بعد سقوط النظام السوري، وأفول حكم آل الأسد عن سوريا، برزت التساؤلات حيال مصير الاتفاقات المعقودة بين الدولتين اللبنانية والسورية وعددها 42 اتفاقا، فيما اقترح العديد من المعنيين، ومنهم "الهيئات الاقتصادية اللبنانية"، التي تضم غرف التجارة والصناعة وجمعيات الصناعيين والتجار والمصارف والتأمين وغيرها، الى "مراجعة كل الاتفاقات، بما في ذلك البروتوكولات والمذكرات والبرامج والعقود الموقعة بين البلدين، وذلك بما يحقق مصلحة لبنان بشكل متوازن وسليم على كل الصعد ولا سيما الاقتصادية والتجارية".
بعدما استكمل آل الأسد إطباق سيطرتهم على لبنان عام 1990، وتحكمهم، عبر أدواتهم اللبنانية في السلطة حينذاك، بجميع مفاصل الدولة اللبنانية السياسية والأمنية والاقتصادية، بدأت محاولاتهم الحثيثة لتثبيت مصالحهم، وتكبيل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان بمجموعة اتفاقات ومعاهدات، "تؤبد" وصايتهم عليه، ومرجعيتهم لقراراته الداخلية ومواقفه في السياسة الخارجية وفي شتى المجالات.
فتحت مسمى "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" الشهيرة، وقع الرئيسان الراحلان اللبناني الياس الهراوي والسوري حافظ الأسد، في 22 مايو/أيار 1991 معاهدة جعلت القرار اللبناني السياسي والأمني في حالة استتباع شبه كلي للحكم السوري ومصالحه. حتى بات فوز مختار أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وما بينهما من تشكيل حكومات ومجالس نيابية، وإقرار قوانين وترقيات، لا يحتاج أكثر من كلمة "أمر" تأتي بعباءة "تمنّ" من الشام، لتسير الأمور وفق المشتهى.
"المجلس الأعلى" لزوم ما لا يلزم
وقد انبثق عن المعاهدة اطار تنسيقي سمي "المجلس الأعلى اللبناني السوري"، عين له أمينا عاما لمتابعة مجمل شؤون العلاقات اللبنانية السورية. بيد أن دور المجلس ووظيفته سقطا، وأصبح وجوده "لزوم ما لا يلزم" بعد تبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلدين وفتح السفارات.
كذلك، شملت المعاهدة كل المجالات الاقتصادية والأمنية والدفاعية وغيرها، لم يأتِ أي منها بالفائدة والنفع على اللبنانيين، لا بل تضاربت مضامين الاتفاقات والبروتوكولات الجانبية، والمراسيم التنفيذية، مع الدستور اللبناني، والقوانين المرعية في لبنان، وخصوصا في مجالات القضاء والأمن والإعلام. ناهيك عن قطاع العمالة التي مالت الدفة فيه لصالح السوريين بقوة، فتدفق مئات الآلاف للعمل في مختلف الميادين والوظائف، دون الحصول على أي إجازات عمل، أو التراخيص القانونية المطلوبة لمزاولة الأعمال التجارية والصناعية، متكئين على الدعم الأمني الذي وفره وجود 50 ألف جندي سوري على الأراضي اللبنانية.