إحسان عبد القدوس... حياة بين السينما والأدب والصحافة

صوت المرأة والأكثر اقتباسا إلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة

Eduardo Ramon Trejo_AlMajalla
Eduardo Ramon Trejo_AlMajalla

إحسان عبد القدوس... حياة بين السينما والأدب والصحافة

الكاتب المصري الراحل إحسان عبد القدوس (1919-1990) إحدى العلامات البارزة في تاريخ السينما المصرية، فهو من أكثر الكتاب الذين اجتذبت عوالمهم السينما والدراما، إن لم يكن أكثرهم على الإطلاق، لا ينافسه في ذلك سوى نجيب محفوظ.

ولد إحسان عبد القدوس في الأول من يناير/ كانون الثاني (1919) ورحل في الثاني عشر من الشهر نفسه قبل 35 عاما عن عمر ناهز السبعين، جمع بين الأدب والصحافة في حصيلة تجاوزت 600 قصة ورواية تم تحويل 10% منها تقريبا إلى أعمال درامية وسينمائية، فضلا عن عدد من المسرحيات والأعمال الإذاعية، حظيت غالبيتها بشعبية وجماهيرية لا تقل عن نجاح رواياته، وذلك على مدار أكثر من ثلاثة عقود منذ فيلمه الأول "الله معنا" (1955) للمخرج أحمد بدرخان. كتب كبار الأدباء السيناريوهات لرواياته مثل يوسف السباعي ونجيب محفوظ في "الطريق المسدود" و"أنا حرة". اشتهرت موضوعاته بجرأة التناول واختراق سقوف المحظورات، حتى أشيع عن فيلم "لا أنام" (1957) أنه أول فيلم يرفع تحذير "للكبار فقط"، الفيلم من بطولة فاتن حمامة ويحيى شاهين وإخراج صلاح أبو سيف، وكتب له السيناريو والحوار الشاعر صالح جودت.

اتبع عبد القدوس منهجا سهلا في السرد، لم يعول كثيرا على البلاغة الروائية أو العوالم المركبة. العالم لديه أحادي المعالم في الغالب، ما نتج منه حالة كبيرة من التفاعل مع الكثير من القراء، خصوصا أنه كان من رواد الكتابة الروائية المسلسلة في حلقات عبر صفحات المجلات أو الجرائد قبل جمعها في كتاب. في إحدى حلقات رواية "لا تطفئ الشمس"، التي كانت تنشر مطلع الستينات في مجلة "صباح الخير"، لجأ عبد القدوس إلى فكرة موت الأخ من أجل التصاعد النفسي والدرامي للأحداث، إلا أن ذلك لم يُرضِ القراء فانهالت الخطابات والرسائل على بريد المجلة تطالب بعودة الأخ وتغيير المسار. قام بدور الأخ الفنان أحمد رمزي في فيلم من بطولة فاتن حمامة وشكري سرحان وإخراج صلاح أبوسيف، وفي عام 2017 اقتبست القصة في مسلسل درامي من إخراج محمد شاكر خضر وبطولة ميرفت أمين ومحمد ممدوح.

"إحسان بيك"... رحلة الريف والمدينة

مع انتهاء العقد الأول من القرن العشرين، انطلقت رحلة هجرة بحرية متجهة من بيروت إلى البرازيل وكان من بين ركابها فتاة يتيمة تدعى روز اليوسف. تعددت الروايات حول قصة قدومها من لبنان، أما المؤكد فأنها لم تكمل تلك الرحلة، إذ فضلت النزول إلى ميناء الإسكندرية لتمكث في مصر، متنقلة بين عالمي المسرح والصحافة حيث كانت من الرواد الأوائل في المجالين. في منتصف عام 1917 وأثناء حفل فني أقامه النادي الأهلي، تعرفت الى الممثل المصري محمد عبد القدوس ولم يمر العام إلا وهما مرتبطان، فنجم عن ذلك ثنائي فني ناجح لم يستمر كثيرا. بعد عامين رزقا بطفلهما الوحيد في ظروف غير عادية، وانفصل الوالدان وفشلت كل المحاولات من إدارة مستشفى "د. سامي" بالقاهرة في العثور على طريق الوالد، الذي كان هائما في المحافظات وراء فنه، وبالتالي أُرسل الطفل إلى جده.

