القائد العسكري أحمد الدالاتي لـ"المجلة": اتخذنا قرار إسقاط الأسد في 2020... وهكذا صنعنا مسيّرات "شاهين" (1 من 2)

عضو غرفة عمليات "ردع العدوان" ونائب قائد "أحرار الشام" يروي تفاصيل العمليات العسكرية في مناسبة مرور شهر على هروب الأسد

القائد في غرفة العمليات العسكرية، نائب قائد أحرار الشام، أحمد الدالاتي

القائد العسكري أحمد الدالاتي لـ"المجلة": اتخذنا قرار إسقاط الأسد في 2020... وهكذا صنعنا مسيّرات "شاهين" (1 من 2)

دمشق- مع مرور شهر على هروب بشار الأسد وسقوط النطام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول، لا تزال هناك أسئلة كثيرة من دون إجابات حاسمة، بينها: متى اتخذت الفصائل المسلحة قرار إسقاط نظام الأسد؟ وهل كان الهدف تحرير حلب فقط أم الوصول إلى دمشق؟ وما السر في سلاسة تقدم الفصائل وسرعة انهيار النظام؟ ولماذا لم يقاتل الجيش السوري؟ ولماذا لم تتدخل روسيا وإيران عسكريا في المعركة التي انطلقت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني؟

حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى القائد في غرفة العمليات العسكرية، نائب قائد "أحرار الشام" أحمد الدالاتي (أبو محمد الشامي) الذي لعب دورا محوريا في غرفة عمليات "ردع العدوان" بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).

بالنسبة إلى الدالاتي، فإن قرار إطلاق معركة الوصول إلى دمشق يعود إلى أبريل/نيسان 2020 بعد اتفاق خفض التصعيد بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان بداية مارس/آذار 2020. ويقول: "اللحظة التي انتصرنا فيها حقيقة هي تلك اللحظة وليس 8 ديسمبر"، إذ إن قادة الفصائل وبينهم الشرع اجتمعوا واتخذوا "قرارا استراتيجيا بأن ننتقل من إدارة الصراع مع النظام من حالة الكانتونات والفصائل والأحزاب إلى حالة المؤسسات". وأضاف: "كان التطبيق العملي لهذا الكلام معقدا للغاية ومكلفا للغاية لأن هناك إشكالات متراكمة، تحديدا بيننا وبين "الهيئة"، من الصراعات، وتاريخا من الصعب جدا أن تمحوه (...) للأمانة الثقل الأكبر كان على "الهيئة" كونها بطبيعة الحال الجسم الأكبر والمسيطرة على الجغرافيا".

وتابع الدالاتي: "عملية فصل الصلاحيات وتخصيص المؤسسات كانت عملية معقدة جدا. نحن في "الحركة" ربما كانت المسألة بالنسبة إلينا أيسر لأن الجانب الذي شغلته "الحركة" كان أغلبه عسكريا، أما "الهيئة" فكانت تشغل الجانب المدني والجانب العسكري، وأنشئت "غرفة عمليات الفتح المبين" التي شُغلت بالعسكرة"، مشيرا إلى أن ذلك أطلق اجتماعات دورية، وكنا نجتمع كلما تقتضي الحاجة فنحن خلية أزمة بأي لحظة يمكن أن نجتمع حسب الأحداث".

وأشار أيضا إلى أن قادة الفصائل عقدوا اجتماعا بعد اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله "بحضور أبو محمد وقائد الأحرار وكنت موجودا، وقيادات عسكرية من قبلنا ومن قبل (الهيئة) ومن فصائل أخرى". وزاد: "كانت لدينا معلومات كثيرة وكان لدينا تقدير موقف إلى أين ستتوجه الحرب الإسرائيلية".

وتابع: "كنا مستعدين سياسيا وعسكريا واستخباراتيا في آخر فترة. وما عزز الفرصة كان سلوك النظام قبل المعركة بـ3 أشهر، فقد أصبح يحاول أن يصدّر- ليتهرب من انهزامه وضعف موقفه واستحقاق الحرب مع لبنان- حاول تصدير الأزمة إلينا بأننا نحن السبب لأننا قمنا بثورة وأضعفنا النظام، ما منعه من مؤازرة المحور". كما تحدث تفصيلا عن كيفية ومراحل صنع مسيّرات "شاهين" التي لعبت دورا محوريا في المعارك:

