد من الاتفاقات المؤقتة بين النخب واتخاذ موقف أكثر جرأة. إن الحالة المتقلبة للشؤون العالمية تجعل التقدم في ليبيا غير مؤكد".

ويضيف الأستاذ بجامعة مدريد المستقلة: "إن الحاجة إلى استراتيجية جديدة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تتجاوز التركيز على المصالحة وعقد الاتفاقيات، وتدفع بدلا من ذلك نحو التزام الشفافية والمساءلة. ولا ينبغي للأمم المتحدة أن تدفع نحو إنشاء سلطة تنفيذية انتقالية ثالثة، فتمنح ختم موافقتها لزمرة أخرى من النخب. وعلى أقل تقدير، فإن هذا الموقف المبدئي من شأنه أن يزيد من الوعي بالوضع على الأرض، وتفادي الوقوع في المأزق السياسي الذي لا نهاية له".

فهل سيتمكن المجتمع الدولي أخيرا بقيادة الأمم المتحدة من تنفيذ خطة إعادة الاستقرار في ليبيا؟ وما هي الصيغة الصحيحة والسبيل الأسلم لفرص إنجاح السيناريو الأممي من أجل تحقيق السلام والتعايش، وطي صفحة العهد البائد والقضاء على مافيات استغلال حالة الفوضى وأعداء الاستقرار في ليبيا الجديدة؟

font change

مقالات ذات صلة