اشتهرت موضوعاته بجرأة التناول واختراق سقوف المحظورات، حتى أشيع عن فيلم "لا أنام" أنه أول فيلم يرفع تحذير "للكبار فقط"

أمضى إحسان سنواته الأولى في كفر ميمونة، بقرية من قرى الريف المصري في منزل جده الشيخ أحمد رضوان وكان من متخرجي الأزهر وأحد رجالات القضاء الشرعي، ثم اتجه إلى المحاماة متخذا من بيته مكتبا لاستقبال القضايا، التي غالبا ما كان يقوم بحلها وديا بين الخصوم قبل أن تصل إلى المحاكم. لذلك لم يكن من الغريب أن يتلقى الحفيد في صغره بعضا من علوم القرآن وحفظه. في الوقت نفسه، عرف إحسان في منزل جده الموسيقى والغناء، فقد كان الشيخ يعقد جلسات أسبوعية –مقتصرة على الرجال- ويوزع على الحضور شراب النعناع، وكان أحد المدعوين في إحدى السهرات، الفنان محمد عثمان الذي أنشد أغنية مطلعها: "يا بتاع النعناع يا منعنع... يا بتاع النعناع يا شيخ أحمد".

وكما عاش عبد القدوس ضيفا على المجتمع الريفي، أصبح الريف أيضا ضيفا على أعماله التي دارت غالبيتها في القاهرة وانحصر معظم الريفيين فيها على الوافدين. لم يمنع هذا من تعلقه ببعض الذكريات والثيمات الريفية وفي مقدمها سبيلة، رفيقة الطفولة في اللعب وركوب الحمير، التي حرص على استدعائها كلما تناول أجواء الريف أو طيفا منها في قصة أو رواية. حينها لا محالة ألا تحضر سبيلة بين الشخصيات، كما أكد في أحد حواراته. وربما كانت مشكلته مع اسمه من أبرز ذكريات طفولته، ورغم ذلك لم يستدعها في أعماله.

رواية "لا أنام"، تأليف إحسان عبد القدوس

في مقال بعنوان "إحسان عبد القدوس بقلمه – الهلال" يقول: "عانيت كثيرا من اسمي، ففي فترة طفولتي كنت كلما تشاجرت مع الأولاد في الشارع يجرون ورائي وهم يرددون البنوته أهو"، وكان الاسم في حينها يقتصر على النساء، وهنا أدرك أن والديه أوقعاه في ورطة لا يعلم كيف يمكن تخطيها باختيارهما العجيب لاسمه، سواء كان سبب الاختيار هو زميلة والدته التي رافقتها في الولادة أو جدته لأبيه وكلتاهما تدعى إحسان، في النهاية خطرت لوالده فكرة للترضية فعكف على كتابة مسرحية بعنوان "إحسان بيك" بطلها –رجل- يدعى إحسان، وقبل أن تخرج المسرحية إلى النور حرص والده على إغراق شوارع القاهرة بحملة إعلانية للمسرحية يتصدرها اسم "إحسان بيك"، في محاولة منه لإشاعة الاسم الجديد في المجتمع القاهري.

الانطلاقة الحقيقية ستأتي عبر والدته السيدة روز اليوسف، سواء من خلال النشأة والتربية أو من طريق اللقب الذي أطلقه عليه بعضهم في بداية عمله بالصحافة، "ابن الست"

يبدو أن الموضوع لم ينته بمسرحية والده، ففي موضع آخر كتب يقول: "عندما بدأت الكتابة ونشرت اسمي في الصحف والمجلات فوجئت برسائل كتب عليها الآنسة إحسان عبد القدوس". كان القدر يخطط لإحسان علاقة خاصة بعالم المرأة الذي سيرتبط باسمه في ما بعد، ربما بدأت بوادر هذه الرابطة مع اسمه الملتبس، إلا أن الانطلاقة الحقيقية ستأتي عبر والدته السيدة روز اليوسف، سواء من خلال النشأة والتربية أو من طريق اللقب الذي أطلقه عليه بعضهم في بداية عمله بالصحافة، "ابن الست".

