الرئيس العماد جوزيف عون... هل يستعيد لبنان الثقة؟

يحظى جوزيف عون بدعم دولي وعربي كبير

يسرا نعيم/المجلة
يسرا نعيم/المجلة

الرئيس العماد جوزيف عون... هل يستعيد لبنان الثقة؟

ولد الرئيس العماد جوزيف عون في العاشر من يناير (كانون الثاني) عام 1964، في سن الفيل إحدى ضواحي بيروت، من عائلة مارونية تتحدر من بلدة العيشية في جنوب لبنان. وتابع دراسته في المرحلة الثانوية في مدرسة "مون لا سال" في عين سعادة بجبل لبنان، ثم حصل على إجازة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة اللبنانية الأميركية(LAU) عام 2007. ويتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وهو زوج السيدة نعمت نعمة التي تشغل منصب خبيرة البروتوكول والعلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الأميركية، ولديهما ولدان.

مسيرته العسكرية

تطوع في الجيش عام 1983 بصفة تلميذ ضابط في المدرسة الحربية (أصبحت الكلية الحربية لاحقا)، وتخرج منها عام 1985 ملازما في سلاح المشاة وحاصلا على إجازة في العلوم العسكرية، وحملت دورته اسم دورة شهداء الجيش"، وكانت البلاد حينها لا تزال تشهد على فصول الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975، ودخول الجيش اللبناني في معارك عسكرية ضد الميليشيات المسلحة التي كانت تحاول فرض سيطرتها على الأرض. تابع دورة مغاوير وتسلم مهمة آمر فصيلة في القوات الخاصة فور تخرجه عام 1985، وتدرج في الرتب العسكرية حتى رتبة عماد.

خلال خدمته العسكرية تابع العماد عون في الدول العربية والولايات المتحدة دورات عسكرية متقدمة ومتخصصة في المشاة ومكافحة الإرهاب بين عامي 2008 و2013. وفي عام 2015، عُيّن قائدا للواء المشاة التاسع الذي كان متمركزا على الحدود مع إسرائيل. وكان له دور بارز في تأمين هذه الحدود ودعم الأهالي هناك.

في 8 مارس/آذار 2017، رقي إلى رتبة عماد وتولى قيادة الجيش خلفا للعماد جان قهوجي، وقبل انتهاء ولايته في يناير 2024 لبلوغه السن القانونية لرتبة عماد (60 سنة) مدد له مجلس النواب في ديسمبر/كانون الأول 2023 لسنة إضافية، في ظل توافق سياسي لبناني وتوترات عسكرية كانت تشهدها الحدود اللبنانية–الإسرائيلية في إطار عملية "طوفان الأقصى" وانخراط "حزب الله" في إسناد غزة من لبنان، وانقسام اللبنانيين بين مؤيد لمشاركة "حزب الله" في الحرب ومعارض لها. ثم مدد له مجلس النواب مجددا في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لمدة سنة أخرى.

في 8 مارس 2017، رقي إلى رتبة عماد وتولى قيادة الجيش خلفا للعماد جان قهوجي، وقبل انتهاء ولايته في يناير 2024 لبلوغه السن القانونية مدد له مجلس النواب لسنة إضافية، في ظل توافق سياسي لبناني وتوترات عسكرية كانت تشهدها الحدود اللبنانية–الإسرائيلية

دوره في قيادة الجيش

شهدت فترة قيادة العماد جوزيف عون للجيش اللبناني محطات سياسية وعسكرية مهمة، وربما هي من المحطات الأصعب التي عايشها الجيش، وينسب للعماد عون الفضل في الخروج منها بأقل الأضرار على مستوى الجيش ولبنان.

معركة فجر الجرود (2017)

بعد أشهر قليلة على توليه قيادة الجيش، وتحديدا في أغسطس/آب 2017، شهدت المناطق المحاذية للحدود اللبنانية–السورية اشتباكات بين وحدات الجيش اللبناني والمسلحين المنتمين لتنظيم "داعش"،و"جبهة النصرة" الذين كانوا يتمركزون قرب الحدود، ويقومون بمحاولات توغل إلى القرى اللبنانية القريبة. وأطلق الجيش على تلك العملية اسم "معركة فجر الجرود" نسبة إلى جرود عرسال حيث كان يتحصن هؤلاء المقاتلون. وقاد العماد عون هذه العملية وأشرف عليها بنجاح وسط دعم شعبي ودولي غير مسبوق، ما عزز من رصيديه الوطني والعسكري، وانتهت العملية بتحرير الجرود ووضع حد للتهديدات الإرهابية وانسحاب مقاتلي "داعش" و"النصرة" إلى داخل الأراضي السورية.

