يدور كلام كثير محفوف بالأسئلة عما إذا كان "حزب الله" قد رمم قواه واستعاد عافيته بعد الضربات القاسية التي تلقاها خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وهي أسئلة فاقمها سقوط حليف "الحزب" بشار الأسد باعتبار أن سوريا كانت معبرا رئيسا للسلاح من إيران إلى لبنان. لكن واقع الحال أنه وفي ظلّ عدم وجود إجابة واضحة وكافية عما إذا كان "حزب الله" قد أعاد فعلا بناء نفسه، وكيف فعل ذلك وبأي حدود، وما المقصود أصلا بذلك، هل قوته السياسية في الداخل اللبناني أم ترسانته العسكرية التي من المستحيل أن يكون قادرا على إعادتها كما كانت قبل الحرب، في ظل ذلك كله فإن الأكيد أن الانقسام اللبناني الذي شهد تحولات كثيرة خلال الحرب استعاد عافيته بقوة بعدها خصوصا مع اقتراب الجلسة البرلمانية المخصصة لانتخاب رئيس في التاسع من يناير/كانون الثاني الحالي.
من الواضح أن "حزب الله" يحاول التأكيد من خلال تفعيل ماكينته السياسية والإعلامية عشية الجلسة أنه أعاد ترميم قوته لا بل إنه أقوى مما كان بوصفه حزبا "حديديا" كما قال أحد مسؤوليه الأحد الماضي. بذلك أصبح البرهان الافتراضي على ترميم "الحزب" لقوته هو حضوره على المسرح السياسي اللبناني دون أرض المعركة في جنوب لبنان، وهي معركة لم تطو صفحتها نهائيا بعد، في ظل استمرار إسرائيل في قصف مواقع تقول إنها لـ"حزب الله" واستمرارها في تفجير المنازل وتجريف الحقول وإعادة تموضع قواتها، في وقت لم تنقض مهلة الستين يوما المحددة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" والذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
بالتالي فإن السؤال المطروح هو عن أهداف إسرائيل من وراء "حركتها" المتواصلة في جنوب لبنان ليس جنوب نهر الليطاني وحسب، بل أيضا للشمال منه حيث استهدفت مواقع الخميس الماضي قالت إنها منصات صواريخ لـ"حزب الله". فهل سينسحب الجيش الإسرائيلي من القرى الجنوبية بحلول مهلة الستين يوما لاتفاق وقف النار؟ وما مدى دقة التسريبات عن مسعى إسرائيلي- أميركي لتمديد هذه المهلة لتصبح 90 يوما؟ هذا فضلا عن التسريبات الإسرائيلية عن نية الجيش الإسرائيلي البقاء في نقاط محددة بجنوب لبنان، وإقامة منطقة عازلة على الحدود بعمق ثلاثة كيلومترات؟ ولعل السؤال الأبرز هو كيف سيتصرف "حزب الله" في حال ماطل الجيش الإسرائيلي في انسحابه من الجنوب اللبناني، وفي حال اقترح تمديد مهلة هذا الانسحاب؟ مع العلم أن زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت الإثنين تزامنت مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من بلدة الناقورة، وهو ما قد يحمل رسالة إسرائيلية أميركية مزدوجة حول نية إسرائيل الانسحاب في غضون المهلة المحددة للاتفاق، لكن في المقابل فإن تصريحات هوكستين من بيروت تترك مجالا للتشكيك في توقيت هذا الانسحاب، إذ لم يكن جازما في أنه سيحصل في مواقيته المحددة.
حتى الآن قال "حزب الله" على لسان أمينه العام نعيم قاسم ما مفاده إنه يحتفظ لنفسه بتوقيت التحرك ضد الخروقات الإسرائيلية سواء قبل انقضاء مهلة الستين يوما أو بعدها، وهو ما يذكر بمعادلة الرد في المكان والزمان المناسبين والتي اشتهر بها "محور الممانعة" قبل انهياره. بيد أنه ومقابل اتهام "الحزب" لإسرائيل بخرق اتفاق وقف إطلاق النار فإن تل أبيب أيضا تتهمه بالمثل وبالأخص بالمماطلة في الانسحاب من جنوب الليطاني وتسليم أسلحته للجيش اللبناني.