انهيار الخيار العسكري ضد إسرائيل فلسطينيا وعربيا

الفلسطينيون في كفاحهم وعنادهم وتضحياتهم مقيدون بمحددات الواقع العربي والدولي

أ ف ب
أ ف ب
نتنياهو لدى وصوله الى ممر نتساريم في وسط قطاع غزة في 19 نوفمبر

انهيار الخيار العسكري ضد إسرائيل فلسطينيا وعربيا

انتهى الصراع العسكري الدولتي ضد إسرائيل بغض النظر عن تقييمه وصدقيته، قبل نصف قرن، بعد عدة حروب (1948-1956-1967-1973).وانتهى معه عمليا اعتبار "فلسطين القضية المركزية للأمة العربية".

مع ذلك ظلّت بعض الأنظمة، خاصة نظام الأسد ومن على شاكلته، يعظّم قدراته العسكرية، ويشهر ذلك الخيار للاستهلاك الداخلي وتعزيز الشرعية وتبرير التسلّط ونهب وتبديد الموارد. أما على الصعيد الخارجي، فقد تعلق الأمر باستخدام قضية فلسطين والقدس والمقاومة كورقة مساومة وابتزاز ومزايدة فقط.

بعدها انتقل الخيار العسكري إلى عهدة الفصائل الفلسطينية، التي انتهجت الكفاح المسلح، الذي حاز على شرعية ودعم واحتضان من الأنظمة العربية، بعد هزيمة حرب يونيو/حزيران 1967، رغم قيودها واشتراطاتها، للتغطية على هزيمتها. وتبع ذلك تحويل لبنان إلى قاعدة لتلك الفصائل، ما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، أواسط السبعينات، الأمر الذي أضر باللبنانيين وبالفلسطينيين وانتهى بإخضاع لبنان للهيمنة السورية لعقود ثلاثة (1976-2005). وقد انتهى ذلك العهد باجتياح إسرائيل للبنان، (1982)، وإخراج قوات "منظمة التحرير الفلسطينية" منه، وانهيار خيار الكفاح المسلح الفلسطيني فيه، وفي الخارج.

لكن الخيار العسكري اللادولتي اشتغل مجددا مع "حزب الله" في لبنان، الذي تأسس كميليشيا طائفية مسلحة، وكذراع لإيران، منذ أربعة عقود، اشتغل منها ضد إسرائيل، في جنوب لبنان حصرا، في الفترة من 1983-2000 (انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان)، أما بعد ذلك وحتى شن إسرائيل حرب إبادة ضد فلسطينيي غزة (7/10/2023)، فقد جمّد مقاومته، باستثناء عملية خطف جنديين إسرائيليين (2006)، والتي بادر إليها، في حينه، لاستعادة هيبته، بعد اغتيال رفيق الحريري، وإخراج الجيش السوري من لبنان (2005)، ما أدى إلى شن إسرائيل حربا مدمرة ضد هذا البلد. والمعنى أن الحزب ادعى المقاومة، خلال الـ23 عاما، المنصرمة، من دون مقاومة، إذ استدار ببندقيته للهيمنة على اللبنانيين، ثم وسع نشاطه المسلح، بمشاركة النظامين السوري والإيراني، في قتل وتشريد السوريين، منذ عام 2011.

فلسطينيا، أيضا، استعيد الكفاح المسلح في مرحلتين، الأولى إبان الانتفاضة الثانية (2000-2004) بنمط العمليات التفجيرية ("الاستشهادية")، على يد "حماس" و"فتح"، وبعدها بنمط الحرب الصاروخية، الذي انتهجته "حماس" من غزة، إثر هيمنتها عليها (2007)، ما عرضه لخمس حروب إسرائيلية عنيفة ومدمرة (2008- 2012- 2014- 2021- 2023)، تميّزت بينها الخامسة، كحرب إبادة جماعية، وكنكبة جديدة، تحول فيها القطاع إلى خرابة، مع قضم أجزاء منه، وحصر مليوني نسمة من الفلسطينيين في نصف مساحته.