خاض الجيش اللبناني معركة "فجر الجرود" بإمكانات بشرية ومادية محدودة، وسقط له الكثير من الشهداء، وتعرضت مواقعه لهجمات متكررة من تنظيم "داعش" في أكثر من منطقة لبنانية، لكنه حافظ على وحدته وتماسكه بفضل حضور العماد عون المباشر ودعمه للوحدات المقاتلة وتأمين التغطية السياسية والشعبية لها. فقد كان حريصا في توجيهاته للعسكريين على أن يحافظوا على حياة المدنيين وعدم التأثر بالمناخات الطائفية.

أ.ب
جوزيف عون عند دخوله إلى مجلس النواب بعد إعلان انتخابه رئيسا للجمهورية

الأزمة الاقتصادية

اعتبارا من خريف عام 2019 تعرض لبنان لأزمة اقتصادية حادة تركت تداعيات سلبية على كافة القطاعات الإنتاجية في لبنان، وأدت إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وتراجع القيمة الشرائية لرواتب القطاع العام، ومن ضمنهم العسكريون البالغ عددهم نحو 80 ألف عسكري، ولكن العماد جوزيف عون نجح في التكيف مع الأزمة وحافظ على استمرار عمل المؤسسة العسكرية وتماسكها رغم كل هذه التحديات، وسعى إلى تأمين مساعدات مالية من الخارج لتحسين أوضاع العسكريين وتسيير أمور الجيش على كامل الأراضي اللبنانية، بعد تعذر تقديم هذا الدعم من الحكومة اللبنانية بسبب العجز المالي الذي أصاب ماليتها العامة، ورغم إعلان العماد عون أكثر من مرة عن قلقه من تأثير الأزمة الاقتصادية على دور الجيش، والتي بلغت أشدها في مطلع عام 2021 عندها أطلق في مارس من العام نفسه تحذيره للسياسيين من استمرار الأوضاع وتداعياتها على المؤسسة العسكرية تحديدا وعلى لبنان ككل.

كما تمكن بفضل الثقة الدولية التي يتمتع بها من تأمين دعم دولي للجيش بقيمة 200 مليون دولار في المؤتمر الدولي الذي عقد في باريس في أكتوبر/تشرين الأول 2014 خصوصا لدعم الجيش.

اعتبارا من خريف 2019 تعرض لبنان لأزمة اقتصادية حادة تركت تداعيات سلبية على كافة القطاعات الإنتاجية في لبنان، وأدت إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وتراجع القيمة الشرائية لرواتب القطاع العام، ومن ضمنهم العسكريون البالغ عددهم نحو 80 ألف عسكري

التعامل مع الاحتجاجات الشعبية

بموازاة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان عام 2019 اندلعت احتجاجات شعبية، وعمت المظاهرات معظم المناطق اللبنانية، وبدأت الخشية من توترات أمنية قد تؤدي إلى فوضى شاملة. وكان على الجيش، الذي يعاني أصلا من تداعيات هذه الأزمة، أن يضمن حرية التعبير ويحمي المتظاهرين، ولم يلجأ إلى استخدام القوة المفرطة ضدهم، حتى عندما كانوا يقطعون الطرق المؤدية للقصر الجمهوري، أو كانوا ينددون بسياسة رئيس الجمهورية والأطراف السياسية الأخرى، بل قام بحمايتهم، ولم يتدخل إلا عندما كانت الممتلكات الخاصة والعامة تتعرض للتخريب. ما أثار حفيظة "التيار الوطني الحر" على قائد الجيش واتهمه بالتقصير لعدم صد المتظاهرين. ومنذ ذلك الوقت ساءت العلاقة بين الطرفين واستمرت حتى جلسة الانتخاب في 9 يناير 2025 عندما لم يقترع نواب التيار لصالح العماد عون للرئاسة.

وخلال تولي العماد عون قيادة الجيش استمرت تداعيات الحرب السورية على لبنان من خلال أزمة النزوح وانعكاساتها الاجتماعية والأمنية على الساحة اللبنانية، مع ما يتطلبه ذلك من إجراءات أمنية لضبط الأمن مع الحفاظ على سلامة النازحين وكراماتهم حيث كان العماد عون حريصا على ترجمتها في توجيهاته للعسكريين وهي الفصل بين المرتكب وغير المرتكب. واتبع العماد عون سياسة تنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لتأمين الحدود والعمل على مواجهة أي تهديد أمني على صلة بحركة النازحين عبر الحدود.

