أودور آفا أولافدوتير لـ "المجلة": مهمتي ترتيب فوضى العالم

ترى في الكتابة رحلة لتجديد الذات

Leonardo Cendamo/Getty Images
Leonardo Cendamo/Getty Images
الكاتبة أودور آفا أولافسدوتير

أودور آفا أولافدوتير لـ "المجلة": مهمتي ترتيب فوضى العالم

ولدت الكاتبة أودور آفا أولافسدوتير في أيسلندا عام 1958، ودرست تاريخ الفن في جامعة السوربون بباريس. ثم درّست تاريخ الفن في جامعة أيسلندا قبل أن تتفرغ كليا للكتابة. بدأت مسيرتها الأدبية بنشر روايتها الأولى "الأرض المرتفعة" عام 1998. صدر لها عشر روايات ترجمت ثلاث منها للغة العربية "فندق الصمت" والتي حصلت على "جائزة مجلس الأدب الشمالي" عام 2018، و"الكلمة الأجمل" و"أمطار الخريف". فازت روايتها "الدفيئة" بجوائز عدة. تشتهر كتابات أودور باستكشافها العميق للعلاقات الإنسانية والطبيعة والتحول الشخصي. وغالبا ما تتميز رواياتها بالكوميديا السوداء والمنظور المختلف لتعقيدات الحياة. هنا حوار "المجلة" معها.

ذكرت ذات مرة أن اهتمامك باللغات يعود إلى أنك تكتبين بلغة لا يفهمها الكثير من الناس، إلى أي مدى تهتمين بطرح سؤال الهوية واللغة في كتاباتك؟

بدأ اهتمامي باللغات الأجنبية في الخامسة من عمري وأدركت أنني أتحدث لغة أقلية. يمكنك القول إنني أكتب بلغة لا يفهمها أحد. فآيسلندا أصغر مجتمع لغوي بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويبلغ عدد سكانها 350.000 نسمة. الفضول يمثل جزءا كبيرا من شخصيتي، لذا أصبح تعلم لغات أخرى في سن مبكرة شيئا أمرا حيويا، لأني فهمت أنه سيكون بمثابة باب مفتوح على الآخرين، نحو الثقافات الأخرى، لفهم طرق أخرى للتفكير وطرق أخرى لرؤية العالم. الأيسلندية هي اللغة الوحيدة في معرفتي التي تستخدم كلمتين ذات جذرين مشتركين للتحدث عن الوطن والعالم heima وheimur . وهذا يعني أن العالم هو وطننا. كما أنها جزء مهم من هوية الأشخاص المولودين في الجزر الذين يذهبون بعيدا.

الهدف دائما هو العودة وأن أكون إنسانة مختلفة. كانت اللغات الأجنبية الأولى التي تعلمتها هي الدنماركية والإنكليزية، ثم الألمانية والفرنسية وأيضا القليل من الإسبانية في المدرسة الثانوية. اشتريت جهاز لينغوافون لتعلم اللغة الإيطالية عندما كنت في السابعة عشرة لأنني اعتبرتها لغة جميلة. على مر السنين رغبت في تعلم اللغة العربية، ولكن الوقت يمر وأنا مشغولة بالكتابة خلال العشرين عاما الماضية.

اللغات أداة قوية، لكنها للأسف لا تستخدم لبناء الجسور بين الناس وفهم الآخرين، بل لاكتساب القوة وتبريرها

درست تاريخ الفن في باريس وعشت هناك لفترة ثم حدث أمر غريب: بينما أفكر باللغة الفرنسية بدأت أرى لغتي الأم، الأيسلندية، لغة غريبة وقديمة كأنها لغة أجنبية. وكانت تلك هي اللحظة التي أدركت فيها أنني سأصبح كاتبة في وقت لاحق.

غلاف النسخة العربية من رواية "فندق الصمت"

مع تقدمي في السن اكتشفت أن اللغات أداة قوية، لكنها للأسف لا تستخدم لبناء الجسور بين الناس وفهم الآخرين، بل لاكتساب القوة وتبريرها. أولئك الذين يصرخون بصوت عال ليسوا دائما أشخاصا لديهم ما يقولونه. في كتبي، غالبا ما أطرح فكرة اللغة والصمت. أو اللغة والجسد. غالبا ما تكون شخصياتي أناسا صامتين يبررون أنفسهم بالأفعال.