ذروة الخيار العسكري

منذ "طوفان الأقصى" شهدنا ذروة الخيار العسكري الفصائلي، مع إسناد "حزب الله" لـ"حماس" في غزة، والقصف الصاروخي ضد إسرائيل من "الحوثيين" في اليمن، و"الحشد الشعبي" في العراق، مع امتشاق شعار "وحدة الساحات". لكننا شهدنا، أيضا، ذروة إخفاق هذا الخيار، بطريقة مريعة وفاضحة وسريعة، إذ استطاعت إسرائيل، في ثلاثة أشهر (17/9- 17/12/2024)، تقويض قوة "حزب الله"، وتدمير قدرات الجيش السوري، وتحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي، بعد تدميرها غزة، وتشديد قبضتها على الفلسطينيين من النهر إلى البحر. بحيث بدا كأنها أنهت كل "محور المقاومة والممانعة".

يفترض دراسة التجربة الفلسطينية، بخاصة تجربة الكفاح المسلح بنجاحاتها وإخفاقاتها، بطريقة نقدية، عميقة وجريئة ومسؤولة، والتعلم منها

وكانت إسرائيل قد حولت غزة، وأجزاء من لبنان، خلال عام 2024، إلى مناطق غير صالحة للعيش، مع اغتيال قائد "حماس" إسماعيل هنية في طهران (1/8/2024)، وخليفته يحيى السنوار في غزة (16/10/2024)، وحسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في لبنان (27/9/2024)، وخليفته هاشم صفي الدين (بعده بأيام)، إضافة إلى تصفية الصف الأول والثاني من نخبة قياديي الحركة و"الحزب". ويمكن هنا تمييز عملية إسرائيل غير المسبوقة، بتفجيرها أجهزة "البيجر" في كوادر "حزب الله"، ما أخرج حوالي 4000 منهم من ساحة المعركة، مع ما في العملية من معانٍ سياسية وأمنية، وتفوق عسكري وتقني واستخباراتي.

تلك المعطيات فضحت، بثمن باهظ، أوهام مقولات "قواعد الاشتباك" و"توازن الرعب أو الردع" وأن "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت" ويمكن لإيران أو "حزب الله" تدميرها في غضون ساعات أو أيام. أيضا، هي كشفت زيف وخداع، مصطلح "وحدة الساحات". إذ إن إسناد "حزب الله" المحدود للمقاومة في غزة لم يخفف من حرب الإبادة الإسرائيلية ضدها طوال عام، بقدر ما بين أن الإسناد مقيّد إيرانيا، ولمجرد حفظ ماء الوجه.

أيضا، تبين نأي إيران بنفسها عن حرب إسرائيل ضد غزة، إذ نست شعاراتها عن القدس والمقاومة وتسوية إسرائيل بالأرض، بل ونأت عن حرب إسرائيل الوحشية في لبنان، وعن حماية النظام السوري، ما يبين أن ما يريده النظام الإيراني مجرد وجود جبهات متقدمة، كرصيد لأمنه القومي، علما أن نظام الأسد نأى بنفسه عن حرب إسرائيل في غزة، وفي لبنان.

أ ف ب
رجل يتفقد الاضرار التي اصابت منزلا في حي الدرج في مدينة غزة في 19 ديسمبر

ما يفترض إدراكه، بمعزل عن الرغبات والأوهام، نشوء واقع جديد يتسم باختفاء الجبهة الشرقية، وانهيار الخيار العسكري، على جبهتي الأنظمة والفصائل، علما أن "فتح"، التي أطلقت الكفاح المسلح الفلسطيني (1965)، انتهت من هذا الخيار، بعد الخروج من لبنان، بخاصة مع انخراطها في اتفاق "أوسلو" (1993)، مع أنها عاودته إبان الانتفاضة الثانية. رغم أن هذا الخيار كان وصل إلى سقفه السياسي الممكن، والمتاح، قبل نصف قرن (أواسط السبعينات)، أي إن كل التضحيات التي بذلت بعد ذلك كانت زائدة، ولم تضف شيئا ولم تغير من معادلات موازين القوى مع إسرائيل، بيد أن القيادة المعنية لم تدرك ذلك، ولم تتمثله، بإعادة صياغة أوضاعها وبناها وخياراتها. وعليه، فإن استمرار الخيار العسكري مع "حزب الله" في لبنان، و"حماس" في غزة، لم يضف شيئا على صعيد تحقيق إنجازات سياسية، ولا على صعيد كسر موازين القوى ضد إسرائيل، إذ بالعكس من ذلك، فقد باتت إسرائيل أكثر تجبرا، في المنطقة، وحتى إزاء إيران، وتوثقت علاقتها أكثر بالولايات المتحدة، كقوة إقليمية مسيطرة، وفوق كل ذلك ثمة نكبة جديدة مهولة للفلسطينيين واللبنانيين.

