أوكرانيا... ترمب يكتشف صعوبة تحقيق السلام

ثمة مخاوف في كييف من أن يعيد ترمب فرض قيود على المساعدات

أ ب
أ ب
الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترمب والرئيس الاوكراني فولودمير زيلينسكي أثناء اجتماعهما في نيويورك في 27 سبتمبر

أوكرانيا... ترمب يكتشف صعوبة تحقيق السلام

بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من إطلاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يُعرف بـ"العملية العسكرية الخاصة" ضد أوكرانيا، تشير كافة المعطيات إلى أن إنهاء الأعمال العدائية والتفاوض على اتفاق سلام سيتبوأ سلم الأولويات في عام 2025.

كان لوصول دونالد ترمب إلى السلطة وبدء ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر تأثير ملحوظ على جميع الأطراف المشاركة في الصراع، ولاسيما في ما يتعلق بالنهج الذي تبنته كل من موسكو وكييف.

وكم تباهى ترمب، الذي يفتخر بعلاقاته الطيبة مع بوتين، خلال حملته الانتخابية الرئاسية بأنه سينهي الصراع في أوكرانيا خلال "24 ساعة" من عودته إلى البيت الأبيض، وكم انتقد، وأنصاره الجمهوريون، الدعم العسكري والمالي الذي قدمته إدارة بايدن المنتهية ولايتها لكييف منذ أن شنت روسيا غزوها عليها في فبراير/شباط 2022.

ووفقا للجنة غير الحزبية للميزانية الفيدرالية المسؤولة، فقد أقر الكونغرس تقديم مساعدات إجمالية بلغت 175 مليار دولار لأوكرانيا على مدار السنوات الثلاث الماضية، مما يعكس الحجم الكبير للدعم الأميركي خلال الصراع.

في هذا الوقت، يستغل الرئيس جو بايدن أيامه الأخيرة في منصبه لزيادة دعم واشنطن لأوكرانيا قبل أن يتولى ترمب منصبه، وقد أعلن لذلك عن تقديم ما يقرب من ستة مليارات دولار من المساعدات العسكرية والتمويل الإضافي لأوكرانيا في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وأعلن بايدن في بيان له: "بناء على توجيهاتي، ستواصل الولايات المتحدة العمل الدؤوب لتعزيز موقف أوكرانيا في هذه الحرب خلال الفترة المتبقية من ولايتي". وأكد أن المساعدات الجديدة ستزود أوكرانيا "بتدفق فوري من القدرات التي تستخدمها باستمرار وبشكل كبير في ساحة المعركة كما ستوفر لها إمدادات طويلة الأجل من أنظمة الدفاع الجوي والمدفعية والأسلحة الحيوية الأخرى".

ينبع سعي بايدن اليائس لتزويد أوكرانيا بأكبر قدر ممكن من الدعم قبل مغادرته البيت الأبيض من القلق السائد من أن ترمب سيخفض بشكل كبير دعمه لكييف بمجرد دخوله المكتب الرئاسي. وكان ترمب قد انتقد بالفعل استخدام أوكرانيا للصواريخ التي تزودها بها الولايات المتحدة لشن هجمات في عمق الأراضي الروسية. وفي مقابلة له مع مجلة "تايم" نُشرت في ديسمبر/كانون الأول، أعلن أن "ما يحدث أمر جنوني. إنه الجنون بعينه. وأعارض بشدة إطلاق صواريخ لمسافة مئات الأميال داخل روسيا. لماذا نقوم بذلك؟ إننا نصعد هذه الحرب لا أكثر، ونجعلها أسوأ. ما كان ينبغي السماح بمثل هذا الأمر".

جاءت تعليقات ترمب في أعقاب قرار بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني برفع القيود المفروضة على استخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى المقدمة لأوكرانيا لشن هجمات في عمق الأراضي الروسية، والتي يصر الأوكرانيون على أنها بالغة الأهمية في محاولاتهم للتصدي للمحاولات الروسية لغزو البلاد.

رفع بايدن القيود بعد مناشدات من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي زعم أن الروس يسعون لتصعيد المواجهات بشكل كبير من خلال نشر ما يقدر بنحو 15 ألف جندي كوري شمالي في ميادين القتال.

وثمة مخاوف اليوم في كييف من أن يعيد ترمب فرض القيود بمجرد توليه منصبه، ما يعني الحد من قدرة القوات الأوكرانية على الصمود في وجه المزيد من الهجمات الروسية. ومن المرجح أيضا أن يسعى ترمب إلى تقليص مستوى الدعم الأميركي لأوكرانيا، وبدلا من ذلك تركيز جهوده بهدف إنهاء الصراع.

وسوف يحصل ترمب أيضا على دعم من أعضاء حزبه الجمهوريين الذين سيسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ، والذين يشاركون الرئيس المنتخب تحفظاته حول الإبقاء على مستوى الدعم الأميركي عند مستواه الحالي.

سعى الكرملين في السابق إلى تبرير غزوه لأوكرانيا بالقول إنه كان يهدف إلى منع الأوكرانيين من الانضمام إلى حلف "الناتو"، وهي الخطوة التي يزعم الروس أنها تبرر مخاوفهم بشأن أمنهم

وتشير التقارير إلى أن فريق ترمب يعمل منذ الآن على صياغة مقترح سلام لإنهاء الصراع في أوكرانيا، حيث يقترح المستشارون، ومن بينهم الفريق أول المتقاعد كيث كيلوغ، إجبار أوكرانيا على الدخول في محادثات السلام عن طريق التهديد بقطع المساعدات الأميركية الحيوية. وتشمل المقترحات الأخرى تجميد محاولات أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لمدة عشرين عاما على الأقل، ونشر قوة أوروبية لحفظ السلام تتكون من قوات بريطانية وأوروبية في شرق أوكرانيا.