في روايتي "فندق الصمت" الصمت ثمين. هذا هو أكثر ما نفتقده في العديد من أجزاء العالم اليوم. في الواقع، الصمت هو مصدر إلهامي، وبهذا المعنى فإن أيسلندا هي أرض الصمت (عندما لا تهب الرياح!).

الصمت

ما الذي ألهمك لكتابة رواية "فندق الصمت" والتي تدور حول رجل يخرج للعالم المدمر وفي رأسه اسئلة وجودية عن الحياة، وما الرسالة التي تأملين أن يستخلصها القراء منها؟

أحاول أن أجد شيئا جديدا عن الطبيعة البشرية في كل الروايات التي أكتبها، وأعتقد أن "فندق الصمت" تتحدث عن المعاناة البشرية والندوب التي نحملها جميعا. يسأل البطل نفسه ما إذا كان يُسمح لنا بالمعاناة بينما يعاني أشخاص آخرون أكثر. أحد الأسئلة التي حاولت الإجابة عنها هو ما إذا كان الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يبكي أم الحيوان الوحيد الذي يضحك؟ الإجابة هي، إذا كان بإمكانك القول إن الرواية تقدم إجابة، أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يفعل كلا الأمرين، يبكي ويضحك. لو فكرت في الكتاب باعتباره رحلة من الظلام إلى النور، فهو نص عن البقاء. أحاول ألا أقتل شخصياتي لأنني أجد السؤال عن كيفية البقاء أكثر إثارة للاهتمام من كيفية الموت.

ERIC FEFERBERG/ AFP
الكاتبة أودور آفا أولافسدوتير

"نحن نولد، ونحب، ونعاني، ونموت" يقول يوناس إيبينيزر بطل الرواية  الذي يحاول تجديد ذاته، حدثينا أكثر هذه الشخصية؟

هذه الشخصية هي نموذج الرجولة الأيسلندية. إنه عامل ماهر يعرف كيف يصلح كل شيء باستثناء نفسه. كما اعتاد أن يفعل ما تطلبه منه امرأة، لذا فمن الطبيعي أن يساعد النساء في مجتمع ما بعد الحرب في إعادة بناء منازلهن وإصلاح الغسالات. لأن هذا هو الدور التاريخي للمرأة، إعادة بناء المجتمعات بعد الحروب. لكن الرواية هي عالم مصغر حيث يتعين عليك تقليص كل شيء إلى مستوى بشري. إنها مثل رسم طفل حيث تشير شجرة واحدة إلى غابة.

في الروايات، السفر عادة ما يكون رواية بناء، رحلة تجديد للذات. عليك أن ترحل من أجل التغيير. والتجديد في كتبي غالبا ما يكون مصحوبا بإصلاح شيء ما. وفي الوقت نفسه، عليك أن تصلح نفسك. والقراءة هي وسيلة للسفر دون ابتعاد، والطريقة الوحيدة لامتلاك حيوات متعددة ومعرفة كيف يفكر الآخرون.

shutterstock
الأضواء الشمالية في أيسلندا

الكلمة الأجمل

كيف يؤثر مفهوم القابلة ثقافيا في روايتك "الكلمة الأجمل" على السرد؟

في الكتاب المسمى "الحقيقة حول الضوء" بالفرنسية La Vérité sur la lumière وفي الترجمة العربية سميت "الكلمة الأجمل"، البطلتان هما قابلتان. في اللغة الأيسلندية تُدعى القابلة Ljosmodir، والتي تعني أم النور. تم التصويت على هذه الكلمة باعتبارها الكلمة المفضلة لدى الأيسلنديين قبل بضع سنوات. في تلك اللحظة جاءتني فكرة الكتاب. القابلة الأكبر سنا هي من نوع الفلاسفة غريبي الأطوار الذين لا يؤمنون بالإنسان. ومع ذلك فهي تؤمن بالشعراء والأطفال. اعتقدت أنه من المنطقي أن تكون "أم النور" متخصصة في النور في عالم مظلم. إنها تحاول فهم الإنسان وتقارنه بالحيوانات الأخرى وتكتشف ما هو واضح، وهو أن البشر هم الأكثر هشاشة والأكثر ضعفا بين جميع المخلوقات. كما تحاول أن تفهم كيف يصبح الحيوان الذي يولد عاجزا وعاريا أكثر الحيوانات قسوة تجاه نوعه. عليك دائما أن تضع الأمل في القصص ويمكن أن يكون الأمل من أنواع مختلفة. يعتقد البطل في الواقع أن الأمل يكمن في ضعفنا وهشاشتنا لأنهما يفرضان علينا إيجاد حلول للمشاكل.

