انتهى الصراع العسكري الدولتي ضد إسرائيل بغض النظر عن تقييمه وصدقيته، قبل نصف قرن، بعد عدة حروب (1948-1956-1967-1973).وانتهى معه عمليا اعتبار "فلسطين القضية المركزية للأمة العربية".
مع ذلك ظلّت بعض الأنظمة، خاصة نظام الأسد ومن على شاكلته، يعظّم قدراته العسكرية، ويشهر ذلك الخيار للاستهلاك الداخلي وتعزيز الشرعية وتبرير التسلّط ونهب وتبديد الموارد. أما على الصعيد الخارجي، فقد تعلق الأمر باستخدام قضية فلسطين والقدس والمقاومة كورقة مساومة وابتزاز ومزايدة فقط.
بعدها انتقل الخيار العسكري إلى عهدة الفصائل الفلسطينية، التي انتهجت الكفاح المسلح، الذي حاز على شرعية ودعم واحتضان من الأنظمة العربية، بعد هزيمة حرب يونيو/حزيران 1967، رغم قيودها واشتراطاتها، للتغطية على هزيمتها. وتبع ذلك تحويل لبنان إلى قاعدة لتلك الفصائل، ما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، أواسط السبعينات، الأمر الذي أضر باللبنانيين وبالفلسطينيين وانتهى بإخضاع لبنان للهيمنة السورية لعقود ثلاثة (1976-2005). وقد انتهى ذلك العهد باجتياح إسرائيل للبنان، (1982)، وإخراج قوات "منظمة التحرير الفلسطينية" منه، وانهيار خيار الكفاح المسلح الفلسطيني فيه، وفي الخارج.
لكن الخيار العسكري اللادولتي اشتغل مجددا مع "حزب الله" في لبنان، الذي تأسس كميليشيا طائفية مسلحة، وكذراع لإيران، منذ أربعة عقود، اشتغل منها ضد إسرائيل، في جنوب لبنان حصرا، في الفترة من 1983-2000 (انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان)، أما بعد ذلك وحتى شن إسرائيل حرب إبادة ضد فلسطينيي غزة (7/10/2023)، فقد جمّد مقاومته، باستثناء عملية خطف جنديين إسرائيليين (2006)، والتي بادر إليها، في حينه، لاستعادة هيبته، بعد اغتيال رفيق الحريري، وإخراج الجيش السوري من لبنان (2005)، ما أدى إلى شن إسرائيل حربا مدمرة ضد هذا البلد. والمعنى أن الحزب ادعى المقاومة، خلال الـ23 عاما، المنصرمة، من دون مقاومة، إذ استدار ببندقيته للهيمنة على اللبنانيين، ثم وسع نشاطه المسلح، بمشاركة النظامين السوري والإيراني، في قتل وتشريد السوريين، منذ عام 2011.
فلسطينيا، أيضا، استعيد الكفاح المسلح في مرحلتين، الأولى إبان الانتفاضة الثانية (2000-2004) بنمط العمليات التفجيرية ("الاستشهادية")، على يد "حماس" و"فتح"، وبعدها بنمط الحرب الصاروخية، الذي انتهجته "حماس" من غزة، إثر هيمنتها عليها (2007)، ما عرضه لخمس حروب إسرائيلية عنيفة ومدمرة (2008- 2012- 2014- 2021- 2023)، تميّزت بينها الخامسة، كحرب إبادة جماعية، وكنكبة جديدة، تحول فيها القطاع إلى خرابة، مع قضم أجزاء منه، وحصر مليوني نسمة من الفلسطينيين في نصف مساحته.
ذروة الخيار العسكري
منذ "طوفان الأقصى" شهدنا ذروة الخيار العسكري الفصائلي، مع إسناد "حزب الله" لـ"حماس" في غزة، والقصف الصاروخي ضد إسرائيل من "الحوثيين" في اليمن، و"الحشد الشعبي" في العراق، مع امتشاق شعار "وحدة الساحات". لكننا شهدنا، أيضا، ذروة إخفاق هذا الخيار، بطريقة مريعة وفاضحة وسريعة، إذ استطاعت إسرائيل، في ثلاثة أشهر (17/9- 17/12/2024)، تقويض قوة "حزب الله"، وتدمير قدرات الجيش السوري، وتحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي، بعد تدميرها غزة، وتشديد قبضتها على الفلسطينيين من النهر إلى البحر. بحيث بدا كأنها أنهت كل "محور المقاومة والممانعة".