لطالما سمعنا عن وصف السياسي الإيراني بأنه صانع سجاد، وهي مقاربة للحرفية العالية في الصنعة والدقة في نسج الخيوط والصبر الطويل حتى تخرج السجادة مثل لوحة فنية. وهذا التوصيف رسم في مُخيلتنا الاحترافية السياسية العالية لصانع القرار الإيراني في تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية. ومنذ غياب فاعلية دور العراق في الساحة الإقليمية، بعد حماقة صدام حسين بدخول الكويت والخروج منها منهزما عسكريا ومدمرا اقتصاديا، بدأت إيران تتغلغل وتحيك خيوط سجادة نفوذها في المنطقة. وكانت أكثر الدول استفادة وحضورا في المشهد العراقي بعد سقوط نظام صدام، لتفرض سطوتها فعلياً على العراق.
كانت استراتيجية إيران تجاه بلدان المنطقة العربية "تصدير الثورة" وفق مبدأ تشكيل "محور المقاومة". ويكون النفوذ الإيراني بعنوان "محور شيعي" ممتدا من العراق مرورا بسوريا وصولا إلى لبنان ووسع نفوذه إلى فصائل المقاومة الإسلامية في فلسطين، ويتجه جنوبا نحو اليمن. ووظيفة المحور هي ضمان عدم خوض المواجهات المباشرة مع من تصنفهم طهران كأعداء.
وعلى مدى ثلاثة عقود، نجحت إيران في فرض نفوذها على تلك البلدان، وبدأت تعلن بصراحة سيطرتها على أربع عواصم عربية، وهذا ما أعلنه في 2015 حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيرانية السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد، بقوله: "إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية"، وذلك ردا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكذلك كانت تصريحات مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي التي عد فيها العراق "عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة". وفي 2022 تفاخر المرشد الإيراني علي خامنئي بأن "سياستنا الفاعلة في لبنان والعراق وسوريا نجحت في إفشال مخطط أميركا".
لم يكن في مخيلة صانع القرار الإيراني، أن لحظة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي ابتهج بها وعدها نقلة نوعية في الحرب ضد إسرائيل. وكما وصفها "المرشد الأعلى" الإيراني علي خامنئي بالضرورية للمنطقة، إذ "أفشلت محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني وسيطرته على المنطقة". ولكن بالنتيجة النهائية كان "طوفان الأقصى" بداية لإعلان إسرائيل الحرب ضد نفوذ إيران في المنطقة. التي بدأت بفتح جبهة الحرب ضد "حزب الله" في لبنان، واستهداف قياداته وعلى رأسهم حسن نصرالله، وقيادات الخط الأول والثاني، وتوجيه ضربات نحو ترسانة "حزب الله" العسكرية، بهدف تقليص قوته وإضعاف تهديده ضد شمال فلسطين. وتنتهي بالاتفاق على وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، والعودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701.