القراءة هي وسيلة للسفر دون ابتعاد، والطريقة الوحيدة لامتلاك حيوات متعددة ومعرفة كيف يفكر الآخرون

يمثل مناخ أيسلندا والشوق للضوء رمزية مهمة في روايتك، وخاصة في اعتبار القابلة أم النور؟

العيش في الشمال حيث يتغير الضوء دائما يزيد من حساسية الضوء. في الواقع، تقول والدتي إن أول كلمة نطقتها كانت ljos أو الضوء، مشيرة إلى السماء. الطبيعة تسير جنبا إلى جنب مع المناخ والطقس هو الذي يجعل الطبيعة خطيرة في أيسلندا. مع تغير المناخ، نشهد المزيد والمزيد من الطقس المتطرف في الشمال، والمزيد من الرياح وأيضا ذوبان سريع للأنهار الجليدية، أكبر مخزون للمياه العذبة على هذا الكوكب. نحن نعيش في الشمال ولكننا نفقد الشمال. نتعلم في سن مبكرة أن نخاف ونحترم الطبيعة في جزيرتي البركانية. نتعلم أنه حتى لو احتاج الإنسان إلى الطبيعة فهي لا تحتاج إلينا، الطبيعة ستكون لها الكلمة الأخيرة. هذا شيء أردت أن يكون جزءا من رواية "أم النور".

shutterstock
ريكيافيك، عاصمة أيسلندا

تُرجمت ثلاث من رواياتك إلى اللغة العربية، كيف تقدمين نفسك للقارئ العربي؟

اسمي أودور آفا. أكتب بلغة لا يفهمها أحد، وهي اللغة الأيسلندية. وتتلخص مهمتي في ترتيب فوضى العالم ومحاولة إعطائها معنى.

ERIC FEFERBERG/ AFP
الكاتبة أودور آفا أولافسدوتير

طوق النجاة

ما الكتب التي كان لها التأثير الأكبر على كتاباتك؟

أقرأ الشعر كل يوم. وهو بمثابة طوق النجاة بالنسبة لي. فأنا أقرأ في الواقع لمجموعة من الشعراء العرب قام بترجمهم إلى اللغة الأيسلندية أحد أصدقائي. كما أقرأ الفلسفة من أجل المتعة. وفي الغالب أحب الكتاب القادرين على قول أشياء معقدة بعض الشيء بطريقة بسيطة وجميلة. تعلمت القراءة حقا خلال دراستي في فرنسا. كما تعلمت أن الأدب يمكن أن يكون أشياء كثيرة مختلفة. وأعتقد أن الحرية الكاملة التي يوفرها فعل الكتابة هي التي أبهرتني.

حتى لو احتاج الإنسان إلى الطبيعة فهي لا تحتاج إلينا، الطبيعة ستكون لها الكلمة الأخيرة

كيف يؤثر الأدب والثقافة الأيسلندية على كتاباتك؟

اللغة الأيسلندية هي أداة عملي، لذا أعتقد أن هذا يرجع إلى خصوصية اللغة التي اكتسبتها من ثقافتي. والكوميديا السوداء التي يمكنك أن تجدها في أدبنا في العصور الوسطى.

كيف أثرت دراستك لتاريخ الفن في جامعة السوربون على وجهة نظرك ككاتبة؟

كانت لغة الصور والرسوم وكيفية قراءتي وفهمي للجزء المرئي من العالم جزءا كبيرا من حياتي المهنية كأستاذة لتاريخ الفن ونظريته في جامعة أيسلندا. أصبحت الآن كاتبة بدوام كامل، لذا لم أعد أدرّس، ولكن يمكنني القول إن الصور جزء مهم من أسلوبي. قد تقترب الكتابة بالصور أحيانا من الشعر.

هل يمكنك أن تعطينا لمحة عن مشروعك الأدبي المقبل؟

أعمل عادة على ثلاثة مشاريع أو ثلاثة كتب في آن معا. وأميل إلى الاعتقاد بأنها ستكون آخر ثلاثة كتب لي. ثم تحدث الأشياء ذاتها عندما أعمل على الكتاب الأخير من الثلاثة تأتيني فكرة المشاريع الثلاثة التالية. أعمل حاليا على روايتي العاشرة. وفي الوقت نفسه لدي فكرة عن موضوع روايتي الحادية عشرة وقد بدأت العمل عليها. كما أعمل أيضا على مسرحية، وهذا يعني ثلاثة مشاريع إجمالا.

font change

مقالات ذات صلة