دروس التجربة

بعد كل تلك الكوارث يفترض دراسة التجربة الفلسطينية، بخاصة تجربة الكفاح المسلح، والخيار العسكري، بنجاحاتها وإخفاقاتها، بطريقة نقدية، عميقة وجريئة ومسؤولة، والتعلم منها، فالشعب الذي دفع باهظا، من معاناته وتضحياته، ثمن هذه التجربة، والمكابرات والمغامرات وإنكار الواقع وتغليب الشعارات، يستحق ذلك من قياداته وفصائله ومثقفيه، فإذا كان صحيحا أن المفاوضات والمظاهرات والبيانات لا تحرّر شبرا من فلسطين، في هذه الظروف، فهذا ينطبق، أيضا، على الكفاح المسلح والحروب الصاروخية والعمليات التفجيرية.

على الفلسطينيين، في مصارعتهم إسرائيل، إدراك أنهم إزاء دولة استعمارية ذات وضع دولي في الشرق الأوسط، وليست مجرد دولة فيه، وأنها قامت في شروط عربية ودولية معينة، أمنت لها الحماية والتطور

ما يفترض إدراكه، أولا، أن الفلسطينيين في كفاحهم وعنادهم وتضحياتهم مقيدون بمحددات الواقع العربي والدولي، مع إمكانياتهم المحدودة، وخضوعهم لأنظمة مختلفة، لذا لا يمكن الحديث عن حركة وطنية فلسطينية في ظل انكفاء عربي، وتصدع العلاقات العربية، ولا عن إنجازات وطنية، مهما كانت التضحيات والبطولات، في وضع دولي لا يسمح باستثمارها.

ثانيا، مشكلة الأنظمة المعنية أنها ركزت فقط على الخيار العسكري، كغطاء لاستحواذ القوة والهيمنة والسلطة، كل في إقليمه، وهذا ينطبق على الفصائل، بما في ذلك سلطتا "حماس" و"فتح" في غزة والضفة، وسلطة "حزب الله" في لبنان ثم سوريا.

ثالثا، لم تشتغل الأنظمة (والمقاومات طبعا) على مصارعة إسرائيل في المجالات التي تقويها وتتميّز بها، في إدارتها مواردها البشرية، وتنظيمها المجتمع، وشكل نظامها السياسي، والتركيز في التطور الاقتصادي والعلوم والتكنولوجيا، إذ حصرت نفسها في الخيار العسكري المكلف بشريا واقتصاديا، والذي تتفوق فيه إسرائيل؛ مع تمتعّها بضمانة الدول الكبرى لأمنها وتفوقها. ففي المحصلة استنزفت الأنظمة والمقاومات شعبها، بدل أن تستنزف، أو تضعف عدوها، بل إن إسرائيل وفقا لهذا الخيار باتت أكثر جبروتا، وباتت ذراعها الطويلة تطال إيران واليمن، فضلا عن المشرق العربي. وكان من الأجدى، والأنسب، والأقل كلفة، مصارعة ومنافسة إسرائيل في بناء دولة المواطنين والتطور الاقتصادي والتكنولوجي، ما يفيد بأن المطلوبً ليس التحلّل من الحقوق وانما تغيير الطريق.