رجل وثلاث عيون

آمن إحسان عبد القدوس بالمنهج القدري في حياته، فهو لم يخطط منذ البداية ليمتهن الكتابة مثلا، بل أغرم بتصاريف الأقدار وسار وفق تقلبات الأهواء كما يؤكد، وكثيرا ما كانت تحمل هذه التصاريف بعض المفاجآت، على سبيل المثل نجد هذه الأقدار ترسم السيناريو المستقبلي لحياته على غرار عنوان روايته "أنف وثلاث عيون". أما العيون الثلاث التي شكلت وعيه فكانت أمه وعمته إلى جانب المجتمع بعاداته وتقاليده المتفاوتة، لا سيما وقد ترسخت في طفولته صورتان مختلفتان للمرأة: الأولى تمثلها عمته نعمات بأفكارها المتحفظة وعدم تسويغها فكرة الاختلاط بين الرجل والمرأة، يقابلها العالم المنفتح لوالدته وأضلعه الثلاثة، الفن والثقافة والسياسة.  

ملصق فيلم "أنا حره"

لم يكن من الغريب أن تحتفي عوالمه بالمتناقضات التي تشكل وجهي العملة الوجودية للإنسان، كما في روايته الأولي "أنا حرة" التي أخرجها "صلاح أبو سيف" (1959) وذلك من خلال التقابل بين شخصية البطلة أمينة (لبنى عبد العزيز) وجارتها الفرنسية فيكي، على الرغم من أنها شخصية ثانوية كشفت التناقض الصارخ في الوضع المجتمعي للفتاتين. فهناك من تعاني أمام وطأة تقاليد وأعراف صارمة، في حين تنجح الأخرى في فرض ثقافتها بحرية على المجتمع، التي انتقلت معها ومع أسرتها حين قرروا العيش في مصر. ويظهر التشابه بين بطلة الرواية وكاتبها، فكلتاهما نشأ في حي العباسية في كنف العمة، الأمر الذي قد يوضح السبب في الحضور الدائم للكاتب في رواياته، سواء على مستوى الأحداث والمواقف أو الشخصيات، ذكرا أم أنثى.

الفكرة في الأساس هي ما تحرك عبد القدوس، تلي ذلك رحلة البحث عن القالب المناسب. في "أنف وثلاث عيون" من إخراج حسين كمال (1972) يتتبع حالات نسوية مختلفة في ظل بداية عقد الانفتاح وما سينجم عنه من تحولات. ولا تقف الازدواجية عند عبد القدوس على مستوى تناحر أو مواجهة الشخصيات فحسب، بل يتمكن من تقصيها على مستوى الشخص نفسه، على سبيل المثل في فيلم "الخيط الرفيع" للمخرج هنري بركات (1971)، ينشأ الصراع بين منى (فاتن حمامة) وذاتها، حين تجبر على المفاضلة بين مسنّ ينفق عليها وشاب تحبه.

سخر عبد القدوس في أعماله من العادات والتقاليد البالية، كما دعاها، وهي العادات نفسها التي ظلمت أمه في يوم ما بإجبارها على وضع مجتمعي متقلب كان سببا رئيسا في ابتعادها عنه. لم تشفع لها نجوميتها التي اعتزلتها وهي في أوج الشهرة حتى أنهم أطلقوا عليها "سارة برنار الشرق"، كي تبدأ شهرة جديدة في بلاط صاحبة الجلالة وعالم السياسة. أمام شخصية قوية ومختلفة كتلك، لم يكن هناك مفر من تعلق بأمه لا يخلو من مسحة أوديبية –خصوصا مع حالة الفقد- مما جعلها تسيطر بسهولة على لا وعيه، وما يهمنا هو الفني منها تحديدا، حيث مثلت المرأة الشخصية المركزية في غالبية أحداث رواياته وقصصه، متخذا من خلالها ذريعة لمواجهة مجتمعية، خصوصا أن وضع المرأة بمثابة ترمومتر لقياس تطور المجتمعات أو تخلفها.

مثلت المرأة الشخصية المركزية في غالبية أحداث رواياته وقصصه، متخذا من خلالها ذريعة لمواجهة مجتمعية خصوصا أن وضع المرأة بمثابة ترمومتر لقياس تطور المجتمعات

على الرغم من نسبة الحرية التي يتمتع بها عالم عبد القدوس وفكره، فإنه يعد من الكتاب المحافظين، وغالبا ما تنتصر مفاهيم الأسرة والمجتمع في أعماله. على الجانب الشخصي، نلمح عددا من الوجوه المتباينة، فهو دائم الفخر والاعتراف بالدور المفصلي لزوجته لولا التي تكفلت مجريات حياته كافة، ليتفرغ كليا للكتابة، ولكن يبدو أن البعض يفضلونها في الظل. في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي مفيد فوزي يرفض مشاركتها في التصوير، كما رفض تجسيد حياة والدته في عمل درامي، وإن كانت الدوافع مختلفة.