وهنا الحلقة الأولى من الحوار:

* بعد مرور شهر على سقوط بشار الأسد ودخولكم إلى دمشق، متى بدأ التحضير لعملية "ردع العدوان"؟

- الحقيقة أن الإعداد للعملية كان طويل الأمد، لا شك أن الثورة في النهاية بكل ما حصل فيها هي جزء من العملية والجهد الذي بذله كل سوري، الصرخة، الصوت، أي شخص قدم أي شيء في الثورة هو شريك في هذه العملية. لكننا بالتأكيد نتحدث عن البعد الذي له علاقة بالإعداد للعملية نفسها بالمعنى الذي رأيناه وتحررت به سوريا.

في 2019 اتخذ قرار سياسي بتصفية الثورة السورية وعلى أثره حدثت حملة عسكرية شرسة ضخمة من النظام والميليشيات الإيرانية و"الحرس الثوري" و"حزب الله"، طبعا بدعم جوي روسي كثيف جدا. كان الغرض إنهاء الجغرافيا السورية بعد أن ضغطوا على المناطق التي كانت محاصرة في كل المحافظات السورية (التي كانت تحت عنوان "خفض التصعيد") وهجّروا الناس إلى إدلب وريفها- المناطق المحررة. فكان هناك قرار حتى المناطق التي هجّر إليها الناس يتم حسم عسكري يؤدي إلى حل سياسي ينزع شرعية الثورة وتتم السيطرة على المراكز الحيوية التي كنا نسيطر عليها مثل "أوتوستراد-م-5" و"أوتوستراد-م-4" ومركز مدينة إدلب، وحشر من يريد في عمق 10 كيلومترات على الحدود التركية، وطبعا نزع السلاح الثقيل وتصفية القيادات الثورية ثم الوصول إلى حل سياسي لإعادة إنتاج بشار الأسد يضمنون فيه الحد الأدنى من عودة الناس واللاجئين. وحتى الناس الذين سيكونون على الشريط كانوا سيخضعونهم لظروف إنسانية صعبة يقبلون فيها بأي حل.

في 2019 اتخذ قرار سياسي بتصفية الثورة السورية وعلى أثره حدثت حملة عسكرية شرسة ضخمة من النظام والميليشيات الإيرانية و"الحرس الثوري" و"حزب الله"، طبعا بدعم جوي روسي كثيف جدا

الحملة كان لديها سقف زمني بسبب ما سيتم على أثرها من تبعات كضغوط إنسانية بالدرجة الأولى ونزوح ستسببه وغير ذلك. نحن استطعنا أن نقاوم وأن نطيل أمد المعركة لمدة حوالي 11 شهرا. هذه الأشهر الـ11 كانت كفيلة بتشكيل عبء سياسي ضخم، الظروف الدولية لم تسمح لهم أن ينهوا المشهد بشكل كامل فانتهت المعركة إلى ما انتهت عليه بحدود تقريبا 5 مارس/آذار2020.

* تاريخ اتفاق الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان- اتفاق موسكو؟

- صحيح اتفاق بوتين–أردوغان.

* حينها رسمت الخطوط بين مناطق النفوذ بما فيها إدلب...

- الخطوط التي انطلقنا منها الآن لعملية التحرير.

المشهد كان مؤلما جدا، الخسارة كانت كبيرة جدا، لا شك هناك قوة كبيرة دولية، روسيا مع دول مثل إيران و"الحزب" وغيرها والنظام، وهم ماديا أكبر منا عددا وعتادا ولديهم عمق سياسي واقتصادي وأمني واستخباري. وكانت هناك مشكلة داخلية لدينا هي أنه بعد الحملة عقدت جلسة تقييم لمعرفة أسباب ما حصل.

* جلسة بين من ومن؟

- الناس الفاعلة في إدلب، نحن و"الهيئة" وبعض الشخصيات.

* أي قادة الفصائل العسكرية الأساسية.

- صحيح، الفصائل الأساسية في إدلب.

أ.ف.ب
مقاتلون سوريون يلتقطون صورة مع مروحية عسكرية على مدرج مطار النيرب العسكري في مدينة حلب في 2 ديسمبر 2024

* أي "هيئة تحرير الشام" و"أحرار الشام"؟

- صحيح، "هيئة تحرير الشام" و"أحرار الشام" والفصائل الأخرى التي تعاملنا معها، ولكن بالدرجة الأولى نحن و"الهيئة". بطبيعة الحال السبب المنطقي والمفهوم عبر الثورة هو تشتت القرار والتنازع، فاتخذ قرار استراتيجي له علاقة بأن ننتقل من حالة إدارة الصراع مع النظام من حالة الكانتونات والفصائل والأحزاب إلى حالة المؤسسات.

