عبّر انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية عن حل ومأزق في الوقت عينه. حل لأن الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية والذي استمر أكثر من سنتين كان علامة على غلبة الانقسام السياسي على الدستور، ولأن انتخاب رئيس يحظى بغطاء عربي ودولي واسع يتيح فرملة الاندفاعة الإسرائيلية نحو التصعيد وصولا ربما إلى تجديد الحرب مع "حزب الله". أي إن انتخاب رئيس في هذه اللحظة يحمي اتفاق وقف إطلاق النار بين "الحزب" وإسرائيل، ويدفع أكثر باتجاه تنفيذه، باعتبار أن "شرعية" الرئيس الدولية والعربية تؤمن ضمانة أكبر لهذا الاتفاق وتجعل الانقلاب عليه بمثابة تحد صريح للغطاء العربي والدولي للرئيس.
لكن في الوقت عينه فإن انتخاب قائد للجيش رئيسا للجمهورية هو كما في كل مرة تعبير عن مأزق سياسي. فأن يكون قائد الجيش الخيار الوحيد لانتخاب رئيس للجمهورية فهذا دليل على المدى الذي بلغته أزمة السياسة في لبنان بعدما فقد الانقسام السياسي أي خاصية ديمقراطية وتحول بالتالي إلى معطل لانتظام المرفق العام بدءا من رئاسة الجمهورية.
طبعا قيل وسيقال إن "حزب الله" كان المانع أمام انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري المحدد، لكن في الواقع إن فهم قدرة "الحزب" على تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية يحتاج إلى فهم أعمق لتردي الحياة السياسية في لبنان بحيث أصبحت عملية تحايل بتحايل على اللغة والدستور والجمهور. حتى أن التوافق السياسي لانتخاب رئيس الجمهورية صوّر كما لو أنه قيمة أعلى من الدستور، في حين أن هذا التوافق عينه لم يكن سوى أداة تعطيل وعرقلة بهدف إخضاع العملية السياسية ضمن المؤسسات الدستورية لحجة الفريق السياسي الأقوى خارج هذه المؤسسات من خلال أدواته العسكرية والأمنية.
وقد بلغ سوء الممارسة السياسية حدا جعل الضغط الخارجي لانتخاب رئيس جديد مبررا بل وضروريا، فلولاه لما توصل البرلمان إلى انتخابه، أيا تكن المخارج التي اجترحتها القوى السياسية للظهور بمظهر من يضع شروطا على هذا الضغط ولا يقبل به كما هو.
وهو ما يدفع إلى تفكيك مفهوم السيادة الذي تعبر عنه القوى السياسية على اعتبار أن ممارساتها التعطيلية هي ما يستدعي تدخل الخارج في العملية السياسية في اللحظة التي يشعر فيها هذا الخارج أنّ الستاتيكو القائم أصبح يشكل خطرا على مصالحه. لكن وإن كان الدفع الخارجي لانتخاب رئيس جديد قد أسقط ديناميات الإخضاع الداخلية، فإن هذا المكسب قد يتبدد بسرعة إن لم يعاد الاعتبار للمصالح الوطنية في ظل العهد الجديد وبدفع منه.