يقول في مقدمة قصة "ونسيت أني امرأة": "كل منا له وجهان... وجه للناس ووجه داخل نفسه والمستحيل هو التوفيق بين الوجهين". انتقلت القصة إلى الشاشة سنة 1994 في فيلم تلفزيوني للمخرج عاطف سالم من بطولة ماجدة وفؤاد المهندس وسمير صبري، سيناريو وحوار عاطف بشاي الذي رحل عن عالمنا قبل شهور. 

ملصق فيلم "الوسادة الخالية"

كاهن في معبد الحب

في منتصف الخمسينات صدرت مجموعته الشهيرة "الوسادة الخالية" عن سلسلة "الكتاب الذهبي"، وما هي إلا أشهر قليلة حتى تناولها على صفحات مجلة "الرسالة" واحد من أمهر وأرهف صناع السرد المصري وهو يحيى حقي الذي أشاد بالمجموعة قائلا: "لو أقيم عندنا معبد للحب لكان الأستاذ إحسان عبد القدوس –رغم شبابه- حفيا بأن يكون كاهنه الأكبر، إليه يصعد بريد القلوب". قبل ذلك بثلاث سنوات تقريبا، حصل عبد القدوس على لقب "الكاتب الأول" من خلال استفتاء شعبي قامت به الجامعة الأميركية، عن أحب الكتاب إلى الجمهور، وهو ما يؤكد كلام حقي في مقاله هذا.

على عكس الحفاوة التي استقبله بها يحيى حقي وكثر غيره، ظهر فريق آخر يستخف به، منهم يوسف إدريس الذي وصف تلك الكتابة بـ "الرواية الصحافية"، لأنها تقوم على حكاية مسلسلة قادرة على جذب انتباه القارئ بقدر كبير من التشويق والإثارة، أضف إلى ذلك النزعة العاطفية الواضحة في أعماله على مستويي الشكل والمضمون. هكذا صبغت رواياته بالرومانسية وبالمشاعر ومن أبرزها مشاعر المراهقة التي أجاد التعبير عنها على الرغم من استهلاله القصة بمقولة صادمة تقول: "في حياة كل منا وهم كبير يسمى الحب الأول..".

لو أقيم عندنا معبد للحب لكان الأستاذ إحسان عبد القدوس –رغم شبابه- حفيا بأن يكون كاهنه الأكبر، إليه يصعد بريد القلوب

يحيى حقي

ومن جانبه، برع صلاح أبو سيف -أكثر مخرجي قصص عبد القدوس- في تجسيد هذا العالم الشاعري في فيلم يعد من أكثر الأيقونات الرومانسية المعبرة عن فترة المراهقة، وتبقى القصة البسيطة والعادية لبطليه صلاح وسميحة (عبد الحليم حافظ ولبنى عبد العزيز) ذات حضور لا ينقطع مع الشباب والمراهقين، خصوصا أن عبد القدوس ومن بعده أبو سيف قد انحازا إلى نهاية تتناسب مع الوعي الجمعي، وذلك بتأكيد فكرة أنه "لا تصدق هذا الوهم... إن حبك الأول هو حبك الأخير".

ملصق فيلم "الوسادة الخالية"

في الصحافة والسياسة

كثيرا ما اعتمد إحسان عبد القدوس في رواياته على مواقف وشخصيات لها جذور حقيقية، لذلك كانت دائما ما تقابل باتهامات عن المقصودين بتلك الشخصيات، كما مثلت الصحافة مصدرا مهما في تجربته، سواء باستلهام قصص القراء مثل "العذراء والشعر الأبيض" (حسين كمال، 1983)، "أنا لا أكذب ولكني أتجمل" (إبراهيم الشقنقيري،1981) وغيرهما، أضف إلى ذلك العديد من الأعمال المأخوذة عن نماذج حقيقية كثيرا ما نقابلها أو نسمع عنها، من بينها: "الراقصة والسياسي" (سمير سيف، 1990)، "يا عزيزي كلنا لصوص" (أحمد يحيى، 1989). وفي الدراما يأتي مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" في مقدمة أعماله الدرامية وأكثرها جماهيرية. انطلق المسلسل للمرة الأولى عام 1995 عبر الأثير الإذاعي، بطولة الفنان فريد شوقي، لينتقل في العام التالي إلى الشاشة من بطولة نور الشريف وإخراج أحمد يحيى.