* متى كان ذلك؟

- خلال شهر أبريل/نيسان 2020، بعد اتفاق بوتين، جرى تقييم. وأقول إن اللحظة التي انتصرنا فيها حقيقة هي تلك اللحظة وليس 8/12 فقد اتخذ قرار استراتيجي، والقيادات أعلَت من شأن مصالح البلد ومصالح الثورة على حساباتها الضيقة. وكان التطبيق العملي لهذا الكلام معقدا للغاية ومكلفا للغاية لأن هناك إشكالات متراكمة، تحديدا بيننا وبين "الهيئة"، من الصراعات وتاريخا من الصعب جدا أن تمحوه. لكن حجم الألم الذي كان بعد الحملة بدل أن يشكل لدينا حالة يأس، شكل إرادة كبيرة جدا وعزيمة كبيرة جدا وأملا كبيرا وتصميما على أن نعيد إنتاج أنفسنا.

* هل من الممكن أن نعرف من كان حاضرا في ذلك الاجتماع بالأسماء، أبرز الحاضرين؟

- حضرت قيادات من "الهيئة" ومن "الأحرار" ومن سائر الفصائل الثورية، والأفضل عدم الدخول في تفاصيل الأسماء الآن. هم من قادوا العمل وأصبحوا في إدارة العمليات العسكرية مؤخرا. أريد أن أذكر أنه في تلك اللحظة مر السوريون بأزمة ضخمة جدا وموجة إحباط شديدة وموجة نزوح ضخمة وفقدوا جغرافيا، والنظام دخل في حالة من الانتعاش السياسي والميداني بشكل كبير جدا وأصبح يصور ما حصل على أنه نصر كبير جدا. السياسة الدولية بدأت تتبدل باتجاه دعم النظام وإعادة تسوية سياسية مع النظام وتطبيع معه.

* التطبيع العربي؟

- صحيح.. جرى قبول النظام في جامعة الدول العربية وغيرها، وفي المقابل نحن حوصرنا سياسيا واقتصاديا ومنع عنا الدعم حتى الدعم الإنساني أصبحت روسيا تبتزنا به كل ستة أشهر بالقرار الدولي لتمريره عبر النظام... إلخ. القرار الاستراتيجي هو أن نبني أنفسنا كمؤسسات ونعبّر عن أنفسنا كمؤسسات هو طبعا امتداد لتجربة كانت بدأتها "الهيئة" من "حكومة الإنقاذ" ثم كنا نحن شيئا آخر إلخ.

* تقصدون تجربة "حكومة الإنقاذ" 2017؟

- صحيح. 2017 و2018 و2019. وللأمانة الثقل الأكبر كان على "الهيئة" كونها بطبيعة الحال الجسم الأكبر والمسيطرة على الجغرافيا. عملية فصل الصلاحيات وتخصيص المؤسسات كانت عملية معقدة جدا. نحن في "الحركة" ربما كانت المسألة بالنسبة إلينا أيسر لأن الجانب الذي شغلته "الحركة" كان أغلبه عسكريا، أما "الهيئة" فكانت تشغل الجانب المدني والجانب العسكري، وأنشئت "غرفة عمليات الفتح المبين" التي شُغلت بالعسكرة.

* هل أنشئت في 2021؟

- أنشئت في 2020 وانضمت إليها الفصائل وكانت فكرتها إعادة إنتاج غرفة مركزية لإدارة العمل العسكري وتوحيد القرار العسكري. تم فصل الأمن أيضا عن العسكرة وتم فصل الإدارة عن الأمن والعسكرة، وهذا ما تمسكت به "حكومة الإنقاذ".

* أي فصل السلطات...

- صحيح، فصل السلطات. وهذه كانت معركة أدت إلى إشكالات داخلية، داخل "الهيئة" وداخل "الأحرار" بالدرجة الأولى، معركة أدت إلى تبعات وهناك شخصيات كبيرة جدا في "الهيئة" انتهى المطاف بسجنهم، وشخصيات من "الأحرار" انشقوا وحاولوا أن يقوموا بتمردات وصار تشكيل "حرّاس الدين" كردة فعل على هذا.

