انخرطت إيران وإسرائيل، طيلة عقود، في حرب خفية مديدة، تميزت بعمليات سرية وصراعات بالوكالة واتخاذ مواقف تتصف بتهديد استراتيجي. إلا أن ديناميات الصراع بينهما تغيرت إلى حد كبير عام 2024، مع تصاعد الأحداث من المناوشات الخفية إلى المواجهات المباشرة. ومع بداية عام 2025، تلوح نذر اندلاع حرب شاملة بينهما على نحو أكبر من أي وقت مضى.
بدأ هذا التصعيد بسلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا، بينها ذلك الهجوم الكبير على القنصلية الإيرانية في دمشق. وردت إيران بإطلاق وابل هائل من الصواريخ الباليستية على إسرائيل. وأطلق ذلك دورة من الضربات المتبادلة، مما حول حرب الظل الطويلة الأمد بينهما إلى مواجهة أكثر علنية وأشد خطورة.
وجاءت الأحداث اللاحقة لتزيد من التوترات بينهما. فالضربة الإسرائيلية المحدودة للبنية التحتية العسكرية في أصفهان، المدينة الإيرانية المهمة، تلاها مقتل زعيم "حماس" إسماعيل هنية في طهران، وهي العملية التي نسبت على نطاق واسع إلى القوات الإسرائيلية. فردت إيران التي أغضبها مقتل هنية على أراضيها وعدته إهانة لها، بموجة أخرى من الصواريخ الباليستية استهدفت بها الأراضي الإسرائيلية. وردا على ذلك، شنت إسرائيل هجوما واسعا ومكثفا على المنشآت العسكرية الإيرانية. وهكذا سعى كل جانب إلى تأكيد هيمنته، الأمر الذي دفع الصراع قريبا من هاوية خطيرة.
الصمت الإيراني المحسوب: استراتيجي أم غير مستدام؟
امتنعت إيران عن الرد على الضربات الإسرائيلية الأخيرة، على الرغم من خطابها العدواني، وظلت صامتة على نحو واضح أكثر من شهر. إلا أن ضبط النفس هذا، حتى لو فاجأ الكثيرين، يعكس تحديات متعددة الأوجه تواجهه إيران على جبهات عدة.
فعلى الصعيد الاقتصادي، تترنح إيران تحت وطأة تحديات اقتصادية عميقة، فاقمت من ثقلها سنوات من الضغوط المحلية والدولية. فقد قيد التأثير المعوق للعقوبات الدولية قدرة إيران على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية. وهذه العقوبات مقرونة مع سوء الإدارة الداخلية المزمن والفساد المستشري، تركت الاقتصاد الإيراني في حالة من الانهيار الوشيك. إذ ارتفع معدل التضخم إلى مستويات مذهلة، مفضيا إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين العاديين وتسبب في إثارة الاستياء الشعبي واسع النطاق. كما تهاوت قيمة العملة الإيرانية بحدة مقابل العملات الرئيسة، مما جعل الواردات باهظة الثمن على نحو لا يطاق وفاقم من نقص السلع الأساسية، بما فيها الغذاء والدواء.
إلى ذلك، لا تزال البطالة متفشية ولاسيما في أوساط الشباب، الذين يمثلون نسبة معتبرة من سكان إيران. ولم تؤدِ هذه المشاكل الاقتصادية إلى تقويض قدرة النظام على مواصلة تدخلاته العسكرية المطولة فحسب، بل تهدد أيضا استقراره الداخلي.