رابعا، لم يتوفر للكفاح المسلح الفلسطيني، ما توفر للثورة الفيتنامية، التي كانت تستند إلى فيتنام الشمالية، مع دولتين عظميين، الاتحاد السوفياتي والصين، ولا ما توفر للثورة الجزائرية من إسناد عربي ودولي، إذ من التهور توهم أو تخيل قيام الحركة الوطنية الفلسطينية بإمكانياتها وظروفها بهزيمة أو مواجهة إسرائيل القوية والمتفوقة على محيطها.

أ.ف.ب
امرأة فلسطينية تحمل خريطة فلسطين الانتداب البريطاني خلال وقفة احتجاجية بغزة في 27 فبراير/ شباط 2020

خامسا، ينبغي على الفلسطينيين، في مصارعتهم إسرائيل، إدراك أنهم إزاء دولة استعمارية ذات وضع دولي في الشرق الأوسط، وليست مجرد دولة فيه، وأنها قامت في شروط عربية ودولية معينة، أمنت لها الحماية والتطور. هذا يفيد بأنه من غير المسموح دوليا للفلسطينيين استثمار تضحياتهم وبطولاتهم. ومعنى ذلك أن أفول المشروع الصهيوني يتطلب ولادة شروط جديدة، عربية ودولية مواتية للفلسطينيين. وهذا الاستنتاج لا يعني نسيان الفلسطينيين قضيتهم وحقوقهم، وإنما تغيير طرق كفاحهم وخطاباتهم. بيد أن نهاية الخيار العسكري، والكفاح المسلح الفلسطيني، بطريقة مأساوية، لا يفيد بتوهم إمكان استعادة الحقوق الفلسطينية، في دولة واحدة ديمقراطية من النهر إلى البحر، أو كدولة في الضفة والقطاع، أو كدولة ثنائية القومية بالمظاهرات والمفاوضات والمناشدات، إذ إن إسرائيل العسكرية والاستيطانية والعنصرية لن تتنازل طواعية للشعب الفلسطيني. والقصد أن الفلسطينيين معنيون بانتهاج خيارات سياسية وكفاحية أخرى، أكثر ملاءمة لإمكانياتهم وأوضاعهم، وظروفهم، وللعالم.

من دون قطيعة مع الماضي الفصائلي، ببناه وخياراته وشعاراته وعلاقاته، سيبقى الشعب الفلسطيني يراوح في المربع ذاته، في حين يفترض الخروج منه، وصوغ حركة وطنية جديدة

سادسا، يجدر الانتباه إلى أن الكفاح المسلح لم يكن خيارا لكل الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، إذ لم يظهر أي إجماع سياسي بين فلسطينيي 48 يطالب بانتهاج الكفاح المسلح، فقد تبنى غالبيتهم النضال المدني/السلمي لمواجهة سياسات إسرائيل الاستعمارية والعنصرية، وإقامة دولة فلسطينية، في الضفة والقطاع، إلى حد مطالبتهم بالاعتراف بحقوقهم كجماعة قومية. أما فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 67، فقد لجأوا، في مقاومة الاحتلال وتعزيز صمودهم في أرضهم إلى أشكال عديدة من العصيان المدني، والانتفاضات المتوالية، التي توجت بالانتفاضة الكبرى الأولى (1987-1993)، وهبة "الشيخ جراح" (2021). ومعلوم أن حركة "القوميين العرب"، التي تحولت إلى "الجبهة الشعبية"، لم تكن متشجعة، في البداية، لخيار الكفاح المسلح، الذي بادرت إليه "فتح"، إذ اتهمتها بتوريط نظام عبدالناصر، وتفتيت الجهد العربي والتسرع، قبل نضوج الظروف الذاتية والموضوعية؛ وهذا ينطبق على "حماس"، التي انبثقت من حركة "الإخوان المسلمين"، والتحقت بالكفاح المسلح عام 1987.

