التعدين إحدى ركائز التحول الاقتصادي السعودي

شركات عالمية حصلت على رخص للاستكشاف و"معادن" تتوسع محليا ودوليا

اندريه كوجوكارو
اندريه كوجوكارو

التعدين إحدى ركائز التحول الاقتصادي السعودي

يشكل اندفاع المملكة العربية السعودية إلى زيادة استثماراتها في قطاع التعدين محليا ودوليا جزءا من استراتيجيتها لتنويع اقتصادها ومواردها من مصادر مختلفة غير النفط، وهو مسعى قد يمنح المملكة مزيدا من الثقل على الساحة الدولية.

وباتباع نهج ذي مسارين، تستهدف الحكومة السعودية الأصول المعدنية الأجنبية في جميع أنحاء العالم، في العالم العربي وأفريقيا والأميركتين حتى الآن، وتسعى في الوقت نفسه، إلى استخراج كميات أكبر بكثير من المعادن الثمينة داخل المملكة.

وقد تحقق تقدم ملموس على كلا الجبهتين. فإلى جانب الصفقات الخارجية التي يجري العمل على إبرامها أو التي أبرمت بالفعل، يتزايد عدد شركات التعدين من جنسيات مختلفة التي تقدم عروضا للحصول على حقوق الاستكشاف في العديد من المدن السعودية.

الركيزة الاقتصادية الثالثة

أعدّت السعودية إستراتيجيا وطنية للاقتصاد السعودي وللاستفادة القصوى من معادنها الأساسية في تسعينات القرن العشرين، قبل أن تعيد صياغتها في إطار رؤية 2030 الهادفة إلى تحويل التعدين إلى الركيزة الاقتصادية الثالثة، إلى جانب النفط والبتروكيماويات.

تُقدّر الثروة المعدنية غير المستغلة للمملكة بنحو 2,5 تريليون دولار، ويخطط أكبر اقتصاد في العالم العربي لأن تصل قيمة قطاع التعدين إلى 80 مليار دولار في العقد المقبل – أي ما يساوي 6 في المئة من الناتج المحلي غير النفطي المستهدف

تُقدّر الثروة المعدنية غير المستغلة للمملكة بنحو 2,5 تريليون دولار، ويخطط أكبر اقتصاد في العالم العربي لأن تصل قيمة قطاع التعدين إلى 80 مليار دولار في العقد المقبل – أي ما يساوي 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي المستهدف في الفترة نفسها. علما أن هذا القطاع يساهم حاليا بأقل من 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

كما أن ازدهار قطاع التعدين يفترض أن يساعد الحكومة في رفع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5,7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبلاد، مقارنة بـ 2,4 في المئة في العام المنصرم، ويتوافق ذلك مع أهداف رؤية 2030 الرامية إلى تقليل الاعتماد على النفط، الذي يشكل نحو 40 في المئة من الاقتصاد.

اندريه كوجوكارو

إضافة إلى ذلك، يهدف تنشيط قطاع التعدين، إلى جانب عمليات الاستحواذ على الأصول المعدنية، إلى تمكين السعودية من إنشاء سلاسل التوريد اللازمة لتحقيق تطلعاتها الاقتصادية، بما في ذلك زيادة كبيرة في الإنتاج الصناعي والانتقال التدريجي إلى الطاقة النظيفة.

حوافز قانونية وتنظيمية شفافة للاستكشاف

بهدف تعزيز جاذبية القطاع، أعادت المملكة صياغة إطار عمله، فخفضت ضريبة التعدين إلى 20 في المئة بدلا من 45 في المئة. وتقول إينيس سكُتلند، الرئيسة التنفيذية لشركة "ميتال بنك" الأسترالية: "لدى المملكة العربية السعودية إحدى أبرز قواعد الممارسات الفضلى للتعدين في العالم".

لدى المملكة العربية السعودية إحدى أبرز قواعد الممارسات الفضلى للتعدين في العالم

إينيس سكُتلند، الرئيسة التنفيذية لشركة "ميتال بنك" الأسترالية

"ميتال بنك" من شركات التعدين التي حصلت على ست رخص للاستكشاف في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في عدد من المواقع في الرياض ومكة وعسير - معظمها من خلال شراكات. وتشمل هذه المواقع مجتمعة مساحة 850 كيلومترا مربعا، وتحتوي على احتياطيات من معادن مختلفة مثل الذهب والفضة والزنك والنحاس. 