وعلى الرغم من تحفظ ترمب على الكشف عن تفاصيل محددة عن خطته للسلام، فقد بات يعترف بأن حل النزاع في أوكرانيا قد يكون أكثر تعقيدا من معالجة التوترات في الشرق الأوسط. ورغم التزامه بالتفاوض على تسوية سلمية، نراه يؤكد على أن ليس لديه أي نية للتخلي عن أوكرانيا من خلال إجبار كييف على التنازل عن أراض استولت عليها القوات الروسية. وقد قال في ذلك: "أريد الوصول إلى اتفاق، والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك بعدم التخلي عن حلفائك".

وكان زيلينسكي قد جعل عضوية حلف "الناتو" جزءا أساسيا من مقترحاته للسلام حيث يسعى لإقناع الغرب بتقديم ضمانات أمنية موثوقة ضد أي اعتداءات روسية مستقبلية.

ولكن السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى التحالف الغربي من المرجح أن يشكل حجر عثرة رئيسا في أية محادثات سلام مستقبلية، لأسباب ليس أقلها أن بوتين يعارضها بشدة، كما أنها قضية خلافية بالنسبة للكثير من القوى الغربية الكبرى.

وبصرف النظر عن المخاوف من أن الهياكل الحكومية في أوكرانيا تفتقر إلى المعايير المطلوبة لعضوية "الناتو"، فإن القادة الغربيين مترددون في تقديم الضمانات الأمنية الجوهرية التي يوفرها البند الخامس للأوكرانيين، والتي من شأنها أن تلزمهم بتقديم الدعم العسكري لكييف في حال وقوع أي مواجهة أخرى مع روسيا. ويمكن لمثل هذه الخطوة أن تثير حربا شاملة بين روسيا والغرب، ما يزيد من احتمالات المواجهة النووية.

سعى الكرملين في السابق إلى تبرير غزوه لأوكرانيا بالقول إنه كان يهدف إلى منع الأوكرانيين من الانضمام إلى حلف "الناتو"، وهي الخطوة التي يزعم الروس أنها تبرر مخاوفهم بشأن أمنهم.

وانعكست معارضة روسيا لهذه الخطوة في تعليقات أدلى بها في وقت سابق من هذا الأسبوع سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي منذ فترة طويلة والذي انتقد بشدة مقترحات طرحتها إدارة ترمب القادمة. وقال لافروف إنه وبالرغم من أن موسكو لم تتلق أية تفاصيل رسمية عن خطة ترمب للسلام، فالكرملين لديه اعتراضات على الكثير من التفاصيل.

وقال: "لسنا سعداء بالطبع بالمقترحات التي قدمها أعضاء فريق ترمب لتأجيل قبول أوكرانيا في "الناتو" لمدة عشرين عاما ونشر قوات حفظ سلام بريطانية وأوروبية في أوكرانيا".

ودعا لافروف إلى "اتفاقات موثوقة وملزمة قانونيا تعمل على القضاء على الأسباب الجذرية للصراع وتنتهي بالوصول إلى آلية تمنع احتمال انتهاكها".

ومع إشارة إدارة ترمب إلى أنها تريد، على أقل تقدير، إنهاء الأعمال العدائية في أوكرانيا، يكثف طرفا النزاع جهودهما لتحقيق تقدم ملموس على الخصم، أملا في أن يكون للمنتصر على الأرض اليد الطولى في أية مفاوضات مستقبلية.

يتجه زخم الصراع في أوكرانيا نحو تسوية سلمية حالما تتولى إدارة ترمب السلطة. ولكن من الواضح أنه ليست هناك ضمانات بأن محادثات السلام سوف تفضي إلى حل دائم لهذا الصراع

وقد شهدت عطلة عيد الميلاد في أوروبا تصعيدا كبيرا من جانب روسيا في هجماتها ضد البنية التحتية الأوكرانية، حيث وصف زيلينسكي موجة الهجمات التي شنتها روسيا ضد نظام الطاقة الأوكراني في يوم عيد الميلاد بأنها "غير إنسانية".

وفي الوقت نفسه، واصل الأوكرانيون هجومهم ضد المواقع الروسية، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الروسية، وعلى وجه التحديد ضد الوحدات التي تسعى إلى استعادة الأراضي في منطقة كورسك التي سيطرت عليها القوات الأوكرانية خلال هجوم مفاجئ في أغسطس/آب.

وأسفرت تلك الهجمات عن وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف قوات كوريا الشمالية التي أرسلت لدعم المجهود الحربي الروسي، حيث قُتل وأصيب ألف من جنودها في الأسبوع الماضي وحده في منطقة كورسك الروسية، وفقا للمتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي. وهذا العدد يفوق الرقم الذي قدمه المسؤولون الأميركيون في السابق.

وقال كيربي: "يبدو جليا أن قادة روسيا وكوريا الشمالية العسكريين يعاملون هذه القوات على أنها غير مهمة ويمكن استبدالها بسهولة وهم يأمرونها بشن هجمات يائسة ضد الدفاعات الأوكرانية". ووصف هجوم القوات الكورية الشمالية بأنه "حشود من الهجمات المفككة بنيويا".

وقد يتجه زخم الصراع في أوكرانيا نحو تسوية سلمية حالما تتولى إدارة ترمب السلطة. ولكن من الواضح أنه ليست هناك ضمانات بأن محادثات السلام سوف تفضي إلى حل دائم لهذا الصراع.

font change

مقالات ذات صلة