الجزائر وفرنسا بين الأزمات الجديدة والمتجددة

التوتر المستمر بين البلدين يراوح مكانه

أ ف ب
أ ف ب
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في مطار الجزائر العاصمة

الجزائر وفرنسا بين الأزمات الجديدة والمتجددة

تواجه العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة جديدة بعدما وجهت الجزائر اتهامات صريحة ومباشرة إلى باريس بالتورط فيما وصفته بأعمال عدائية وإعداد مخططات من شأنها زعزعة استقرار البلاد، وعلى ما يبدو أن الأزمة بين البلدين بلغت الذروة وقد تصل حد القطيعة التامة.

واستدعت الخارجية الجزائرية مؤخرا السفير الفرنسي لدى الجزائر ستيفان روماتيه، لإخطاره احتجاجا رسميا بخصوص ما وصفته بـ"الممارسات العدائية" الصادرة عن الأجهزة الأمنية الفرنسية التي صارت متكررة بشكل مقلق لم تعد السلطات الجزائرية تحتمل السكوت عنه بينما وصفت وزارة الخارجية الفرنسية الاتهامات الجزائرية بأنها واهية ولا أساس لها من الصحة.

وبث التلفزيون الحكومي الرسمي الشهر الماضي وثائقيا يحمل عنوان "فشل المؤامرة.. صقور الجزائر تنتصر" عما وصفه بخيوط مؤامرة المخابرات الفرنسية في محاولة فاشلة للمساس باستقرار البلاد.

ويروي الفيلم الوثائقي قصة شاب جزائري كان قد عاد عام 2016 من الرقة في سوريا، إذ كان منضويا تحت لواء خلايا تنظيم "داعش". وبعد عودته قضى ثلاث سنوات في السجن بالجزائر . كما يروي الوثائقي قصة تجنيد الشاب، بحسب الوثائقي، لحساب المخابرات الفرنسية لتشكيل خلايا إرهابية في الجزائر، إلا أن السلطات الجزائرية أحبطت الخطط.

ولا تعتبر هذه الواقعة هي الأولى من نوعها، إذ سبق وأن وجهت الحكومة الجزائرية أصابع الاتهام نحو باريس بسبب ما وصفته بالتساهل في نقل كمية من الأسلحة والذخيرة الحية إلى مصلحة التنظيم الإرهابي المعروف اختصارًا باسم "ماك"، انطلاقًا من ميناء بجاية (شرقي العاصمة الجزائرية)، وتمت عملية النقل، وفقا للتحقيقات انطلاقا من ميناء مارسيليا الفرنسي وذلك لمصلحة تنظيم إرهابي بغرض استغلالها في عمليات إرهابية محتملة.

هل توشك العلاقات على القطيعة؟

وحول مستقبل العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يقول الباحث الجزائري في العلوم السياسية والعلاقات الدولية تلي عبد الله لـ"المجلة": "إن منهج صناع القرار السياسي في فرنسا ما زال مرهونًا ومرتبطًا بفرنسا الاستعمارية أي يمكن أن نميز بين فرنسا الجمهورية ذات التوجه الأوروبي وفرنسا ذات التوجه الأفريقي وهم من يسيطرون على مفاصل الدولة الفرنسية مما يبقيها أسيرة لماضيها الاستعماري الذي يرى في أفريقيا منطقة نفوذ فرنسية يجب أن تظل في قبضتها ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وهو الضامن لبقائها قوية مما يدفع ببذل كل جهودها لأجل إخضاع أي سياسة تقوم في مستعمراتها السابقة قد تؤدي لتراجع نفوذها وضياع مصالحها".

تواجه العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة جديدة بعدما وجهت الجزائر اتهامات صريحة ومباشرة إلى باريس بالتورط فيما وصفته بأعمال عدائية وإعداد مخططات من شأنها زعزعة استقرار البلاد

ويرى تلي عبد الله أن "استدعاء السفير الفرنسي للمرة الرابعة على التوالي في غضون 3 أو 4 سنوات دليل قاطع على أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تحمل نوعا من الخصوصية، فهي مبنية على جدلية وتجاذب دبلوماسي لا سيما في المجال المتعلق بالتاريخ والذاكرة غير أنها مستمرة في باقي المجالات الثقافية والتجارية والاقتصادية".