ديانا استيفانيا روبيو

وامتدحت سكُتلند قانون الاستثمار في التعدين السعودي لأنه "واضح الصياغة ومطابق للمعايير الدولية". وأضافت في حديث إلى "المجلة" أنه "يمنح من لديه رخصة استكشاف، الحق الحصري في الحصول على رخصة تعدين في الموقع المعني". وهذا أمر مشجع. كما قالت إن متطلبات تقديم طلب للحصول على رخصة استطلاع أو استكشاف أو تعدين "واضحة وشفافة".

إنشاء قاعدة بيانات جيولوجية وطنية

وكذلك "من المبادرات الأخرى التي تجعل نظام التعدين السعودي مميزا، تسهيل عملية تقديم الطلبات، وإنشاء قاعدة بيانات جيولوجية وطنية، وتقديم حوافز مالية لدعم المستثمرين في القطاع وتشجيع الكشف".

وذكرت سكُتلند أيضا استقرار السعودية والقوة العاملة المتعلمة بوصفهما دافعين إضافيين لكي تضخ الشركات الأجنبية استثماراتها في البلاد.

تجربتنا السابقة في مشروع جبل صايد، وهو منجم ناجح للغاية تديره الآن شركة معادن وباريك، تدل على وجود نحاس عالي الجودة في البلاد

إينيس سكُتلند، الرئيسة التنفيذية لشركة "ميتال بنك" الأسترالية

كل هذه السمات تمنح المملكة أفضلية على الدول الأخرى الغنية بالمعادن، وخصوصا في أفريقيا الفقيرة التي يسودها مشهد سياسي أبعد ما يكون عن الاستقرار وتعاني من الغياب الدائم للحوكمة.

على سبيل المثل، ربما تكون رواسب النحاس الكبيرة في المملكة العربية السعودية أكثر إغراء لشركات التعدين الراغبة في التوسع من تلك الموجودة في دول مثل جنوب أفريقيا وزامبيا، حيث من المحتم أن تواجه الشركات كثيرا من العناء والمشقة.

تنافسية وشراكات عالمية

من شركات التعدين الأجنبية الأخرى التي منحتها السعودية حقوق الاستكشاف في نوفمبر/تشرين الثاني، شركتا "إيه. إن. إس. إكسلبوريشن" و"تنكا رسورسز ليمتد" الكنديتان، وشركة "أوكنغ مايننغ ليمتد" الأسترالية. وقدمت شركة "ميتال بنك" طلبا للحصول على أربع رخص استكشاف إضافية في المملكة العربية السعودية. وقالت سكُتلند: "ربما نشارك في جولات مزايدة في المستقبل إذا اعتبرت المشاريع واعدة". 

وأضافت أن "تجربتنا السابقة في مشروع جبل صايد، وهو منجم ناجح للغاية تديره الآن شركة معادن وباريك، تدل على وجود نحاس عالي الجودة في البلاد". وتابعت "هدفنا الأساس هو النحاس، لكن يوجد كثير من المعادن في الدرع العربي. وأعتقد، من خلال حديثي إلى آخرين في هذه الصناعة، أن هناك اهتماما كبيرا بالفعل بالمملكة العربية السعودية. وتقوم الحكومة بعمل ممتاز في التسويق من خلال جولات الترخيص".

تدير شركة التعدين العربية السعودية، "معادن"، خمسة مناجم للذهب في المملكة، وتسعى أيضا للتنقيب عن المعادن الثمينة في الخارج بدعم من صندوق الاستثمارات العامة الذي تبلغ أصوله 925 مليار دولار

وتؤكد سكُتلند وجود "موارد كبيرة من الذهب" في المملكة العربية السعودية، لا بد أن تجتذب مزيدا من شركات التعدين.

وفي وقت سابق، قالت شركة "سنتامين"، وهي شركة كندية تدير منجم الذهب التجاري الوحيد في مصر، إنها تفكر في استكشاف السعودية بحثا عن المعدن الأصفر. وأشار رئيسها التنفيذي مارتن هورغان إلى أن التكوين الجيولوجي في المملكة مماثل لذلك الموجود في شمال أفريقيا. وتاليا، يجب أن تكون تقنيات الاستكشاف متطابقة، وهو ما يمنح شركة "سنتامين" الفرصة للاستفادة من خبرتها الواسعة في مصر وتكرار نجاحها في المملكة العربية السعودية.

