اتفاق "الشراكة الجزائرية الأوروبية"... هل دقت ساعة الحسم؟

التعديل أو الإلغاء لعدم التزام أوروبا والعجز تجاوز 5,6 مليارات دولار من الإيرادات الجمركية وتنامي التهريب

shutterstock
shutterstock
علم الاتحاد الأوروبي وعلم دولة الجزائر

اتفاق "الشراكة الجزائرية الأوروبية"... هل دقت ساعة الحسم؟

دقت ساعة التقييم أو الحسم لإعادة النظر في ملف اتفاق الشراكة الاقتصادية بين الجزائر والإتحاد الأوروبي بعد 19 سنة كاملة من دخوله حيز التنفيذ. لكن التفاوض هذه المرة سيجري ضمن ظروف مختلفة نظرا إلى التطورات التي شهدتها الجزائر، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، فهي ستضع المصلحة الوطنية في صدارة أولوياتها.

وبحسب تصريحات سفير بعثة الاتحاد الأوروبي في الجزائر، دييغو ميادو باسكوا، فإنه من المرتقب أن تنطلق المفاوضات في يناير/ كانون الثاني الجاري إذ بُرمجت لقاءات تقنية عدة خلال 2025، خصوصا مع بداية السنة الجديدة حيث رتبت ثلاث زيارات لوفود تقنية أوروبية تعنى بالنظر في المقترحات الجزائرية. فما هو حجم الخسارة الضريبية وشبه الضريبية الذي تحملتها الخزينة العامة تجاه الشركاء بموجب اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟ وما هي الجوانب التي تعتزم الجزائر إعادة التفاوض عليها لتأمين مصالحها الاقتصادية والتجارية بشكل أفضل؟ وأخيرا هل الجزائر في موقع قوة يخولها الدفاع عن مصالحها وإصلاح الأخطاء السابقة وتكريس منطق الند للند؟

مردود سلبي تجاري واقتصادي

تم توقيع اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في 22 أبريل/نيسان 2002 في فالنسيا (إسبانيا) ودخل حيز التنفيذ في سبتمبر/أيلول 2005، ويتضمن هذا الاتفاق 110 مواد تغطي المحاور التسعة الآتية: الحوار السياسي، حرية تنقل البضائع وتجارة الخدمات، المدفوعات ورؤوس الأموال والمنافسة وأحكام اقتصادية أخرى، التعاون الاقتصادي، التعاون الاجتماعي والثقافي، التعاون العالي، التعاون في مجال العدالة والشؤون الداخلية، الأحكام المؤسساتية العامة والختامية.

النتائج المحققة اليوم لا ترقى على الاطلاق الى مستوى التعاون والتبادل الثنائي المتوازن وذلك لأسباب عدة، من بينها عدم لعب الطرف الأوروبي دوره المأمول لتشجيع الاستثمارات الإنتاجية المباشرة

ونص هذا الاتفاق في جانبه التجاري على إنشاء منطقة تجارة حرة للمنتجات الصناعية والتحرير التدريجي للتجارة بالنسبة للمنتجات الزراعية الغذائية والصيد البحري كما ينص على تحرير مجال حقوق التأسيس والخدمات.

ويتبين من مسار التدقيق في المسار الخاص بتطبيق اتفاق الشراكة منذ عام 2005، وما ارتبط به من تفكيك للمنظومة الجمركية، المردود السلبي الذي خلف عجزا فاق 700 مليار دينار (5,6 مليارات دولار) من الإيرادات الجمركية خلال الفترة الممتدة بين 2005 و2022، وتتضح الصورة أكثر عند التدقيق جيدا في مؤشرات التبعية التجارية وحصة كل طرف من الواردات. ففي وقت بلغ حجم المبادلات التجارية نحو تريليون دولار، لم تتجاوز استثمارات الاتحاد الأوروبي 13 مليار دولار، غالبيتها العظمى في قطاع المحروقات في مقابل تحويل أرباح بقيمة 12 مليار دولار في الفترة الممتدة من 2022 إلى 2005.

لا مكاسب اقتصادية للجزائر

على الرغم من أن اتفاق الشراكة يُعتبر عامل جذب للاستثمارات الأوروبية المباشرة وزيادة معدل النمو الاقتصادي، غير أن النتائج المحققة اليوم لا ترقى على الاطلاق الى مستوى التعاون والتبادل الثنائي المتوازن وذلك لأسباب عدة، من بينها عدم لعب الطرف الأوروبي دوره المأمول لتشجيع الاستثمارات الإنتاجية المباشرة من خلال أهداف مرحلية وإجرائية يمكن تنفيذها وفق برنامج زمني واضح، وانحسار الاستثمارات الأوروبية المباشرة في قطاع الخدمات المصرفية المالية. كما تتوزع هذه الاستثمارات على الزراعة والاقتصاد الدائري.