عملية فصل الصلاحيات وتخصيص المؤسسات كانت معقدة جدا. نحن في "الحركة" ربما كانت المسألة بالنسبة إلينا أيسر لأن الجانب الذي شغلته "الحركة" كان أغلبه عسكريا، أما "الهيئة" فكانت تشغل الجانب المدني والجانب العسكري

* جرى إنشاء "غرفة مشتركة"...

- صحيح، شكلوا غرفة "فاثبتوا". طبعا التحدي أن شخصا كان يمارس السلطة الكاملة على مدى عشر سنين.

* كان يقوم بالعسكرة والإعلام والسياسة والإدراة ثم حصر دوره بالعسكرة مثلا...

- صحيح، كان يقوم بكل هذه الأمور ثم أصبح دوره العسكرة ويحتاج إلى إذن من المخفر. نحن غالبية من أحضرنا إلى المخافر هم (عناصر) شرطة منشقون، وبالنسبة له هم أشخاص "لا يستطيع التعاطي معهم"، فأصبح يحتكم إليهم ولم يستوعب ذلك كونه يعتبر نفسه أنه هو المجاهد هو الذي حرر، أنا "فلان"... فهذه التحديات كانت تحديات كبيرة.

الملخص، "غرفة عمليات الفتح المبين" وضعت برنامجا منهجيا علميا لإعادة تأهيل العناصر والقيادات عسكريا، بمسار دورات تخصصية مكثفة للعناصر والتخصصات العسكرية، وبمسار أكاديمي أنشأنا فيه "الكلية الحربية" التي أهلت أكثر من 500 ضابط من قيادات الفصائل الثورية الذين كانوا من خلفية مدنية. وطبعا في الأصل هناك قيادات عسكرية حقيقية فاعلة لديهم خبرة كبيرة وخاضوا حروبا عديدة لكننا جعلنا ثقلا لهذه الخبرة مع العلم. طبعا كلها خبرات محلية وتدريبات محلية. هذا مسار كان معقدا جدا ومسألة إدخال العلم على العسكرة كانت معركة أيضا.

* هم كانوا يعتبرون أنفسهم أنهم يفهمون هذه الأشياء...

- لا، المسألة كانت أن غالبية الشريحة المنخرطة معنا في العمل مستواها الثقافي ضعيف والعناصر أغلبهم أميون، فلكي تعيد تنظيم هؤلاء الناس عليك إعطاؤهم دورات عسكرية، أنت في تحدٍ كبير إذ عليك أن تدخل معهم في الرياضيات والطوبوغرافيا والهندسة والخرائط... مسائل يجب أن يكون لها أساس علمي واضح. أيضا كان هناك عملية إبداع في إنتاج مناهج عملية أكثر منها مناهج أكاديمية لتلبية هذه الحاجة. فبُذل جهد ضخم جدا.

المسار الثاني كان مسار التصنيع. بطبيعة الحال نحن حوربنا وحوصرنا وكنا مدركين أن حاجتنا العسكرية لم يعد أي أحد يقدمها لنا فبدأنا في مسار التصنيع الحربي واستطعنا بفضل الله أن نصل ليس طبعا إلى المعايير الدولية، ولكن إلى ما يلبي احتياج معركتنا محليا، فصنعنا راجمات صواريخ وصواريخ وآليات.

* كل ذلك كان بخبرات محلية؟

- كله كان بخبرات محلية وبتحديات كبيرة جدا، خاصة بمسائل طيران الـ"درون" الذي أعلنا عنه لاحقا "شاهين"، إذ تحتاج إلى الحصول على محركات وقطع وكله تم عبر التهريب، وكنا نخسر نصفه في طريقه إلينا، وبأسعار مرتفعة. عملية التهريب عملية معقدة جدا. فمسار التصنيع ومسار إعداد الأشخاص. الإعداد طبعا كان يتم ليل نهار، بالإضافة إلى إعداد الجبهات ومسائل التحصين والتدشيم كانت نوعية. قبل المعركة ربما هناك 40 أو 50 كيلومترا من الأنفاق محفورة على الجبهات، بالإضافة إلى الخنادق.

أ.ف.ب
مقاتلون سوريون يحتفلون في مدينة حماة، في 6 ديسمبر 2024

* سأعود لاحقا إلى موضوع الأنفاق، وهناك نفق سمعت أن طوله كان 700 متر.