"العذراء والشعر الأبيض"

في مقال نشر بمجلة "الهلال" (1962) بعنوان "بطلات.. رغم أنف المؤلف"، يقول عبد القدوس: "أنا مقتنع بأن هناك نوعا من الجنون أحب أن أسميه –جنون القراءة- أن تفقد شخصيتك وتعيش في شخصية أخرى، خصوصا قراءة القصص، تساعدك على هذا الجنون لأنها تنقلك من شخصيتك إلى شخصية البطل أو البطلة التي تقرأ عنها". حين أعجبته اللعبة انداح وراءها خالطا الحابل بالنابل في أحيان، أو مدعيا الحكمة والوقار في أحيان أخرى، لكنه يؤكد في مقاله "كلنا مصابون بهذا الجنون، بل أننا لا نقبل على قراءة القصص إلا لأننا نسعى إلى الجنون". من هنا، تبدلت الأدوار وتبادلت داخل وعيه ومزاجه الفني، ليختلط الواقع بالخيال حتى يكمل كل منهما الآخر، ولا يمنع ذلك من بعض التدخلات المباشرة أحيانا، أو الديبلوماسية كما يصفها.

بعد هزيمة 1948 في فلسطين، نشر واحدا من أكبر انفراداته الصحافية حول قضية الأسلحة الفاسدة الشهيرة التي كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش الملك فاروق

في منتصف الأربعينات، عينته والدته رئيسا لتحرير مجلة "روز اليوسف" ليكون بذلك أصغر رؤساء التحرير في تاريخها، إذ لم يتجاوز عمره حينها 26 عاما. وتعتبر هذه الخطوة من أهم المراحل في حياته، من جهة برّأته من تهمة "ابن الست"، ومن جهة أخرى فتحت أمامه بابا لعالم السياسة. كانت البداية مع مقال بعنوان "هذا الرجل يجب أن يذهب"، ينتقد فيه ممارسات المندوب السامي البريطاني في مصر، على أثر ذلك سُجن للمرة الأولى، ليخوض بعدها تجربة الاعتقال مرات عدة. ومن المدهش ألا تتدخل الأم بعلاقاتها السياسية لتجنبه السجن، بل علقت ببساطة "كلّ مسؤول عن تصرفاته"، وهو التعليق نفسه الذي استدعاه عبد القدوس مع ابنه حين سُجن في السبعينات لانضمامه إلى الحركات الإسلامية.

ملصق فيلم "في بيتنا رجل"

بعد هزيمة 1948 في فلسطين، نشر عبد القدوس واحدا من أكبر انفراداته الصحافية حول قضية الأسلحة الفاسدة الشهيرة التي كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش الملك فاروق. كان مؤيدا لـ"الضباط الأحرار"، وربطته بهم صلة وثيقة حتى أن بعض اجتماعات مجلس إدارة الثورة، عقدت في مكتبه بـ"روز اليوسف". وتعتبر قضية اغتيال أمين عثمان(1946) من أشهر الدلائل على أواصر هذه العلاقة، التي اتهمت فيها مجموعة من الأسماء ضمت الرئيس الراحل أنور السادات وحسين توفيق، وقد هرب السادات إلى الأرياف بينما لجأ توفيق –من طريق الضباط الأحرار- إلى الاختباء في منزل عبد القدوس الذي استضافه لفترة، بصحبة ولديه وزوجته.

على هذه الخلفية، بنى عالم قصة "في بيتنا رجل"(1961) التي اقتبسها هنري بركات، بطولة رشدي أباظة وعمر الشريف وزبيدة ثروت، والذي يعد واحدا من أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية. بجانب ذلك تضم القائمة ثلاثة أفلام أخرى لعبد القدوس: "أين عمري" و"أنا حرة" و"إمبراطورية ميم". كان عبد القدوس من المروجين للثورة ومن بعد للمشروع الناصري، وكان أيضا من منتقديها خصوصا في المرحلة الأولى التي كشفت عن تناقض بين المنهج والتطبيق، ما حدا به لكتابة مقالة بعنوان "الجمعية السرية التي تحكم مصر"(1954)، وهو ما نجم عنه الزج به في السجن الحربي ليمكث هذه المرة ثلاثة أشهر في الزنزانة رقم 19.

font change

مقالات ذات صلة