سوق العمل في عُمان... ثروة شبابية تتقدمها المرأة

اهتمام واسع بالتنمية البشرية وتوطين العمالة وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة لتوفير الفرص

Shutterstock
Shutterstock
الشابات والشباب العُماني، ثروة السلطنة واقتصادها

سوق العمل في عُمان... ثروة شبابية تتقدمها المرأة

تتسم سلطنة عُمان بتركيبة سكانية متوازنة قياسا بدول أخرى في منطقة الخليج العربي. يقدر عدد سكانها في عام 2024 بنحو 5,4 ملايين نسمة، يشكل العمانيون 57 في المئة منهم بينما يمثل الوافدون 43 في المئة.

يقدر حجم قوة العمل في البلاد بـ2,65 مليون منهم 1,8 مليون من الوافدين، في حين يصل عدد العمانيين في قوة العمل نحو 850 ألفا، أي بنسبة 32 في المئة. تظل هذه النسبة منخفضة لكن الحكومة في عمان تعمل على إنجاز برامج تدريب مكثفة لرفع نسبة العمالة الوطنية في سوق العمل.

الاهتمام بتوطين الوظائف

يعمل 375 ألف عُماني في القطاع العام في حين يعمل 413 ألفا في القطاع الخاص، ويدل ذلك على نمو التوظيف للمواطنين في القطاع الخاص بعدما اتخذت السلطات قرارات بتوطين العديد من الوظائف ومنها وظائف قد لا يشغلها المواطنون في العديد من دول الخليج. تشمل الوظائف المحددة للعاملين سائقي الشاحنات ومديري الاستقبال في الفنادق والفنيين الكهربائيين ومتخصصي التسويق واختصاصيي شبكات نظام المعلومات.

يسود اهتمام بمشاركة المرأة العمانية في النشاط الاقتصادي بعدما ارتفعت المستويات التعليمية بين الإناث وبلغت نسبة المتعلمات نحو 94% وتساهم العمانيات بنسبة 32% في سوق العمل

يسود اهتمام بمشاركة المرأة العمانية في النشاط الاقتصادي بعدما ارتفعت المستويات التعليمية بين الإناث وبلغت نسبة المتعلمات نحو 94 في المئة. وتساهم العُمانيات بنسبة 32 في المئة في سوق العمل. وقد أدى تحديد الوظائف التي لا يشغلها غير العمانيين إلى ارتفاع الطلب على العمالة الوطنية، مما أتاح توظيف المزيد من النساء.

غني عن البيان أن برامج التنمية التي أقدمت عليها عمان منذ بداية عهد النهضة عام 1970، وكذلك نظرا لمحدودية الإيرادات النفطية وأهداف تنويع القاعدة الاقتصادية، دفعت إلى تبني سياسات صارمة في برامج التنمية البشرية والتعليم لتعزيز مساهمة العمالة الوطنية. كذلك اعتمدت الحكومة العمانية برامج متقنة مع منظمة العمل الدولية (ILO) لتطوير التدريب والتأهيل وصياغة سياسات سوق العمل.

ومن هذه البرامج، برامج تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الحاضنات الملائمة لهذه المشاريع، وقد بلغ عدد المشاريع هذه التي تم احتضانها 141,126 مشروعاً في نهاية الربع الثاني من 2024، في حين بلغ عدد الشركات، أو المشروعات الصغيرة 120 ألفا، والمتناهية الصغر 19 ألفا، والمتوسطة 1,100 شركة.

التعليم والتأهيل المهني

يمثل التعليم أهم مرتكزات التنمية البشرية وبذلك يمكن تغذية سوق العمل بكوادر مؤهلة وقادرة على الأداء ورفع مستويات الإنتاجية. ويؤكد سلطان عُمان هيثم بن طارق أهمية التعليم حين يذكر "أن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سيكون من سلم أولوياتنا الوطنية وسنمده بكافة أسباب التمكين، باعتباره الأساس الذي من خلاله سنمكن أبناءنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة". جاء ذلك في خطاب ألقاه يوم 23 فبراير/شباط 2020. يمكن نظام التعليم المهني والتقني في عمان من التحاق الطلبة بعد نهاية السنة العاشرة في نظام التعليم الأساسي. يرتكز هذا النظام التعليمي على اكساب الطلبة المعارف والمهارات بما يؤهلهم للتوظيف في سوق العمل أو الالتحاق بنظام تعليمي أعلى لنيل المزيد من التأهيل المهني. يسعى التعليم المهني لتطوير الحوافز لدى الطلاب للاندماج في برامج التأهيل المهني واحترام الوظائف والحرف التي يطلق عليها وظائف الياقات الزرقاء. غني عن البيان أن توسع نطاق التعليم المهني والتحاق المزيد من الطلبة في أنظمته، يعزز ثقافة مجتمعية تحترم الحرفيين والمهنيين أو ما يسميهم المصريون بـ"الصنايعية". وتوزعت مراكز التعليم والتدريب في مختلف مناطق سلطنة عمان لتمكين أبناء تلك المناطق من الالتحاق بالبرامج المتاحة.