- صحيح.

* بالنسبة إلى التصنيع العسكري، إلى أي حد صحة الكلام عن أن المخابرات الأوكرانية ساهمت في تصنيع "شاهين"؟

- هذا الكلام غير صحيح، لا أحد أبدا ساهم، بالعكس حوربنا بشكل كبير جدا. أساسا المواد التي نستخدمها غير عسكرية فإن عاينت الطائرات التي نستخدمها ترى أن ليس فيها أي قطعة عسكرية وكلها صناعة تجارية وتسويقية، نوع الطائرات والمحركات ليست عسكرية، حتى التحكم والاتصالات والاستقبال نحن صنّعناه محليا بطبيعة الحال وهو مفهوم ومعروف لمَ هذا بالضبط، هناك مهندسون لدينا اجتهدوا وصنّعوا "التحكم الآلي" (auto pilot) وصنّعوا آلية الإرسال والاستقبال للاتصالات.

* متى صنعت أول طائرة "شاهين"؟

- هي عملية تراكمة. أصبح هناك خط إنتاج منذ أكثر من سنتين. والـ"شاهين" عنوان لعدة نماذج وليست نموذجا واحدا، فمنها للاستطلاع ومنها الانتحارية ومنها عدة أنواع، و"القاصف" الذي يتولى القصف.

هناك خط إنتاج منذ أكثر من سنتين. والـ"شاهين" عنوان لعدة نماذج وليست نموذجا واحدا، فمنها للاستطلاع ومنها الانتحاري ومنها عدة أنواع، و"القاصف" الذي يتولى القصف

* من كان المشرف على هذا البرنامج؟

- شباب مهندسون من طرفنا في وحدة التصنيع.

هذا الإعداد بهذا الشكل، تدريب وتصنيع على المستوى العسكري. في المقابل كان هناك تطوير للبنية التحتية لـ"الدولة" أو لمنطقة إدلب، وحصل تحضير للمؤسسات. نحن أنشأنا عناوين وزارات، بطبيعة الحال كمضامين لا تستطيع أن تعتبرها وزارة، كان هدفنا أن تعيّش العمال والموظفين بجو الوزارة، كوزير ووزارة ليدخلوا في هذه "العقلية" لتأهيلهم نفسيا وعمليا على ممارسة عملية الحوكمة. وجرت مطاحنات كثيرة بالصلاحيات والأشخاص والخبرات والكفاءات واستطعنا أن ننتج أنوية لكافة المؤسسات الأساسية التي تهم الدولة خاصة على المستوى الخدمي وكانت هذه العملية بيئة تدريبية للكوادر ولاستقطاب الكوادر وللكوادر التي تأتي بممارسة عملية الحوكمة في كل المجالات. لدينا مسار الحوكمة فاعل والمسار العسكري فاعل والمسار الأمني فاعل.

هذه الظروف الذاتية للإعداد، وهذا مستمر من أول لحظة توقفت فيها المعركة إلى أول لحظة بدأنا فيها العمل العسكري، العمل جارٍ ليل نهار، مئات المعسكرات وآلاف الدورات التدريبية التخصصية.

في المقابل الظروف الموضوعية، بدأت الفرصة تلوح منذ بدء الحرب الروسية–الأوكرانية في 2022 في شهر أبريل إثر تبعاتها التي ترتبت عنها فانسحب الروسي وهو أهم حليف دولي للنظام موجود بثقله العسكري.

صورة لطائرة الشاهين أثناء انطلاقها


* هل شاهدتم الانسحابات الروسية وانسحاب "فاغنر"؟

- طبعا، نحن نراقبهم وانسحبوا من أكثر من مكان حتى سحب الطائرات والمدفعية.

* سمعت أن الجيش الروسي سحب 16 طائرة من أصل 22 كانت لديه في سوريا. هل هذا صحيح؟

- لا، الروسي سحب أكثر من ذلك فهو كان لديه خمسة أسراب بواقع 43 طائرة، والطائرات التي كانت موجودة في المطار كانت 12 أو 13 سحب أغلبها. والأهم من ذلك كان الانشغال السياسي والضغط الذي شكلته الحرب الأوكرانية ودخول الغرب على الخط، وما إلى ذلك.

* هذا أدى إلى استنزاف الجيش الروسي...