وإثر انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 أشرف العماد عون شخصيا على عمليات الإنقاذ والإغاثة، وأمر بالتدخل الفوري المباشر لوحدات الجيش لمساعدة المواطنين المتضررين وتقديم الدعم ورفع الأنقاض.

العماد جوزيف عون رئيسا

منذ انتهاء عهد الرئيس ميشال عون قبل عامين ونصف لم يتمكن السياسيون اللبنانيون من التوافق على رئيس يملأ الفراغ الرئاسي، ونتيجة لهذا العجز برز اسم العماد جوزيف عون كمرشح توافقي مع طرح أسماء مرشحين آخرين. لكن العماد عون كان المرشح الوحيد الذي يحظى بدعم دولي وعربي بسبب أدائه في قيادة الجيش في ظل الظروف السياسية والأمنية التي حصلت في لبنان، وبسبب الثقة التي أولاه إياها المجتمع الدولي نتيجة إدارته للمساعدات المالية التي قدمت للجيش وحفاظه على وحدة المؤسسة رغم الصعاب، كما رشحته قوى سياسية لبنانية، وشريحة واسعة من اللبنانيين تريد الخروج من دوامة الفراغ الرئاسي بعد أن فقدت الأمل من خيارات القوى السياسية التي أوقعت البلاد في الكثير من الأزمات.

في التاسع من يناير 2025 تم انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وهو خامس قائد للجيش يتولى هذا المنصب بعد فؤاد شهاب، وإميل لحود، وميشال سليمان، وميشال عون. وبدا واضحا أن توافقا سياسيا وضغوطا عربية ودولية مورست باتجاه انتخابه لبدء مرحلة جديدة تأخذ في الاعتبار التطورات المتسارعة التي حصلت في لبنان والمنطقة، وإعادة الأمل إلى اللبنانيين ببناء دولة مستقرة وآمنة.

أطلق الرئيس العماد جوزيف عون في خطاب القسم وعودا طالما انتظرها اللبنانيون، وفقدوا الأمل في تحقيقها، وفي مقدمتها إعادة الثقة بلبنان ودوره وتفعليه عربيا ودوليا، وبناء الاقتصاد اللبناني، وتأمين المساعدات المالية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وحصر السلاح بيد الدولة والشروع في مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، ومتابعة تنفيذ القرار 1701، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية والقضائية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة ونشر الجيش اللبناني. وهذه تحديات تفترض وجود حكومة قوية وقادرة على تنفيذ هذه الرؤية بعيدا عن الاصطفافات والمناكفات السياسية والمصالح الشخصية والحزبية.

وبدا واضحا أن توافقا سياسيا وضغوطا عربية ودولية مورست باتجاه انتخابه لبدء مرحلة جديدة تأخذ في الاعتبار التطورات المتسارعة التي حصلت في لبنان والمنطقة

صفاته الشخصية

لا يمتلك العماد جوزيف عون خبرة سياسية نتيجة عدم ممارسته النشاط السياسي، فهو الخارج من حياة عسكرية امتدت 42 سنة طبعت حياته بالجدية وتحمل المسؤولية، لكن وجوده على رأس المؤسسة العسكرية في ظل الفراغ الرئاسي والتطورات السياسية والأمنية التي شهدها لبنان، أكسبه خبرة في التعاطي مع الأزمات والظروف الصعبة، ومكنه من بناء شبكة علاقات عربية ودولية عززت من حظوظه للرئاسة، لدرجة أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قال قبل 24 ساعة من جلسة الانتخاب: "جوزيف عون أو لا أحد"، كإشارة إلى حجم الدعم الدولي له.

أ.ب
السيدة الأولى نعمت عون في قصر بعبدا

وخلال توليه قيادة الجيش كان العماد جوزيف عون وعائلته بعيدين عن الأضواء والمظاهر الاجتماعية، قليل الكلام، يعرف بهدوئه، مستمع جيد، لم تحاك حوله أية شبهات تتصل بإدارة المال العام أو تقديم الخدمات وفقا للمحسوبيات السياسية والطائفية وهو ما لم تعتد عليه القوى السياسية التي وقف على مسافة واحدة منها، ويردد اللبنانيون عند ذكر اسمه أنه "رجل نزيه"، وينظر إليه داخل المؤسسة العسكرية على أنه "مخلص يدافع عن المصلحة الوطنية، ومدافع عن الجيش وحياديته، وحريص على إبعاده عن التجاذبات السياسية والطائفية، وهذا سر بقاء الجيش".

font change

مقالات ذات صلة