بعد أكثر من 4 سنوات من الضياع وتصدع مؤسسات الحكم والدولة وفراغها في لبنان، تمكن الإيحاء العربي والدولي من حمل معظم الكتل النيابية المتنابذة في البرلمان اللبناني على انتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيسا جديدا للجمهورية. فبعد جلسة أولى صباحية لم ينل فيها جوزف عون الأصوات النيابية المطلوبة دستوريا لفوزه (86 صوتا)، نال 99 صوتا في الجلسة الثانية التي عقدت بعد ظهر النهار نفسه.
وهكذا صار جوزف عون الرئيس الـ14 للجمهورية اللبنانية، وخامس قائد جيش يصل إلى سدة الرئاسة، وقائد الجيش الرابع الذي يصبح رئيسا، على التوالي. وذلك بعد إميل لحود وميشال سليمان وميشال عون. وكل واحد من هؤلاء غادر القصر الجمهوري خلال أزمات سياسية وأمنية وخلف فراغا رئاسيا. وآخرها ما تركه ميشال عون من إفلاس مالي وانهيار اقتصادي وفراغ رئاسي استمر أكثر من سنتين.
باسيل و"الثنائي الشيعي"
لم ينتخب الرئيس الجديد أمس في الجلسة الأولى، بسبب امتناع 3 كتل نيابية عن التصويت له: كتلتا نواب "الثنائي الشيعي-حركة أمل وحزب الله"، وكتلة نواب "التيار الوطني الحر" التي أسسها رئيس الجمهورية الأسبق ميشال عون، ويرأسها صهره النائب جبران باسيل. وفي امتناعه هذا وتصويته بأوراق بيضاء في الجلسة الأولى- قبل تخليه عن ذلك في الجلسة الثانية- أراد "الثنائي الشيعي" أن يظهر للقوى الدولية والعربية دوره الراجح في إنجاح الاستحقاق الرئاسي وانتخاب قائد الجيش رئيسا. أما تكتل جبران باسيل النيابي، فأصر نوابه في الجلستين على عدم انتخاب جوزف عون، وكتبوا "السيادة الدستور" على الأوراق التي وضعوها في صندوق الاقتراع، فاعتبرت ملغاة.
وبهذا حفظ "الثنائي الشيعي" لنفسه بدور ما في "إعادة تكوين السلطة" اللبنانبة وتوزيع مناصبها ومغانمها، بعد انتخاب الرئيس الجديد. هذا فيما أصر باسيل وتكتله النيابي على الخروج من هذه العملية أو البقاء على هامشها. وذلك لأن صهر الجنرال ميشال عون رئيس الجمهورية الأسبق، يعلم أن الرئيس الجديد المنتخب الآتي من قيادة الجيش، سوف تلتف حوله في الوسط المسيحي عائلات العسكريين وسواها من جمهور "التيار الوطني الحر" الذي والى العماد ميشال عون وصهره ووريثه جبران باسيل الذي فضل البقاء في صف معارضة العهد الرئاسي الجديد.
وهناك سابقة قديمة في لبنان للحال "العونية-الباسيلية" هذه: فبعد انتهاء عهد كميل شمعون الرئاسي في عام 1958، استبعدَ قائد الجيش فؤاد شهاب، المنتخب رئيسا جديدا للجمهورية، "الشمعونية السياسية" من تركيب السلطة الشهابية الجديدة آنذاك، وهمشها تهميشا كاملا. ومن ثم اتخذ شهاب من "حزب الكتائب اللبنانية" قاعدة لحكمه في الوسط المسيحي.