تشكلت الحركة النسائية في سوريا في ظل الانتداب الفرنسي (1920-1946) كقوة سياسية مستقلة وأصلية، وساهمت النساء في إعادة تعريف الثقافة السياسية في سوريا، وكانت لهن الريادة في التعبئة الاجتماعية والشعبية من أجل المطالبة بالإصلاحات على مستويات عدة. صارت مطالبهن الاجتماعية مركزية في الساحة السياسية. حتى عام 1946، ساهمن في تحسين الحالة المعيشية والاجتماعية والحقوقية إلى حد ما، وتقول الكاتبة إليزابيث طومسون في بحثها المعنون "الحركة النسائية وصعود دولة الرفاهية الاستعمارية في سوريا (1920-1946)" إن مطالبات النساء كانت تدور حول تحقيق "دولة الرفاهية" في سوريا أسوة بما يتمتع به المواطنون الأوروبيون في دولهم، وتضمن الحقوق القانونية الأساسية للعمال والنساء والأسر.
في 24 يوليو/ تموز 1920 قادت امرأة شابة بلباس عسكري كتيبة من ممرضات "الجيش العربي" في ساحة المعركة في ميسلون غرب دمشق، وكانت هزيمة العرب في ذلك اليوم بمثابة نهاية للمملكة العربية السورية التي أسسها الملك فيصل بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في أكتوبر/ تشرين الأول 1918. هذه الشابة هي نازك العابد (1887 – 1959) التي يمكن تعريفها بأنها رائدة في النضال من أجل الاستقلال وحقوق المرأة، بشكل خاص، وحقوق المواطنة بشكل عام.
لكن عابد التي دعمت جهود فيصل لتحديث المجتمع العربي، تعهدت بمواصلة النضال من أجل المساواة في الحقوق لجميع المواطنين، رجالا ونساء. واستمر نضالها مع نساء عديدات، خلال الانتداب السوري الذي عهدت به عصبة الأمم إلى فرنسا (1920-1946)، واستطعن بناء حركة نسائية ذات دور سياسي ملحوظ، وساهمت هذه الحركة في تغيير الثقافة السياسية السورية.
كانت السياسة قبل الانتداب الفرنسي في 1920 في أيدي نخبة ذكورية، وكانت الإصلاحات الاجتماعية مسؤولية الدولة العثمانية ثم الفيصلية بشكل أساسي. وخلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، مارست الحركات الشعبية ضغوطا على الدولة الانتدابية ثم المستقلة للحصول على الإصلاحات. فكيف تمكنت الحركة النسائية من لعب مثل هذا الدور في الحياة السياسية السورية؟
مدارس وجمعيات
ولدت الجمعيات الخيرية السورية في نهاية القرن التاسع عشر أسوة بالحركة التبشيرية المسيحية التي رعتها بعض الدول الغربية، أنشأت الجمعيات النسائية مدارس للفتيات في دمشق ومدن سورية أخرى. كان هدفها تحسين أوضاع الفقراء وتعزيز التقدم الاجتماعي بروح إصلاحات الدولة العثمانية.