مجلس الاتحاد الاوروبي
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يصافح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال خلال اجتماعهما، في 5 سبتمبر 2022

وبحسب وكالة تنمية الاستثمار، تم تسجيل 816 مشروعا استثماريا أجنبيا بقيمة إجمالية بلغت 2,6 تريليون دينار جزائري (نحو 19 مليار دولار)، خلال الفترة الممتدة من 2002 إلى 2019، مما أتاح نحو 132 ألف فرصة عمل مباشرة.

وكان لهذا الاتفاق تداعيات أخرى نذكر من بينها تنامي ظاهرة التهريب بسبب تضخيم فواتير السلع والخدمات، وسبق لوزير التجارة الجزائري الراحل بختي بلعايب أن صرح بأن "قيمة الأموال المهربة سنويا تبلغ 18 مليار دولار على شكل فواتير استيراد مضخمة" أو من طريق صفقات تجارية خارجية مشبوهة خلال فترة حكم الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، لا سيما بين 2009 و2019، تسببت في تحويل مبالغ مالية ضخمة بالعملة الأجنبية نحو الخارج. ولا يزال الكثير من الفضائح عالقا في ذاكرة الجزائريين على غرار الفضيحة التي اهتزت على وقعها البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2018، والتي كان بطلها تاجر استورد حاويات مملوءة بنفايات جلبها من أوروبا في محاولة احتيالية لتهريب العملة.

لم يسوق المنتج الجزائري في الأسواق الخارجية

وأظهر تقييم تنفيذ اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وجود عراقيل تحول دون تسويق المنتج الجزائري في الأسواق الخارجية، بحيث أن القواعد المعمول بها من طرف الأوروبيين تكرس نمط الاستيراد عوض الاقتصاد المنتج، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن في المصالح، وهنا يمكننا الإشارة مثلا إلى حظر استيراد شوكولاتة "المرجان سيبون" التي تصنع في الجزائر بمبرر عدم استيفائها الشروط الصحية.

لم يبن الاتفاق على مبدأ رابح – رابح وقد برز العديد من المؤشرات يؤكد عدم التزام دول المجموعة الأوروبية تحقيق بنود الاتفاق أهمها رفضها نقل التكنولوجيا واستغلال الموارد الطبيعية

أستاذ العلوم الاقتصادية الدكتور الهواري تيغرسي

وعلى الرغم من عدم التزام دول المجموعة الأوروبية تحقيق الأهداف المحددة في المادة الأولى من الاتفاق، لم يخضع لأي عملية مراجعة ثنائية شاملة بل خضع لمراجعة جزئية تتعلق بمخطط التفكيك الجمركي سنة 2010 وتقييم مشترك بطلب من الجزائر في 2015 إضافة إلى تقييم الاتفاقات التجارية التفضيلية سنة 2020.

وخلال هذه الفترة، لوح الاتحاد الأوروبي بالعقوبات من طريق اللجوء إلى التحكيم الدولي، معترضا على قرارات سيادية نفذتها الجزائر منذ عام 2021 تهدف أساسا إلى تنظيم الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي، وتنص المادة الأولى من اتفاق الشراكة على "تطوير المبادلات وضمان علاقات اقتصادية واجتماعية متوازنة بين الأطراف وتحديد شروط مناسبة للتحرير التدريجي لتبادل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال".

وتشمل القرارات التي وصفتها المفوضية الأوروبية بأنها "تقييدية"، نظام تراخيص الاستيراد وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات الأجنبية.

الجزائر 2025 ... قوة في التفاوض

يبدو أن الجزائر تشق طريقها بثبات لتحقيق الفارق الإيجابي في المفاوضات، مستندة في ذلك الى مجموعة من المكاسب السياسية والمالية والمنجزات الاستراتيجية التي حققتها وجعلت منها قوة قارية وعربية. ويقول في هذا المضمار أستاذ العلوم الاقتصادية الدكتور الهواري تيغرسي لـ"المجلة" إن "الظروف التي كانت سائدة خلال انطلاق مشاورات إبرام الاتفاق في نهاية تسعينات القرن الماضي كانت صعبة للغاية، ولذلك لم يبن الاتفاق على مبدأ رابح – رابح وقد برز العديد من المؤشرات يؤكد عدم التزام دول المجموعة الأوروبية تحقيق بنود الاتفاق أهمها رفضها نقل التكنولوجيا واستغلال الموارد الطبيعية. كذلك نجد أن حرية حركة رؤوس الأموال لم ترق الى مستوى التعاون المتوازن".