ويمكن التأكيد أيضا على أن النزعة الاستقلالية التحررية في سياسة الجزائر الخارجية ومرافعتها الدائمة من أجل التحرر من الارتهان والتبعية لمستعمر الأمس بات يكبح المقاربات الاستراتيجية الفرنسية لبسط نفوذها في أفريقيا، بحسب الباحث الجزائري.

 ويضيف تلي عبدالله أن فرنسا تعمل على "التقرب من مفاصل النقل التجاري في القارة السمراء ولذلك نلاحظ اليوم تركيزها على البحر الأحمر وخليج غينيا ومنطقة الساحل الأفريقي والوصول إلى الموارد الطبيعية خصوصًا اليورانيوم والهيدرو كربير المؤثرين في الصناعة العسكرية والكهربائية الفرنسية وأخيرا توسيع الأسواق الفرنسية لتكون القارة الأفريقية سوقا للمنتجات الفرنسية".

AP
خلال جلسة للبرلمان الجزائري

ولا تبرز في الأفق أية مؤشرات توحي بعودة العلاقات بين الجزائر وفرنسا إلى الوضع الذي كانت عليه قبل أن يظهر اليمين المتطرف كقوة سياسية مهيمنة في فرنسا والمرجح أن تشهد العلاقات جمودا لسنوات وربما حتى يتم فرز الحياة السياسية في فرنسا.

 ويشرح المحلل السياسي أحسن خلاص تصوره قائلا في إفادة لـ"المجلة" إن "النشاطات الفرنسية اتخذت أهدافًا عدائية خطيرة بمحاولة توظيف الإرهاب لزعزعة استقرار الجزائر منذ أكثر من عام"، واللافت وفق المتحدث أن "مخططات المخابرات الفرنسية صارت مرتبطة بنمو اليمين المتطرف وظهور أطراف دبلوماسية وسياسية معروفة بتصريحاتها العدائية تجاه الجزائر وهذه الأطراف عملت كل ما في وسعها للوقوف أمام تطور العلاقات بين البلدين"، وهنا يمكن الإشارة إلى حدثين بارزين يتمثل الأول في الحيلولة دون نجاح زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى فرنسا التي كانت مقررة في الثاني من يناير/كانون الثاني 2023 تلتها حملات إعلامية وسياسية حادة شنها رموز اليمين الفرنسي ضد الجزائر فضلا عن دفع صانع القرار السياسي في باريس نحو الاعتراف بالحكم الذاتي المغربي على الصحراء الغربية لزيادة منسوب التوتر".

ولا يستبعد البروفيسور بريك حبيب الله باحث أكاديمي وأستاذ جامعي بالمركز الجامعي تندوف سيناريو "القطيعة التامة" بعد أن بلغت الأزمة ذروتها وباتت تنذر بالأسوأ، ويقول لـ"المجلة" إن "العلاقات الجزائرية الفرنسية تمر بفترة غير صحية دبلوماسيا بسبب تهور الجهات الفرنسية الرسمية وتورطها في العداء تجاه الجزائر بهدف ضرب استقرار البلاد وزعزعة أمنها وكل ذلك مع سبق الإصرار والترصد ودون مراعاة الأعراف والقوانين الدولية التي تحفظ مبدأ الاحترام المتبادل والسيادة الكاملة لأي دولة، وهذه الأعمال والمواقف السخيفة من جهة فرنسا لم تكن الأولى من نوعها بل سبقتها مجموعة وسلسلة من الأزمات السابقة في شقها الاقتصادي والتاريخي كانت سببها فرنسا دائما والجزائر تحاول قدر الإمكان تجنب الوقوع في أزمة دبلوماسية

font change

مقالات ذات صلة