- صحيح، هذا شكل استنزافا للجيش الروسي. والموضوع الثاني كان حرب غزة التي أدخلت ثاني أهم حليف وهو الحليف الأخطر ميدانيا علينا بسبب أنه يحمل أيديولوجيا التوسع وداخل في كل مفاصل الدولة وهو العدو الإيراني وميليشيات "الحزب" وغيره. تبعات حرب غزة أدخلت هذا المحور في صدام مباشر مع إسرائيل أدى إلى إضعافه بشكل كبير جدا. والنظام هنا في حالة الركود التي استمرت أربع سنوات، حاولت الدول إعادة انتاجه سياسيا بشكل كبير، وهو بعقليته الإجرامية والأمنية حتى هذه الفرصة السياسية لم يعرف كيف يستثمرها. وبقي ينتج الأدوات القذرة لابتزاز الدول سياسيا من خلال تصدير الكبتاغون والمخدرات والمشاكل الأمنية واللاجئين.

اجتماعيا كان وضع النظام يتدمر بسبب الوضع الاقتصادي والعقوبات والظروف، فهو اجتماعيا مسحوق ويوما بعد يوم يضيّق على المجتمع مما خلق، بغض النظر عن الثورة، بيئة اجتماعية رافضة ومسحوقة وممتعضة منه.

على مستوى علاقته مع حلفائه، بدأت العلاقات تنهار بعد تسريب أجهزة استخبارات مواقع وإحداثيات ضباط "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" بشكل كبير جدا التي تزايدت في السنة الأخيرة. نحن عندما بدأت حرب لبنان كنا مستشرفين.

* من تقصد بـ"نحن"؟

- نحن في "غرفة عمليات الفتح المبين".

* هل كنتم تجتمعون دوريا؟

- طبعا، بيننا اجتماعات وتقييم موقف، سياسي وأمني وعسكري دائما.

* هل كنتم تجتمعون أسبوعيا أم مرة كل أسبوعين؟

- كنا نجتمع كلما تقتضي الحاجة فنحن خلية أزمة بأي لحظة يمكن أن نجتمع حسب الأحداث.

رويترز
فتاتان أمام صورة ممزقة للأسد في القامشلي، في 8 ديسمبر 2024

* هل عقدتم جلسة بعد اغتيال حسن نصرالله، ومن حضرها؟

- طبعا... حضرها قيادات العمليات العسكرية وقيادة "الأحرار" وقيادة "الهيئة".

* هل حضرها "أبو محمد"؟

طبعا، حضرها "أبو محمد" وقائد "الأحرار" وكنت موجودا، وقيادات عسكرية من قبلنا ومن قبل "الهيئة" ومن فصائل أخرى.

بالأصل نحن استشرفنا الوضع، ولدينا معلومات ولدينا جهد آخر فبسبب حالة البنية الهشّة للنظام دخلنا في أعماق أعماقه على المستوى المعلوماتي.

كان للجانب الروسي خمسة أسراب بواقع 43 طائرة، والطائرات التي كانت موجودة في المطار كانت 12 أو 13 سحب أغلبها

* سنتطرق لاحقا إلى غرفة عمليات حلب وكيف تم التفجير لأهمية الموضوع...

- لم يكن هناك تفجير.

* هناك من دخل وقتلهم...

- التفجير يختلف عن الاغتيال.

كان لدينا معلومات كثيرة وكان لدينا تقدير موقف إلى أين ستتوجه الحرب الإسرائيلية، ولم يكن أمرا مخفيا أن إسرائيل وضعت سيناريو لدخول دمشق ولدخول بيروت. كان السقف الإسرائيلي عاليا جدا على مستوى التخطيط. وبعثت تهديدا لبشار الأسد واضحا باتخاذ موقف من إيران. فأنا أقصد أننا استشرفنا اللحظة وكنا نتحين الفرصة للحظة الأنسب.