الصلات مع الجوار

تبرز أهمية الوافدين في تشغيل منشآت في قطاعات عديدة، ويحظى العمانيون بعلاقات وطيدة مع الدول المجاورة مثل الهند وإيران. استفاد العمانيون من صلاتهم التاريخية مع الجوار واستقدموا العاملين المهرة منها وتزاوج العمانيون مع أبناء الدول المجاورة واستوعبوا الكثير من المهاجرين. 

Shutterstock
معدل أعمار العمال والعاملات في عمان ما بين 20-40 عاما

منحت هذه التطورات الديمغرافية العمانيين سمات مميزة ومكنتهم من كسب العديد من القدرات المهنية التي صدرها المهاجرون القدامى. يضاف إلى ذلك، موقع عمان الجغرافي على خليج عمان وبحر العرب وقربها من السواحل الأفريقية الشرقية، الذي عزز من قدراتها على تطوير العلاقات التجارية منذ قرون.

لدى عمان حاليا شبكة متكاملة من الموانئ تنتشر على طول السواحل العمانية. ويعتبر ميناء السلطان قابوس في محافظة مسقط أهم الموانئ. يعمل العمانيون في إدارة الموانئ ويستثمرون تأهيلهم المهني من أجل الارتقاء بمساهمة التجارة في النشاط الاقتصادي العام. كما أن الانفتاح البحري لا بد أن يتوافق مع توجهات البلاد من أجل تعزيز السياحة الوطنية.

يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في تقريره لعامي 2023-2024، أن عمان حلت في المركز الـ59 في مؤشر التنمية البشرية على المستوى العالمي، وذلك مستوى مرتفع بحسب البرنامج

"رؤية عمان 2040" المستقبلية

تؤكد "رؤية عمان 2040" أهمية التنمية البشرية وتحسين مستويات الرواتب والأجور وتعزيز دور العمالة الوطنية في سوق العمل. تأتي هذه الأهداف لتعزيز ما أنجزته عمان في مجال التنمية البشرية حتى الآن حيث يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في تقريره لعامي 2023-2024، أن عمان حلت في المركز الـ59 في مؤشر التنمية البشرية على المستوى العالمي، وذلك مستوى مرتفع بموجب أدبيات البرنامج. وقدر البرنامج العمر المتوقع للفرد (Life Expectancy) بـ73,9 سنة. وهناك مؤشرات إيجابية أخرى مثل متوسط العمر في عمان الذي يوازي 29 عاما، بما يعكس شباب السكان وحيوية المجتمع السكاني، ويعني أن التدفق إلى سوق العمل خلال السنوات المقبلة سيبقى إيجابيا ويعزز أهداف "رؤية عمان 2040". كما أن الاهتمام بدور المرأة في سوق العمل وتطور منظومة القيم المجتمعية لا بد أن يكون قد ساهم في إحداث متغيرات في مفاهيم تركيبة الأسرة ودورها في العملية التنموية. 

يمثل تطوير الأنظمة التعليمية وبرامج التنمية البشرية أهم التحديات التي تواجه دول الخليج ومنها عمان. والأخيرة مدعوة لأن تهتم بشدة بتطوير سوق العمل وتعزيز قطاعات اقتصادية تعتمد على العلم والمعرفة من أجل توسيع القاعدة الاقتصادية.

قطاعات تغذي اقتصاد البلاد

تمتلك عمان إمكانات اقتصادية لا بأس بها، فهي بلد منتج للنفط ولكنها ليست من الدول النفطية الرئيسة، حيث تنتج نحو مليون برميل في اليوم وهي تملك مخزونا طبيعيا يقدر بـ5,3 مليارات برميل. لكن هناك إمكانات في مجال الصيد البحري والسياحة والتمور، كما أن البنك الدولي يصنف عمان من الدول المرتفعة الدخل.

أهم ما تملكه عمان هو ثروتها البشرية حيث تمكنت حكومتها من توظيف التعليم والتدريب والارتقاء بمؤهلات المواطنين. هناك سمات ديمغرافية قد تكون إيجابية أو سلبية في المستقبل نظراً لارتفاع معدل النمو السكاني المقدر بـ4,4 في المئة في عام 2024. قد يوفر هذا المعدل خلال العقود المقبلة عمالة وطنية ويمكن من الاستغناء عن العمالة الوافدة تدريجيا، إلا أن معدل البطالة قد يرتفع إذا ما واجهت البلاد مشكلات اقتصادية أو تراجعت الإيرادات السيادية. ويعتبر معدل البطالة حاليا منخفضا ولا يتجاوز 1,6 في المئة من قوة العمل. ولا بد من الحفاظ على الزخم في التوظيف وريادة الأعمال لتوفير فرص العمل.

font change

مقالات ذات صلة