نهاية تراجيدية

القصد أن الكفاح المسلح الفلسطيني، بالشكل الذي تمظهر به، وتمت ممارسته، نمّته ورعته وتجاذبته الحاجات والتوظيفات العربية والإقليمية (بعد هزيمة 1967)، إذ بدا، وقتها، كحاجة للأنظمة للتغطية على هزيمتها، إضافة إلى أنه أتى في إطار صراعات الحرب الباردة، وتم تضخيمه بالإمداد المالي، مع المبالغة بدوره عبر وسائل الإعلام. وهذا يفيد بأن الانتفاضة الأولى (1987-1993) هي الشكل الأكثر تمثلا لإمكانيات الشعب الفلسطيني، وقدرته على التحمل، والأكثر جدوى في كفاحه ضد إسرائيل وإثارة التناقضات داخلها، والتمكن من الاستثمار السياسي فيها. ويمكن القول إن مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني في الخارج كانت مغامرة لياسر عرفات ورفاقه في "فتح"، وبقية الفصائل، بينما أتت مرحلة الانتفاضة الثانية في الداخل، كمغامرة مشتركة لقيادتي "فتح" و"حماس"، في حين تحتسب "طوفان الأقصى" كمغامرة ليحيى السنوار و"كتائب القسام" و"حماس". وهي مغامرات انبنت على تقدير عالٍ للذات، مع ضعف الإمكانيات، وقصور في إدراك المعطيات العربية والدولية، والاستخفاف بقوة العدو، وقدراته، وطبيعة علاقته مع القوى المهيمنة عالميا. تبعا لما تقدم، فهذه نهاية تراجيدية مهولة وباهظة الثمن لشكل كفاحي ولد في ظروف صعبة، وبإمكانيات ضعيفة، مع الارتهان للخارج، والخضوع لقيود الأنظمة المضيفة، والتوظيفات الإقليمية، لذا كان بمثابة مغامرة، خاضتها "فتح" بوهم "التوريط الواعي" للأنظمة، ووهم أن "فلسطين قضية مركزية" ثم خاضتها "حماس" بوهم أن إسرائيل "أوهن من خيوط العنكبوت" مع وهم "وحدة الساحات".

أ.ف.ب
مقاتلون فلسطينيون يرفعون علامة النصر ويحملون صور ياسر عرفات، على متن شاحنة عسكرية أثناء مغادرتهم بيروت إلى تونس، 22 أغسطس 1982

الآن، ووفقا لدروس ستة عقود من التجربة المكلفة والمديدة والمريرة والغنية، فإن الفلسطينيين معنيون بخوض كفاحهم من أجل حقوقهم المشروعة، الجمعية والفردية، السياسية والمدنية، بالاعتماد على إمكانياتهم كشعب، وباختيار الشكل الكفاحي الأنسب والمستدام والأجدى، مع إدراك أن الأولوية في هذه الظروف هي لصمودهم في أرضهم وبناء مؤسساتهم والاقتصاد في طاقاتهم وعدم تبديدها في أشكال كفاحية أو أطروحات سياسية لا يمكن استثمارها في انتظار توفر معطيات أفضل تفيد بتحقيقهم توازيا- ولو نسبيا- بين تضحياتهم وبطولاتهم ومعاناتهم وانجازاتهم،، إذ إن أي خيار سياسي أو كفاحي، مهما كان شأنه، لن ينجح، وسيتعرض للتبديد، إذا لم يتوفر على تلك الأرضية.

هذه نهاية تراجيدية لقضية تراجيدية، وهي بمثابة تعبير عن طيّ حقبة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، تمحورت حول الكفاح المسلح، بكل أشكاله، ومستوياته، لكنها ليست نهاية لقصة كفاح الشعب الفلسطيني، الواقعية أو الأسطورية، التي ستستمر بأشكال مختلفة، طالما بقيت إسرائيل دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية وعدوانية، وتستهدف شعب فلسطين بوجوده من النهر إلى البحر. والقصد أنه من دون قطيعة مع الماضي الفصائلي، ببناه وخياراته وشعاراته وعلاقاته، سيبقى الشعب الفلسطيني يراوح في المربع ذاته، في حين يفترض الخروج منه، وصوغ حركة وطنية جديدة، بالاستفادة من دروس التجربة السابقة.

font change

مقالات ذات صلة