تجد فرنسا نفسها في عام 2025 حيال تحديات جسام بعد سنة ساد فيها التخبط السياسي داخليا، فيما استمر مسلسل الانتكاسات خارجيا. وتدلل هذه التحولات السياسية على أن الاضطراب الداخلي يزيد من انحسار موقع فرنسا على الساحة الدولية.
وتبعا لذلك ستمثل سنة 2025 اختبارا لقياس مدى تحول الأزمة البنيوية إلى أزمة مؤسساتية، وستبين تطور موازين القوى وتموضعها قبل انتخابات الرئاسة التي يمكن أن تحصل قبل موعدها في 2027. هذا التأزم السياسي لم يمنع استمرار التميز الفرنسي ثقافيا وسياحيا وتنظيميا على ضوء أحداث عالمية شهدتها خلال الأشهر الأخيرة. هكذا تبقى الفرصة متاحة لبلد موليير لتجاوز عثراته ومقاربة مستقبل واثق.
سنة 2024: السنة الأسوأ
تأرجح عام 2024 بين سلسلة من الأزمات ومناسبتين باهرتين: الألعاب الأولمبية، وإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس، كحدثين عالميين كرسا استدامة فرنسا باعتبارها "قوة ناعمة". ولكن خلف هذين الإنجازين، لم يكن المشهد العام براقا.
انتهت السنة سياسيا مع انفراج تمثل بالإعلان عن تشكيل حكومة فرنسوا بايرو. وللتذكير، أسفرت الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، عن صعود الشعبويين المحافظين واليمين المتطرف في الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص في فرنسا وألمانيا، أقوى دولتين في الاتحاد. وقد تجلى هذا الصعود للتطرف أيضا من خلال بروز أقصى اليسار في فرنسا مع حركة جون لوك ميلانشون "فرنسا الأبية". وكان حزب "التجمع الوطني" (مارين لوبان- جوردان بارديلا) قد فاز في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية في يونيو/حزيران الماضي، لكن التحالفات والتصويت التكتيكي من الوسط واليسار تسببا في تراجعه إلى المركز الثالث في الجولة الثانية، ما أدى إلى انقسام البرلمان إلى ثلاث كتل من دون أكثرية، وتوالي حكومات هشة ومنها حكومة ميشال بارنييه التي انهارت خلال اقتراح بحجب الثقة في 4 ديسمبر/كانون الأول.
في هذه السنة المحمومة التي دمغها عدم الاستقرار السياسي وتعاقب أربع حكومات في غضون عام واحد، تم تسجيل رقم قياسي لم نشهده إلا في سنة 1934. وبالفعل سيبقى العام الذي مضى محفورا في الذاكرة وسجلات التاريخ، حيث يعد من أسوأ الأعوام في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة.
من دون شك يتوجب العودة إلى بداية ولاية ماكرون الأولى في 2017 وتشكل مشهد سياسي جديد على حساب القوى التقليدية وبروز قوى من أقصى اليمين وأقصى اليسار، ما أحدث خللا تكرر وتفاقم بعد انتخابات 2024، خاصة أن قرار ماكرون القيام بحل الجمعية الوطنية أتى بنتيجة سلبية. فبدلا من تصحيح التوازن وتوضيح المشهد السياسي، أحدث المزيد من الانقسامات والتشرذم، ما أدى إلى المزيد من التشتت والجمود.