دور "معادن" وصندوق الاستثمارات العامة 

تدير شركة التعدين العربية السعودية، "معادن"، خمسة مناجم للذهب في المملكة، وتسعى أيضا للتنقيب عن المعادن الثمينة خارج حدود البلاد بدعم من صندوق الاستثمارات العامة الذي تبلغ أصوله 925 مليار دولار.

ديانا استيفانيا روبيو

في أوائل سنة 2023، أنشأت "معادن" وصندوق الاستثمارات العامة، شركة "منارة المعادن للاستثمار" التي استحوذت على 10 في المئة من شركة "فايل للمعادن الأساسية" في مقابل 2,5 مليار دولار تقريبا. وتلك الصفقة التي أنجزت في أبريل/نيسان هي أول عملية استحواذ يقدم عليها المشروع المشترك، وثمة صفقات إضافية تلوح في الأفق لخدمة أهداف متعددة.

الحصول على مخزونات من الليثيوم، وهو مكون أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية، أمر ضروري لخطط السعودية الرامية إلى تصنيع المركبات الكهربائية

وتعتزم "معادن" الاستحواذ على حصة في منجم نحاس في زامبيا، وتتطلع إلى الاستحواذ على حصة غالبية في شركة ألومنيوم البحرين (ألبا). وكلا المعدنين ضروريان للتحول إلى الطاقة النظيفة، حيث تخطط السعودية لإنتاج نصف احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة في سنة 2030.

وقال بوب ويلت، الرئيس التنفيذي لشركة "معادن"، لوكالة "بلومبيرغ": "أنا متفائل للغاية في شأن الألومنيوم، فلا يمكن أن يحدث التحول في مجال الطاقة من دون الألومنيوم، لذا إذا كنا نرغب في أن نصبح مركزا للمعادن الأساسية ومعالجتها، فإن علينا التحكم في المواد الأولية". 

كذلك، أبدى وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف اهتماما بالمعادن الأساسية في البرازيل وتشيلي وكندا، بعدما زار الدول الثلاث في الأشهر الأخيرة. والجدير بالذكر أن "منارة" تبحث عن فرص للاستثمار في إنتاج الليثيوم في تشيلي.

إن الحصول على مخزونات من الليثيوم، وهو مكون أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية، أمر ضروري لخطط السعودية الرامية إلى تصنيع المركبات الكهربائية.

على غرار دول أخرى، سعت السعودية إلى تعزيز العلاقات مع دول الجنوب. وقد أعلنت عزمها الاستثمار في معادن أفريقيا

وتتطلع المملكة إلى إنتاج 150 ألف مركبة كهربائية بحلول سنة 2026، و500 ألف سيارة بعد أربع سنوات.

التعاون مع دول الجنوب

على غرار دول أخرى، سعت السعودية إلى تعزيز العلاقات مع دول الجنوب في السنوات الأخيرة. وقد أعلنت عزمها الاستثمار في معادن أفريقيا في المؤتمر الاقتصادي السعودي العربي الأفريقي في أواخر سنة 2023. وتشمل قائمة الدول الأفريقية التي تستهدفها، المغرب وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي.

غيتي
أكبر مناجم الذهب في السعودية

وأشار تقرير للمعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية إلى أن "الولايات المتحدة تبدو كأنها ترى في المملكة العربية السعودية شريكا إستراتيجيا للاستثمار في الدول والمناطق الغنية بالمعادن التي تعدها الشركات الغربية شديدة الأخطار، ومن ثم تتردد في الاستثمار فيها". كما أن "دخول السعودية سوق الموارد المعدنية العالمي وعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة يجعلها خيارا جذابا للتنويع بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي".

لكن التقرير يشير إلى أن "التعاون في مجال الموارد مع الولايات المتحدة محدود: لا توجد اتفاقية تجارة حرة تمكّن الشركات السعودية من الاستفادة مباشرة من قانون خفض التضخم الأميركي، كما أن المملكة ليست عضوا في الشراكة المعنية بأمن المعادن التي تقودها أميركا"، وعلى غرار ذلك، "ليس هناك تعاون مؤسسي في مجال الموارد المعدنية بين المملكة والاتحاد الأوروبي".

font change

مقالات ذات صلة