لذلك، من المهم التأكيد أن الجزائر اليوم ليست شبيهة بالأمس سواء  لجهة القرار السياسي أو من حيث مكانتها المتقدمة في قطاع الطاقة، بصفتها شريكا موثوقا به ورئيسا للقارة الأوروبية في هذا القطاع، مدعومة بالجهود الاستكشافية والإنتاجية المتصاعدة للشركة النفطية "سوناطراك"، مما جعلها قبلة للزعماء الأوروبيين بحثا عن تأمين مصادر الطاقة. وكشفت بيانات حديثة نشرتها وكالة الإحصاءات الأوروبية "يوروستات" أن الجزائر تفوقت على روسيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مجال تصدير الطاقة لتصبح بذلك المورد الرئيس للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي. ووفقا للأرقام التي قدمتها الوكالة، فقد بلغت حصة الجزائر في واردات الغاز الأوروبية 21,6 في المئة خلال الشهر المذكور، وارتفعت من 1,1 مليار يورو في سبتمبر/أيلول إلى 1,3 مليار يورو في أكتوبر/تشرين الأول من السنة الجارية.

الجزائر لاعب أساس في تصدير الغاز الى أوروبا

وقبل اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية في 24 فبراير/شباط 2022، كانت الجزائر تعد ثالث مورد للغاز لأوروبا، لكنها أصبحت اليوم "لاعبا أساسيا" ضمن كبار مصدري الطاقة إلى القارة الأوروبية التي زادت تبعيتها للغاز بشكل ملحوظ، ومن المرتقب أن تصل إلى نحو 85 في المئة بحلول عام 2030 بحسب خبراء دوليين في الطاقة.

التوجه نحو وقف العمل بالاتفاق وإعادة صياغته بشكل كامل ووفقا للتطورات الحالية، لأن المراجعة الجزئية لا تخدم الجزائر

الدكتور عبد الصمد سعودي، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة المسيلة

ويؤيد تيغرسي في طرحه الخبير الجزائري في المالية والضرائب أبو بكر سلامي، ويقول لـ"المجلة " إن "الجزائر وقعت الاتفاق من موقع ضعف لا قوة إذ كانت تبحث مع انطلاق الألفية الثالثة عن الخروج من الحصار الاقتصادي الذي فُرض عليها بسبب الأزمة الأمنية التي عاشتها في تسعينات القرن الماضي. لكن وبعد تولي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منصبه، تحركت الجزائر على مختلف الأصعدة في سبيل استرجاع التوازن ضمن مبدأ رابح - رابح مستغلة بذلك تغير الوضعية الاقتصادية فضلا عن المواقف الجيوسياسية والديبلوماسية".

وعلى هذا الأساس، عملت الحكومة الجزائرية على تحرير خطة عمل متكاملة للتعاون الثنائي شملت جميع المجالات بهدف تقييم اتفاق الشراكة بندا بندا. فقد تم تشكيل لجنة قطاعية برئاسة وزارة الخارجية الجزائرية باشرت أعمالها بمراجعة هذا الاتفاق نهاية 2022، حيث تم التطرق إلى مراجعة الشق التجاري من خلال دراسة ومراجعة الملاحق والمعلومات الإحصائية حول المبادلات التجارية منذ دخوله حيز التنفيذ بالنسبة للمنتجات الزراعية الغذائية، الصناعية والصيد البحري.

أ.ف.ب
مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي قدري سيمسون وأعضاء وفدها يحضرون اجتماعا مع وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب وأعضاء حكومته، في 10 أكتوبر 2022 في العاصمة الجزائر

لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه بقوة اليوم أيهما أفضل، مراجعة الاتفاقية أم إلغاؤها؟

المرجح بحسب الدكتور عبد الصمد سعودي، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة المسيلة (جنوب العاصمة الجزائرية) التوجه نحو وقف العمل بالاتفاق وإعادة صياغته بشكل كامل ووفقا للتطورات الحالية، لأن المراجعة الجزئية لا تخدم الجزائر. ويقول لـ"المجلة" إنه "ينبغي مراجعة المحاور الأساسية للمنطقة الحرة المتعلقة بحرية حركة السلع وعدم تقييد المنتوجات الجزائرية مثلما حصل مع منتج المرجان، شوكولاتة الطلي التي حققت رواجا كبيرا في الأسواق الأوروبية لا سيما الفرنسية منها وأن لا تبقى حكرا على المحروقات والمنتجات البتروكيماوية".

ويشرح الدكتور سعودي أكثر قائلا إنه "يجب فتح المجال أمام المنتجات الزراعية والمنتجات الصناعية" إذ تشهد صادرات الخضر والفواكه من الجزائر طفرة خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر/تشرين الأول ومارس/ آذار بسبب تراجع الإنتاج في بعض الدول خلال فصل الشتاء كروسيا مثلا.

font change

مقالات ذات صلة