في وسعك أن تلاعب كلبا في الطريق بعد منتصف الليل. تخبره عن أحلامك، عن رغبتك بأن تطير وتحلق، تمسده وترقص معه الفالس، ربما تكون رقصتك الأخيرة. أنت التائه في جندوبة، ذو القلب الودود الذي قست عليه الأيام، وطحنته شوارع المدينة الفقيرة، حيث كل امرئ فيها يحاول تدبير عيشه، ورسم كيانه، وحفظ كرامته، معرّض لأن يقطع الخط الفاصل بين الخير والشر، حين لا تصبح الخطوط إلا نظريات واهية، تتلاشى تحت وطأة القسوة.
ترقص مع كلب، وتموت في النهاية بطلقة رصاص في عملية مدبرة من رجال المافيا. انه قانون الغابة، الأوسع والأشرس من المناطق الصغيرة التي تظنها آمنة وبعيدة، ونارها مشتعلة على الدوام، لكي تكون دافئة، مرتعا للقبل مع الحبيب، واللعب مع الصديق، والحلم فوق الجميع.
تقع هذه المشهدية القاسية في صلب العالم الثري والمتمكن للمخرج التونسي لسعد الدخيلي في فيلمه الأحدث "لا زون" (المنطقة، او ربما البقعة بالترجمة العربية) الذي عرض في الدورة الأخيرة من "أيام قرطاج السينمائية".
شخصيات ثلاثية الأبعاد
يصور الفيلم حياة 5 شخصيات تعيش وتصارع في مدينة جندوبة في الشمال الغربي التونسي، التي تعرف معدلات تنمية متدنية وبطالة عالية وتعتبر مركز استقطاب لمحيطها بوصفها مدينة خدمات في مركز ولاية. لكن هذا لا يجردها من شراسة الليل الذي تسرح فيه كلاب ضالة، يصورها المخرج بتكرار في شريط فيلمه، في إسقاط مجازي يجسد توهان البشر أيضا وبحثهم عن أمل ما.