* كنتم مستعدين عسكريا واستخباراتيا؟

- كنا مستعدين سياسيا وعسكريا واستخباراتيا، في آخر فترة ما عزز الفرصة كان سلوك النظام قبل المعركة بـ3 أشهر أصبح يحاول أن يصدّر، ليتهرب من انهزامه وضعف موقفه واستحقاق الحرب مع لبنان، حاول تصدير الأزمة إلينا بأننا نحن السبب لأننا قمنا بثورة وأضعفنا النظام ما منعه من مؤازرة المحور، هذه السيمفونية التي حاول أن يلعبها. وبدأ يصدر الأزمة إلى الشمال وبدأ يدرب فرقا لـطائرات مسيرة انتحارية، والميليشيات الإيرانية بدأت تدريب عناصر تابعة له. وللتدريب العملي كانوا يأتون إلى خطوط التماس ويستهدفون شبابنا العسكريين. فبعد المرة الأولى والمرة الثانية أخذنا تدابير فلم تعد هناك أهداف عسكرية لهم فبدأوا باستهداف المدنيين. وهذا جرى على مدى شهرين أو ثلاثة بوتيرة متزايدة جدا ما أدى إلى تهجير أكثر من مئتي ألف مواطن من تلك القرى باتجاه ريف حلب، كل الخط من الغرب إلى ريف حلب الغربي. وحصل تصعيد روسي بقصف بالطيران أكثر من مرة على إدلب وغيرها، وبدأ النظام يتحدث عن حملة عسكرية. واستنفر فعلا قواته على خطوط الجبهات وكان ذلك في أشهر أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول. واستدعى الفرقة 25 من البادية التي كانت تقاتل "الدواعش"، وكل ذلك مصور إذ بدأ يتحدث عن عملية إلهاء لحاضنته عن المشهد في الجنوب. وكانت إسرائيل في ذلك الوقت تعتدي، ليس فقط عبر انتهاك السيادة بالقصف والاغتيالات بل أصبحت تتقدم ميدانيا في القنيطرة وتبني السواتر وتحاول أن تحدث خرقا.

كان مشهد اتخاذ قرار المعركة مشهدا صعبا جدا، وطبعا نحن مدركون أن الفرصة كبيرة ولكن أيضا التحديات كبيرة. إدلب فيها 5.5 مليون نسمة وفيها 1300 مخيم يسكنه 1.7 مليون شخص. لا دعم سياسيا ولا دعم عسكريا من أي دولة، مع تبعات على البنية التحتية تحديدا، مثلا مسألة المشافي والأفران والمخيمات والإيواء واستهداف أي نقطة محررة من قبل النظام بالمدفعية كان يمكن أن يحدث كارثة إنسانية ضخمة كردة فعل إن لم يكن عملنا ناجحا. كان تحديا كبيرا جدا وحتى كان تحديا سياسيا. لكل الدول كانت رافضة العملية.

كان مشهد اتخاذ قرار المعركة صعبا جدا وطبعا نحن مدركون أن الفرصة كبيرة ولكن أيضا التحديات كبيرة. إدلب فيها 5.5 مليون نسمة وفيها 1300 مخيم يسكنه 1.7 مليون شخص. لا دعم سياسيا ولا دعم عسكريا من أي دولة

مارسنا جهدا سياسيا مع أكثر من طرف لإقناعهم بقدرتنا على العمل، إلى حين وجدنا أن الظرف ميدانيا وسياسيا يسمح بأن نبادر. ونحن للحقيقة كنا نعد خططا مرنة وهجينة تتجاوز الطريقة الكلاسيكية في الحروب، وكان الهدف واضحا بالنسبة لنا في أن لا ندخل في صدام مباشر مع النظام، وإنما نقوم بضربات تؤدي إلى انهيار النظام. فخططنا لهذه المسألة وكل ذلك سببه أننا امتكلنا الأدوات: لدينا قوات نخبة مدربة بشكل كبير جدا بكافة الظروف، قوات نخبة غير "العصائب الحمراء" التي تعمل خلف الخطوط. في الألوية العسكرية التي أنتجناها وفي الفرق العسكرية هناك كتائب نخبة مدربة بشكل كبير جدا، مهيأة بظروف معقدة جدا وتدريبات متقدمة جدا، عدا الأسلحة الأخرى التخصصية التي أدخلناها وفعّلناها بشكل كبير من أسلحة القنص والإسناد المباشر وغيرها. وحتى تدريب "سرايا القتال الليلي" وهذا شيء لم يكن معروفا في الثورة، نحن أدخلنا تكتيك القتال الليلي على كل الأسلحة، وليس فقط على المشاة بل على كل أصناف الأسلحة بحيث أصبح بإمكاننا استخدامها ليلا إذا اتخذ قرار بالمعركة.

في الحلقة الثانية:

سقوط نظام الأسد كان أسرع مما توقعنا... وتواصلنا مع وزير الدفاع قبل الدخول إلى دمشق

font change

مقالات ذات صلة