الكاتب المصري الراحل إحسان عبد القدوس (1919-1990) إحدى العلامات البارزة في تاريخ السينما المصرية، فهو من أكثر الكتاب الذين اجتذبت عوالمهم السينما والدراما، إن لم يكن أكثرهم على الإطلاق، لا ينافسه في ذلك سوى نجيب محفوظ.
ولد إحسان عبد القدوس في الأول من يناير/ كانون الثاني (1919) ورحل في الثاني عشر من الشهر نفسه قبل 35 عاما عن عمر ناهز السبعين، جمع بين الأدب والصحافة في حصيلة تجاوزت 600 قصة ورواية تم تحويل 10% منها تقريبا إلى أعمال درامية وسينمائية، فضلا عن عدد من المسرحيات والأعمال الإذاعية، حظيت غالبيتها بشعبية وجماهيرية لا تقل عن نجاح رواياته، وذلك على مدار أكثر من ثلاثة عقود منذ فيلمه الأول "الله معنا" (1955) للمخرج أحمد بدرخان. كتب كبار الأدباء السيناريوهات لرواياته مثل يوسف السباعي ونجيب محفوظ في "الطريق المسدود" و"أنا حرة". اشتهرت موضوعاته بجرأة التناول واختراق سقوف المحظورات، حتى أشيع عن فيلم "لا أنام" (1957) أنه أول فيلم يرفع تحذير "للكبار فقط"، الفيلم من بطولة فاتن حمامة ويحيى شاهين وإخراج صلاح أبو سيف، وكتب له السيناريو والحوار الشاعر صالح جودت.
اتبع عبد القدوس منهجا سهلا في السرد، لم يعول كثيرا على البلاغة الروائية أو العوالم المركبة. العالم لديه أحادي المعالم في الغالب، ما نتج منه حالة كبيرة من التفاعل مع الكثير من القراء، خصوصا أنه كان من رواد الكتابة الروائية المسلسلة في حلقات عبر صفحات المجلات أو الجرائد قبل جمعها في كتاب. في إحدى حلقات رواية "لا تطفئ الشمس"، التي كانت تنشر مطلع الستينات في مجلة "صباح الخير"، لجأ عبد القدوس إلى فكرة موت الأخ من أجل التصاعد النفسي والدرامي للأحداث، إلا أن ذلك لم يُرضِ القراء فانهالت الخطابات والرسائل على بريد المجلة تطالب بعودة الأخ وتغيير المسار. قام بدور الأخ الفنان أحمد رمزي في فيلم من بطولة فاتن حمامة وشكري سرحان وإخراج صلاح أبوسيف، وفي عام 2017 اقتبست القصة في مسلسل درامي من إخراج محمد شاكر خضر وبطولة ميرفت أمين ومحمد ممدوح.
"إحسان بيك"... رحلة الريف والمدينة
مع انتهاء العقد الأول من القرن العشرين، انطلقت رحلة هجرة بحرية متجهة من بيروت إلى البرازيل وكان من بين ركابها فتاة يتيمة تدعى روز اليوسف. تعددت الروايات حول قصة قدومها من لبنان، أما المؤكد فأنها لم تكمل تلك الرحلة، إذ فضلت النزول إلى ميناء الإسكندرية لتمكث في مصر، متنقلة بين عالمي المسرح والصحافة حيث كانت من الرواد الأوائل في المجالين. في منتصف عام 1917 وأثناء حفل فني أقامه النادي الأهلي، تعرفت الى الممثل المصري محمد عبد القدوس ولم يمر العام إلا وهما مرتبطان، فنجم عن ذلك ثنائي فني ناجح لم يستمر كثيرا. بعد عامين رزقا بطفلهما الوحيد في ظروف غير عادية، وانفصل الوالدان وفشلت كل المحاولات من إدارة مستشفى "د. سامي" بالقاهرة في العثور على طريق الوالد، الذي كان هائما في المحافظات وراء فنه، وبالتالي أُرسل الطفل إلى جده.