الذكاء الاصطناعي... الفنان

أصبحت الآلة مصدرا للإبداع لقدرتها على مسح كميات من البيانات

الذكاء الاصطناعي... الفنان

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون في المستقبل موسيقيا عظيما مثل موزارت وبيتهوفن؟ هل يمكن أن يبدع مثل شعر غوته؟ هل يمكن أن يكون كاتبا عظيما؟ هل على الفنانين الخوف منه؟ الجواب في كلمة هو لا. ومع ذلك فمن الطبيعي أن نسأل عن مستقبل الفن في مثل هذا المجتمع الذي هيمن عليه الذكاء الاصطناعي.

الواقع أن الفنانين- مثل كثيرين- قلقون من أن يحل الوافد الجديد محلهم أو أن يحرمهم من وظائفهم. هذا القلق يذكرنا بزمن اختراع الكاميرا عندما انزعج الرسامون من الآلة الجديدة التي ظنوا أنها ستشاركهم مصدر رزقهم أو ستهدد وجودهم بالكامل. الذين استفادوا هم الذين وظفوا الكاميرا للتعبير عن فنونهم وأصبحت مصدر إلهام لهم، وليس الذين خافوا منها، لأنها قدمت فنا جديدا يختلف عن الرسم ولا ينافسه، وكل هذا قاد إلى توسيع النظرة إلى الفن فخرج من دائرته الضيقة. فالتصوير الفوتوغرافي ساعد في إحداث ثورة في الطريقة التي تكون بها الأعمال، من خلال توسيع فكرة ما يمكن اعتبارها فنا. ونعلم اليوم أن الكاميرات لم تقتل الرسم ولا أي نوع من أنواع الفن. لقد وفرت للناس ببساطة طريقة أخرى للتعبير عن أنفسهم بصريا. هذا المثال ضروري لفهم الإمكانات المتاحة أمام الذكاء الاصطناعي لكي يؤثر على الفن.

لقد أدى الإبداع البشري إلى اختراع الذكاء الاصطناعي، والآن يمكن للآلات نفسها أن تكون قوى إبداعية. وتوصل الباحثون مؤخرا الى أن الذكاء الاصطناعي لديه إمكانات كبيرة لحل مشكلات في الفن. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الآلي أن يساعد في التمييز بين اللوحات الأصلية واللوحات المزيفة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضا أن يساعد في فهم الفن من خلال كشفه عن التأثيرات المتشابهة بين الأعمال الفنية من فترات مختلفة. في أحد الاختبارات المعملية، برزت قدرة الآلة على تحديد الأعمال التي غيرت مسار تاريخ الفن وتسليط الضوء على جوانب جديدة لكيفية تطور هذا التاريخ. وتمكنت الآلات أيضا من خلق صور جديدة من تلقاء نفسها لا يستطيع المشاهدون التمييز بينها وبين الأعمال التي صنعها فنانون بشر. والذكاء الاصطناعي قادر حتى على تأليف النوتة الموسيقية.

الفن يتطور باستمرار وهو في جوهره شكل من أشكال التواصل بين البشر، لكن من دون فنان بشري خلف الآلة، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعل أكثر من اللعب بالشكل

دمج الفنانون في الماضي تقنيات تخدم صنعتهم، والذكاء الاصطناعي يدخل في ذلك، ولكن ثمة فرق جوهري. فهذه المرة أصبحت الآلة مصدرا للإبداع بفضل قدرتها على مسح كميات هائلة من البيانات التاريخية والاجتماعية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينتج صورا جديدة تتجاوز قدرات خيالنا. وثمة قوة يمكن أن تدفع الوسائط الفنية إلى الأمام في اتجاهات جديدة. لكن لا بد أن نتذكر دائما أن آلة الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تكون فنانا مستقلا.
الفن يتطور باستمرار، وهو في جوهره شكل من أشكال التواصل بين البشر، لكن من دون فنان بشري خلف الآلة، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعل أكثر من اللعب بالشكل، اللعب بالنوتات الموسيقية على سبيل المثال. هذا التلاعب يمكن أن يكون مثيرا للاهتمام، لكن الأمر يفتقر إلى المعنى من دون التفاعل بين الفنان والجمهور. بعبارة أخرى، على الفنانين أن يتركوا القلق فالذكاء الاصطناعي لن يزيد على أن يكون مساعدا لهم.

font change